الجمعة ١٧ يوليو ٢٠١٥ -
٢٣:
١٠ ص +02:00 EET
بقلم الباحث / نجاح بولس
تناولنا فى المقال السابق وضع الاقباط ومشاركتهم فى الحياة العامة فترة حكم محمد على حتى وفاته عام 1849 ، ولما تدهورت الحالة الصحية للوالى قبل وفاته بعدة سنوات تولى عباس حلمى الحكم فى 24 نوفمبر 1848 بعد وفاة عمه ابراهيم باشا وفى حياة جده محمد على باشا ، وقد وصف المؤرخون عهده بالرجعية والتخلف ، ففيه وقفت حركة التقدم والنهضة التى ظهرت فى عهد محمد على ، فأقصى الخبراء الأجانب من كبار رجال الموظفين ، وأغلق المدارس ولم يبق منها الا النذر القليل ، ولم يكتف بذلك بل ابعد كبار علماء مصر فى ذلك العصر الى السودان وكان من بينهم رفاعة الطهطاوى ، وأغلق الكثير من المعامل والمصانع بحجة الإقتصاد فى النفقات، كما لم يعتنى بالجيش وساءت حالته وتسرب الى ادارته الخلل وسوء النظام .
ولم يكن حظ الاقباط فى عهده افضل من عموم المصريين ، فقد كان عباس حلمى شديد النقمة على الأقباط ، وأخرج منهم كثيرين من خدمة الدولة ، وأراد أن يدبر إخراجهم من مصر وإبعادهم الى السودان ، وحاول أن يستصدر من الأزهر فتوى بجواز إبعادهم ، الا أن الشيخ الباجورى شيخ الأزهر وقتها رفض ذلك ، وظلت سياسته تجاه الأقباط تقوم على التفرقة وعدم المساواة ، حتى قتل داخل قصره يوم 14 يوليو 1854 .
فتولى سعيد باشا الحكم عام 1954 وعمل بعد توليه على إعادة النهضة مرة أخرى معتمداً على المصريين وخصوصاً الفلاحين فأراد اشراك الشعب فى حكومة البلاد وبذل جهوداً موفقة لإصلاح حال الفلاحين والترفيه عنهم فخول لهم حق الملكية العقارية للأراضى الزراعية وسن لهذا الغرض قانونه الشهير باللائحة السعيدية الصادرة فى 5 اغسطس 1858 الذى كان اساس التشريع الخاص بملكية الأطيان فى القطر المصرى ، وبذل سعيد جهداً كبيراً فى سبيل تنمية الجيش مادياً ومعنوياً وصبغه بالصبغة الوطنية وقرر تقصير مدة الخدمة العسكرية وجعلها إجبارية لجميع فئات الشعب.
وكانت سياسة سعيد تجاه الأقباط تقوم على تعزيز روح التسامح الدينى والمساواة بين جميع المصريين ، واعمالاً لمبدأ المساواة قرر سعيد باشا قبول الأقباط فى الجيش وتطبيق قانون الخدمة العسكرية عليهم على إعتبار أنه يجب على القبط أن يحملوا السلاح الى جانب المسلمين فتكون عليهم ذات الواجبات ليتمتعوا بذات الحقوق .
وبعد قرارات سعيد الخاصة بملكية الأراضى الزراعية إنفتح الطريق أمام نمو طبقة ملاك الأراضى نمواً كبيراً ، وقد شكل ملاك الأراضى من الأقباط جزء لا يتجزأ من هذه الطبقة ويذكر أنه فى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين كانت هناك 27 عائلة قبطية تتراوح ملكية كل منها بين الفى فدان وثلاثين الف فدان .
وفى تلك الفترة المشار اليها قامت فى مصر بورجوازية مالية وتجارية كبيرة ضمت عدداً من اثرياء المصريين ومعظمهم من الأقباط ، واشتغل العديد من تجار القبط فى اعمال المقاولات وانشاء المصارف للتسليف وغيرها من الشركات والمصانع ، وعمل عدد من أثرياء القبط وكلاء لدول أجنبيه كالولايات المتحدة الامريكية ، وروسيا ، والنمسا ، وايطاليا ، والمانيا وتجنس بعضهم بجنسيات هذه الدول ليستفيدوا من نظام الامتيازات الاجنبية .
ومن مظاهر التسامح وعدم التعصب التى صاحبت حكم سعيد انه عمل على إلغاء ومنع إقامة الافراح فى حالة اعتناق قبطى للديانة الاسلامية لأن هذا العمل يكدر خواطر الأقباط والأجانب ، أضف الى ذلك أن سعيد باشا هو الذى الغى الجزية المفروضة على الذميين بأمر أصدره فى ديسمبر سنة 1855 ، ولم يميز بين المصريين فى المناصب فنجده يعين مسيحياً حاكماً للسودان معتمداً على الكفاءة بغض النظر عن الديانة التى ينتمى اليها ، كما سمح سعيد باشا للجنود المصريين أن يمارسوا ديانتهم بحرية وعلانية .