الأحد ١٩ يوليو ٢٠١٥ -
٢٠:
١٠ م +02:00 EET
بقلم يوسف سيدهم
قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها (544)
سيارات الأجرة -التاكسي- من العناصر المهمة التي تعكس المستوي الحضاري في كل عواصم دول العالم المتحضر ومدنها وشوارعها, ليس فقط بالنسبة لمواطنيها وإنما أيضا في عيون زائريها والسائحين المترددين عليها… فسهولة الحصول علي سيارة الأجرة ونوعية السيارة وكفاءة سائقها وتعريفة الركوب كلها من العوامل التي تقاس بها جودة تلك الخدمة وما تضفيه من مدلولات إيجابية أو سلبية علي المدينة ثم الدولة التي تنتسب إليها… وإذا كنت أفتح هذا الملف المسكوت عنه في القاهرة خصوصا وفي مصر عموما, لا أستطيع أن أخفي حسرتي علي أوضاعه المتردية وواقعه الأليم الذي يسئ جدا إلي مستهلكي هذه الخدمة سواء مصريين أو أجانب ويعكس صورة كئيبة عن مصر منذ عقود وحتي الآن, ولا ننسي أنها ساهمت بدرجة كبيرة في عزوف الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا عن ترشيح مصر لاستضافة منافسات كأس العالم 2010, وهي الفضيحة التي تعرف منذ ذلك الوقت باسم صفر المونديال حين لم تحصل مصر علي أية درجة في التقييم وخرجت خالية الوفاض بعد المغرب وجنوب أفريقيا التي حصلت علي شرف تنظيم البطولة آنذاك.
صحيح أنه بعد فضيحة صفر المونديال حدثت حركة تطوير نوعية في سيارات الأجرة التي تسير في شوارع القاهرة بإحلال التاكسي الأبيض محل السيارات المتهالكة من التاكسي الأسود وإمداده بالعدادات الحديثة للتعريفة الجديدة, لكن تظل خدمة سيارات الأجرة متهرئة وغير منضبطة وبعيدة كل البعد عن تحقيق معايير الجودة الحضارية التي تسود جميع عواصم العالم المتحضر بل وفي عواصم الكثير من جاراتنا العربية في منطقة الخليج… وإليكم أهم الأدلة علي ذلك:
* * إن كانت نوعية سيارة الأجرة قد شهدت تطويرا وتحديثا, يظل سائق السيارة مفتقرا إلي التأهيل بجميع مستوياته: المظهري والفني والأدبي -وذلك يذكرني بما نفعله في مجال تطوير التعليم حين نعني بتحديث الأبنية التعليمية والمدارس ونترك المدرسين دون أدني تأهيل يسيئون إلي التعليم ويدمرون عقول التلاميذ- فسائق السيارة الأجرة مازال يعتبر أنه يتفضل علي الراكب بتوصيله إلي مقصده, ولا يدرك أنه يقدم له خدمة يجب أن تكون في أفضل صورة ليستحق أجرة عنها. وينعكس ذلك علي سلوكه بدءا من مظهره الرث غير المهندم الذي يصل في بعض الأحيان إلي القيادة مرتديا الجلباب والشبشب (!!) ثم إهماله بشدة نظافة سيارته وامتدادا إلي انفلاته في استخدام راديو السيارة والتدخين دون مراعاة شعور أو صحة الراكب, هذا ولا يفوتني أن أذكر أنه يسبق كل ذلك حق السائق في قبول أو رفض توصيل الراكب إذا لم يرق له المكان الذي يريد الراكب الذهاب إليه!!.
* * إدارات المرور تقول إنها معنية بالفحص الفني لسيارات الأجرة للتحقق من الصلاحية الفنية واعتبارات الأمان والسلامة علي الطريق, كما تقول إنها معنية باختبارات القيادة وأصولها قبل إجازة إصدار تراخيص القيادة لسائقي سيارات الأجرة… والحقيقة أن سائقي سيارات الأجرة يدعون أن معايير الحصول علي ترخيص القيادة أكثر صرامة وتعقيدا عن مثيلاتها في حالات السيارات الملاكي, لكن ما الذي نعايشه علي أرض الواقع؟ إن أساليب قيادة سائقي سيارات الأجرة في شوارع القاهرة تفتقر تماما إلي الدراية أو التأهيل أو البراعة أو حتي الإلمام بأصول القيادة الآمنة, فما يميزهم هو قدر ملفت من الانفلات وعدم احترام قانون المرور أو علاماته أو إشاراته أو لافتاته علي الطريق والانطلاق بلا ضابط بين السيارات مما يعرضهم وركابهم والسيارات الأخري لخطورة شديدة مع الضرب عرض الحائط بكل أصول الأخلاق واللياقة واستباحة التجاوزات اللفظية والسلوكية مع الآخرين… أما إذا حاول الراكب الاحتجاج أو التعبير عن قلقه مما يحدث فيكون نصيبه هو الإهانة والطرد من السيارة قبل بلوغ مقصده… وكل الحسرة علي زمن ولي من أكثر من نصف قرن حين كانت براعة وانضباط ولياقة وأدب سائقي سيارات الأجرة هي السمة المعروفة في شوارع القاهرة!!.
* * وسط كل ذلك الانفلات والاستعلاء من جانب سائقي سيارات الأجرة يظهر الجهل المخجل الذي يعتريهم إزاء خرائط الطرق وتقسيم المناطق والأحياء في القاهرة, وأصبح من الشائع والمقبول أن يسألك السائق عن مقصدك وإذا قبل مشكورا أن يقلك إليه يبادرك بأن عليك أن تدله كيف يذهب إليه لأنه لا يعرفه!!!. والغريب أن ذلك لا يحدث إزاء مقاصد صعبة أو معقدة إنما إزاء مناطق معروفة ومباشرة, لكن لا أحد يعني باختبار سائقي سيارات الأجرة أو تأهيلهم فيما يخص تخطيط القاهرة وشبكات الطرق فيها سواء إدارات المرور أو نقابة سائفي الأجرة, فالمفترض أن الراكب يعرف المكان الذي يريد الذهاب إليه وعليه توجيه السائق لبلوغه, مع أن العكس هو الصحيح وهو أن الراكب إن كان غريبا أو ضيفا أو سائحا فطبيعي ألا يعرف كيف يصل إلي مقصده ويعتمد علي سائق الأجرة في ذلك.
* * لا يفوتني أن أذكر أن تغيير هذا الواقع المؤسف يعتمد بدرجة كبيرة علي تفعيل القانون ويقظة وتضييق الخناق علي كل مظاهر انفلات سيارات الأجرة وسائقيها, بالإضافة إلي إعادة النظر في معايير تأهيلهم من جانب نقابتهم, كما أضيف أن تشجيع الاستثمار في مجال تأسيس الشركات الخاصة بسيارات الأجرة من شأنه أن ينقل هذه الخدمة نقلة نوعية وحضارية إلي الأفضل ويقربها من المعايير المحترمة السائدة عالميا.