على مائدة إفطار «الأسرة المصرية» التي جمعنا حولها الرئيسُ، في إحدى ليالى رمضان الأواخر، تجاور المسلمُ والمسيحى، الغنى والفقير، العالِم والبسيط، الكهلُ والصبى، المتعافى وذو السَّقَم، المرأةُ والرجل، مواطنون في ثوب الفرح، وثكالى في دثار الحداد على شهداءَ نبلاء غرسوا الوجعَ في قلوب أمهاتهم. ومَن سوى هذا الرجل يجمعُ الفرقاءَ على مائدته، بعدما حصد قلوب المصريين والعرب لقاء ما قدّم للعالم وللتاريخ بإنقاذه مصرَ والأمة العربية من غول الإرهابيين الخونة أعداء الجمال هادمى الأوطان؟!
في الطريق للقاعة كنتُ أدعو الله أن تكون الوليمةُ بسيطة كما يليق بدولة تتعافى من كبوتها الاقتصادية. ولم يخِب ظنّى الحسَن. كانت مائدة غنيةً بتقشّفها، أنيقةً ببساطتها، لا تعرف البذخ المنفّر والإسراف المقزز على الموائد، فتأكدتُ أن يدًا حكيمة تُدير دفّة مصر.
في لقاءاتى السابقة بهذا الرجل النبيل، ضمن وفود المثقفين والكتّاب، كنتُ أحدّث نفسى بأننى مَدينةٌ له بقدر ما أعاد بلادى التي كان يُسرق تاريخُها وتتشظّى حدودُها ويتمزّق شعبُها على مرأى ومسمع من صمت العالم غير المبالى بنازلة مصر المروعة. على مدى عام طويلٍ كأنه الدهر، ثائرٍ كما البركان، تأكدنا أن قوة رفضنا الشعبى الهائلة لا تكفى لإزاحة الغُمّة. نحتاج إلى وتدٍ يدعمُ الطليعة المثقفة والقوى الشعبية الهادر صوتُها في الميادين رافضةً حكم الإخوان الدموى.
وكان جيشنا العظيم في ظهرنا، وكان البيانُ الجسور الذي عزل الجواسيس الخونة وأزاح نِصالَهم الباردة عن عنق مصر الطيبة. فكان هذا الفارسُ كأنما يدُ الله التي دائمًا ما تأتى في وقتها المقدور بالهزيع الرابع، أبدًا لا تتأخر لحظةً عن موعدها الحسَن، ولا تتقدّم. في كل لقاء، كنت أُرجئ تقديمَ هديتى، إذ تأخذنى همومُ بلادى فأقضى ليلتى أرتّبُ في رأسى ما أودُّ طرحه على الرئيس من مخاوفَ ومقترحاتٍ حول محنة التعليم وقضايا المرأة والأزمات الطائفية وما يصل بريدى من هموم القراء اليومية.
كنتُ أنتظرُ مناسبةً أجملَ تكون مصرُ قد نهضت قليلا، وتخلّصت من كابوس الإرهاب وشبح عجز الموازنة. وقررتُ أن اللحظة الأنسب هي يوم ٦ /٨، مع فرحة افتتاح قناة السويس، بإذن الله. لكننى عدلتُ عن قرارى وعزمتُ أمرى على إفطار «الأسرة المصرية». سأقدّم هديتى للرئيس اليومَ، فالهدايا أجملُ ما تقدّم في دفء الأسرة ولمّة الأهل.
ولكن، ماذا عساى أقدم لأول رئيس جمهورية أنتخبُه بملء إرادتى منذ وطئت قدمى هذا العالم في أرض مصر النبيلة؟ الرجل الذي أراه، ويراه ملايين غيرى، المخلّصَ الذي أنقذنا من ويلٍ ما كان له أن ينجلى عن سماء مصر إلا بعد أمد لا يعلم مداه، ولا حلكتَه إلا الله؟
ليس في جعبتى أثمنُ من كتبى التي غزلتُ حروفَها بدأب بانيلوب على نولِها، وصبر سيزيف على صخرة تنحدرُ من قمّة الجبل. اخترتُ اثنى عشر كتابًا من كتبى، لتكون هديتى للرجل الذي أراهن على أنه يقودُ مصر نحو عصر النور والإشراق الذي يليق باسمها العريق، بوصفها البلد الذي قاد مشعل التنوير للبشرية في حلكة العصور الأولى نحو فجر الضمير الإنسانى. من بين عناوين كتبى، ديوان صانع الفرح، أهديه إلى صانع الفرح الذي استبدل بحزن المصريين فرحًا وأملا في الغد، بعد عقود من الإخفاق نسى فيها المواطنُ حقوقَه كإنسان ذى سيادة، أعقبه عامٌ من الإظلام كادت مصرُ تضيع فيه من بين أيدينا في كهف العتمة.
السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى، شكرًا على حبّك لمصر وللمصريين وللعروبة وللإنسانية. كتبى بين يديك الطيبتين اللتين أعادتا إلينا مصرَ وما زالتا تنسجان غدها الآمن المشرق بإذن الله.
نقلا عن المصري اليوم