بقلم : مكرم محمد أحمد | الاربعاء ١٥ يوليو ٢٠١٥ -
٣٧:
١٠ م +02:00 EET
مكرم محمد أحمد
هل استهدف الإرهاب القنصلية الإيطالية وسط القاهرة، فى هذا الموقع شديد الزحام ملتقى شارعى الجلاء و23 يوليو قريباً من منطقة الإسعاف؛ لأنه أراد عقاب إيطاليا أكثر الدول الأوروبية دعماً لمصر فى مواجهة الإرهاب وأشدها إدانة لجرائمه النكراء.. أم أن السبب فى استهداف القنصلية هو وجودها فى هذا الموقع الحيوى الذى يجعلها هدفاً سهل المنال، يمكن أن يترتب على تفجيره سقوط ضحايا عديدين عقاباً للشعب المصرى الذى تبغضه جماعة الإخوان المسلمين وتود لو نجحت فى إذلاله وقتله وتدمير مقدراته لأنه خرج فى 30 يونيو فى أكبر تظاهرة عرفها تاريخ البشرية يطالب بسقوط حكم المرشد والجماعة، ويقف إلى جوار قواته المسلحة، يدعم جهودها لاسترداد مصر من قبضة جماعة فاشية لم يطق المصريون صبراً على حكمها لأكثر من عام، بسبب طغيانها الفظ وعنصريتها الشديدة وانفرادها بالحكم والسلطة، وتعجلها فى السيطرة على مفاصل الدولة، ولأنها أكدت لكل مصرى أنها تمثل حكم الطاغوت بعد أن أصدر الرئيس المخلوع محمد مرسى إعلانه غير الدستورى الذى يحصن قراراته فى الماضى والحاضر والمستقبل من الطعن عليها أمام القضاء؟
وأظن أن واحداً من الأسباب المهمة التى جعلت جماعة الإخوان المسلمين تترصد القوات المسلحة المصرية وتستهدف تدميرها -لا قدر الله- أن الإخوان ضالعون فى هذا المخطط الدولى الرهيب الذى نجح فى تدمير الجيشين العراقى والسورى وإخراجهما من ساحة الصراع العربى الإسرائيلى! ولم يعد باقياً على الساحة العربية سوى القوات المسلحة المصرية التى تدرك عمق مسئولياتها عن أمن مصر وأمن الشرق الأوسط واستقراره، وتقف عقبة كؤوداً ضد المخططات الأجنبية التى تستهدف إضعاف الأمن العربى والسيطرة على مقدرات المنطقة.
ومن البديهى أن الخلاص من القوات المسلحة المصرية -لا قدر الله- يخدم هذه المخططات، ويتماشى مع أهداف جماعة الإخوان التى تعتقد أن سيطرتها على كل الدول العربية تكاد تكون أمراً مقضياً ومحتماً، إذا نجحت الجماعة فى تقويض قدرة القوات المسلحة المصرية.. ولهذه الأسباب تبغض جماعة الإخوان وحلفاؤها من جماعات الإرهاب الجيش المصرى، وتعتبره عدوها الأول كما تبغض الشعب المصرى، وتسعى الآن لاستخدام السيارات المفخخة فى جرائمها كى يكثر عدد الضحايا، ويصيب الذعر المصريين، وتتحطم آمالهم فى غد أفضل، ويتهيأ مناخ جديد ملبد بغيوم الشك وهواجس الخوف يسمح لأصوات المتخاذلين والمنافقين بأن تخرج من الشقوق، تطالب بالمصالحة مع جماعة الإخوان فى غير أوان ليتكرر فى مصر ما حدث فى العراق وسوريا وليبيا، وتنشط جهود الوسطاء الدوليين بحثاً عن تسوية سلمية للأزمة المصرية يشارك فيها جماعة الإخوان وحلفاؤها! لكنها أضغاث أحلام كاذبة وعشم إبليس فى الجنة الذى لن يتحقق، لأن المصريين الذين عجنتهم التجارب المريرة يعرفون عن يقين أن كل محاولات الإرهاب لا تعدو أن تكون ظواهر عابرة سوف تنتهى إن آجلاً أو عاجلاً، وأن الإرهاب لن يستطيع أن يفرض إرادته على شعب بأكمله، تتكتل كل قواه وجميع فئاته مع الجيش والأمن والمجتمع المدنى والإعلام والقضاء وغالبية النخبة المثقفة دفاعاً عن أمن مصر واستقرارها.. وليس أدل على موقف المصريين من عودة الحياة إلى منطقة القنصلية بعد ساعة واحدة من ارتكاب الجريمة وكأن شيئاً لم يحدث، وذلك ما يزيد من حنق تحالف جماعات الإرهاب وغضبهم، وربما يحفزهم على المزيد من العنف، يقاومون به حالة اليأس من نجاح مخططاتهم.
والواضح من مجريات الأحداث تزايد اعتماد جماعات الإرهاب على السيارات المفخخة فى عملياتهم المرتقبة، وتكديسها بكميات ضخمة من الديناميت بلغت فى حادث القنصلية الإيطالية أكثر من 350 كيلوجراماً كى يزداد الدمار ويكثر عدد الضحايا، وربما تستخدم جماعات الإرهاب عدداً من السيارات المفخخة تنفجر فى توقيت متزامن فى بعض أحياء العاصمة أو المحافظات كى يسيطر الذعر على جميع المصريين، وربما يتبع تفجير بعضها محاولة الاستيلاء على موقع أو مكان يرفعون عليه أعلامهم السوداء ولو لساعة!
ومع الأسف يساعدهم على تنفيذ هذا المخطط الشرير كثرة السيارات غير المستخدمة التى يتركها أصحابها فى الشوارع، وغياب نظام أمنى يتابع السيارات المفقودة ويعلن عن مواصفاتها فى كل شارع وحى، ويراقب السيارات المركونة فى شوارع الأحياء الجانبية، فضلاً عن كثرة أعداد السيارات المسروقة وغياب الجدية فى متابعتها، رغم أن معظم عصابات سرقات السيارات معروفون بالاسم والعنوان لأجهزة الأمن المنشغلة بأحداث الإرهاب مع أن الأمن السياسى والجنائى يصبان فى مجرى واحد.
فى مثل هذه الظروف يتحتم تمشيط إدارات الحكومة ومؤسسات المجتمع المدنى وجمعياته من كل الذين زرعتهم جماعة الإخوان ضمن صفوف الإدارة العليا والمتوسطة بما يحمى المجتمع من أخطارهم وشرورهم دون المساس بأرزاقهم، كما يتحتم إخضاع الناشطين منهم لنظام رقابة صارم يعيق قدراتهم على تقديم العون المادى واللوجستى والمعلوماتى إلى جماعات الإرهاب، مع الإبقاء على كل الأبواب مفتوحة لمن لم يرتكب جريمة ضد وطنه وليس على يديه آثار دماء مصرية ويريد العودة إلى الطريق الصحيح.
وأظن أنه الأوان الصحيح كى تفطن مصر إلى أهمية ملاحقة جماعات الإرهاب فى الخارج على المستويين الإقليمى والعالمى خاصة جماعة الإخوان المسلمين، وتحريض المجتمع الدولى على اعتبارها جماعة إرهابية فكراً وتنظيماً وعملاً، لأنها هى التى تخطط وتدبر وتمول وتنسق جرائم هذه الجماعات بما يضمن وحدة الهدف ودقة التنفيذ، ولأن قادتها وصلوا إلى مرحلة من التبجح تجعلهم يعتبرون قتل جميع المصريين ابتداءً من الرئيس السيسى إلى أصغر جندى نوعاً من القربى إلى الله! وأظن أيضاً أن البداية الصحيحة ينبغى أن تكون من الجامعة العربية، أملاً فى موقف عربى موحد يعتبر جماعة الإخوان جماعة إرهابية، خاصة أن جميع الدول العربية تعانى من تنظيماتها السرية والعلنية وإن كان البعض يؤثر الصمت حرصاً على أن تظل الفتنة نائمة، لكن الجميع يعرفون فى قرارة أنفسهم أن جماعة الإخوان تخطط للوصول للحكم فى الوقت المناسب، وتحتفظ دائماً بوجهين، وجه علنى طيب وبشوش يمثل الدعوة ويجند الشباب ويستميل الأصدقاء، ووجه آخر قبيح وشرير يتمثل فى التنظيم السرى ذراع القوة العسكرية الذى يرتكب جرائم الاغتيال والتفجير ويشكل جزءاً أساسياً من هوية الجماعة ووظيفتها.. ولا يهم كثيراً أن ينجح الجهد المصرى فى وضع جماعة الإخوان على رأس قائمة جماعات الإرهاب فى أول محاولة له، لكن الأكثر أهمية أن تكرر مصر المحاولة بين الحين والآخر وعقب ارتكاب الجرائم الكبيرة خاصة مع استمرار عمليات التصعيد التى تزيد العالم اقتناعاً بخطورة جرائم هذه الجماعات على أمن مصر والشرق الأوسط، كما تزيد قلق العالم العربى من زيادة بأس وقوة هذه الجماعات، فى الوقت الذى تسقط فيه دول عديدة الكثير من احترازاتها لأنها ترى فى وقوف مصر بشجاعة ضد جرائم الإرهاب موقفاً صحيحاً يستحق الدعم والمساندة.
نقلا عن الوطن
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع