الأقباط متحدون - بلحة ملغومة بالمحبة
أخر تحديث ٠٦:١٨ | الأحد ١٩ يوليو ٢٠١٥ | ١٢أبيب ١٧٣١ ش | العدد ٣٦٢٦السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

بلحة ملغومة بالمحبة

بقلم منير بشاى
لا اكاد اصدق ان شابا قبطيا يوزع البلح، عقب الافطار بالاسكندرية، يقبض عليه، هو وشابين آخرين زاروه فى السجن، ويخرج الجميع بكفالة على ذمة قضية ازدراء اديان. 
 
لابد ان ذلك البلح كان محشوا بمادة خطيرة تستدعى التحقيق الحازم والعقاب الرادع.  وربما اعتبروا الورقة المرفقة بالبلحة تحتوى على معانى متفجرة، فهى تقول "يستطيع المولى ان يعلم كل ما تمر به لأنه هو العليم القدير، ويستطيع ان يحمل من على اكتافك كل هم وتعب وضيق، ويعطيك الراحة والخير فهو يحبك جدا"
 
نعم هى تتكلم عن المحبة- وهل توجد قوة اكثر تفجيرا من المحبة؟  الم يقل الكتاب المقدس ان "المحبة قوية كالموت" نشيد الاناشيد 8: 6  
 
يقول قانون الطبيعة ان لكل فعل رد فعل مساو له فى القوة ومضاد له فى الاتجاه.  ولذلك نجد المحبة تقابل احيانا بالكراهية، والخير يعاقب بالشر.  وعندما تطعم جائعا ولو بلحة، او تسقى عطشانا كوب ماء، فمن الممكن ان هذا الخير يثير نزعات التوجس والكراهية "ان جاع عدوك فاطعمه وان عطش فاسقه لأنك ان فعلت هذا تجمع جمر نار على رأسه." رومية 12: 20 
 
ومع ذلك فمن المؤكد انه فى المعركة بين الشر والخير ستكون الغلبة للخير.  الغلبة النهائية ستكون عند الله فى العالم الآخر.  وفى عالمنا ايضا سيتغلب الخير على الشر، ولكن بعد معركة يمكن ان تؤدى الى الصدامات والجروح وقد تراق بسببها الدماء وتسيل فيها الدموع.
 
بعد الاعتداءات الكثيرة التى قام بها المتشددون ضد المسيحيين اعتقد بعض المسيحيون ان العلاج لكسر حدة الشر هو مقابلة الكراهية بالمحبة.  فقادهم تفكيرهم الى ابتكار هذا العمل لعله يثير نوازع الخير ويقود الى محبة مقابلة.  ولكن الطرف الاخر ظن انه ليس من المعقول ان يوجد فى عالمنا من لديه مثل هذه المشاعر الطيبة خصوصا بعد ان يقتل اخيه او تخطف ابنته او يحرق بيته او تدمر كنيسته او يضطروه الى ان يترك قريته ويهاجر.  وبالتالى ربما ظنوا ان هناك هدفا خبيثا يختفى وراء تلك المحبة الظاهرية.  ربما فهموا ان النية من وراء توزيع البلح ورسالة المحبة المرافقة هو اظهار سمو دين بالمقارنة بدين آخر.  وبالتالى ظنوا ان الامر ما هو الا ازدراء بالاديان.
 
ان كان هذا صحيحا فلماذا لم يحاول الطرف المزدرى به ان يقوم بازدراء مقابل فيعمل خيرا يظهر به تفوق دينه، وبذلك يتحول الامر الى سباق فى عمل الخير.  لماذا لا يقوموا بتوزيع مأكولات على المسيحيين ومعها رسالة محبة تبين مآثر دينهم.  وأعدكم انه لو حدث هذا لن يحاول احد افتراض سؤ النية ولن يكون هناك اتهام لأحد بازدراء اى دين.
 
بعد التحقيق سيقدم هذا الشاب وزملائه للقضاء.  ترى ماذا ستكون الاتهامات؟ هل تقديم بلحة للآخر يحمل اى شبهة جنائية؟ هل يمكن تفسيره على انه عمل عدوانى؟  هل الرسالة المرافقة للبلح بها اى كلمة تحمل الكراهية او الاهانة للغير؟  ام انهم سيحاكموا على افتراض ان المتهمين يبطنون شرا على عكس ما يظهرونه من الخير؟  ولو افترضنا ان هناك سؤ النية فى موضوع توزيع البلح فهل وظيفة القضاء محاكمة النيات والضمائر والتى هى من اختصاص الله وحده العارف بالقلوب والكاشف للاسرار؟ 
 
ان كان الانجيل يثير عند البعض أعراض الحساسية فالرسالة المرافقة للبلح لم تحتوى على آية واحدة من الانجيل الذى هو – بالمناسبة - مطلوب من المسلمين ان يؤمنوا به ليكتمل اسلامهم.  وهى لا تناقش الاسلام او تنتقده او تبدى رأيا فيه.  هى تتكلم عن الله الواحد الذى يسعى اليه كل البشر.  هى تقول ان الله يحبنا جدا وتطلب من الناس القاء كل همومهم واتعابهم وضيقاتهم عليه.
 
هل فى هذه الرسالة محاولة للتبشير بالمسيحية؟ هذا مع العلم انه لا يوجد فى القانون الدولى او المصرى ما يجرّم التبشير بالمسيحية طالما يقدم بالوسائل السلمية ودون ارغام او اقحام او توريط.  وبالمثل طبعا لا يوجد فى القانون المصرى ما يجرّم الدعوة الاسلامية.  والاصوات من كل جانب تنادى جماعات الاسلام السياسى ان ينبذوا السياسة ويعودو الى ممارسة العمل الدعوى ويدعوا الى سبيل ربهم بالحكمة والموعظة الحسنة.  فلو توقفت هذه الجماعات عن نشاطها الدموى واكتفت بالعمل الدعوى سنكون جميعا فى منتهى السعادة.  فهل ما نطالب به المنظمات الاسلامية نعتبره جريمة لو مارسه المسيحيون حتى ان كان هذا مجرد شبهة لا يوجد دليل واحد عليها؟
 
اذا كان البلح والرسالة المرافقة له قد اثارت الغضب.  فماذا كان مطلوبا من الشاب المسيحى ان يفعل؟  هل عكس هذه الرسالة كان سيجنبه المشاكل؟  هل كان المفروض ان تكون الرسالة تعبر عن الكراهية فتطلب من الله ان يضع على اكتاف من يقرأها الهم والتعب والضيق؟
 
هذا طبعا لن يحدث، فالمسيحى الحقيقى لا يستطيع الا ان يقدم الخير ويدع الى الحب ويسعى للسلام.  وامنيتى ان ياتى اليوم فى مصرنا الجديدة الذى لا ينشغل جهازنا الأمنى والقضائى بمحاسبة مواطن لأنه قدم بلحة لمواطن آخر بدافع المحبة.  الا طبعا اذا كان هناك شك ان البلحة ملغومة بالديناميت.  وامنيتى الأخرى ان لا ينظر احد الى هذا المقال على انه ازدراء باى دين.  تعبنا خلاص الموضوع زاد عن حده.
 
Mounir.bishay@sbcglobal.net 
 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter