لا شك أن المحرك الأوحد للقرار المصري اليوم هو الرئيس، فلا يوجد لدينا برلمان أو أي مجلس نيابي آخر حتى إن كان استشاريا يسهم في صنع السياسة المصرية، لذا فالرئيس وحده هو الذي تتم مساءلته عن أي شيء.
كلنا نعرف أن الحكومة برئاسة إبراهيم محلب، ما هي إلا مجموعة تنفيذية أو مجرد سكرتارية لا تعمل إلا بتوجيهات الرئيس، ولا تسمح لنفسها بغير ذلك.. ومن هنا كانت المسئولية التي اختارها الرئيس لنفسه بعد مرور أكثر من عام على حكمه، جسيمة جدا ومتفردة تاريخيًا في العالم كله، فمن يحاسب سيحاسب الرئيس فقط، ومن يلوم سيلوم الرئيس، ومن يحلم بحقه في الحياة بكرامة وحرية لن يجد أمامه سوى الرئيس.
ولقد لعبت الظروف الإقليمية من حولنا، دورا خطيرا من شأنه أن يزيد من حجم التبعات الملقاة على الرئيس السيسي، بل صنعت أكثر من مأزق حقيقي يحيط به وبنظامه وحكومته، التي تتلخص جميعها في شخصه هو.. كيف ذلك؟
أولا: تطورت العلاقة للأسوأ مع دول الجوار العربي، وعلى رأسها المملكة السعودية - اللاعب الرئيسي في الخليج العربى أو قل (الفارسي) - بسبب ميلها إلى خلق مساحات من الود المحسوب والمقدر مع جماعات الإسلام السياسي السني، وعلى رأسها بالطبع الإخوان وحماس، التي بعثت برجلها المعروف خالد مشعل إلى الرياض، بعد ثلاث سنوات من القطيعة التامة، وبالطبع حماس هي جزء من التنظيم الدولي للإخوان، الذي أعلنت السعودية تصنيفه وحظره كجماعة إرهابية إبان حكم الراحل الملك عبد الله!
بالطبع لا يوجد محبة في السياسة أو كراهية، يوجد فقط علاقات قائمة على المصالح، وهذا ما دفع الملك سلمان ونظامه إلى إحياء علاقة مقطوعة مع الإخوان وحماس؛ بسبب التضخم الفارسي في الخليج، وازدهار إيران ماليا وسياسيا وعسكريا، بعد الاتفاق مع الغرب وأمريكا على البرنامج النووي، والإفراج عن الأموال المحظورة التي تقدر بـ127 بليون دولار أمريكي، خلاف فوائدها!
أدى ذلك لشيئين رئيسيين، أولهما هو انخفاض سعر خام البترول لما يقرب من 50 دولارا فقط للبرميل، وهو ما يعني نقصا في الدخل الرئيسي للسعودية وباقي الأخوة العرب، والأمر الثاني هو ظهور إيران كلاعب رئيسي (شرعي) مرضي عليه أمريكيا وغربيًا بل روسيًا في المنطقة، ينفذ سياساته وسياسات غيره أيضًا بالوكالة، ويقسم ما تبقى من دول عربية تتحول لدويلات يوميا بفعل صنيعة أمريكا (داعش السنية).
لذا أصبحت مصر ممثلة في رجل المرحلة الأوحد الرئيس عبد الفتاح السيسي، أمام كل ذلك في مأزق حقيقي، نقص شديد في الدعم المالي العربي، تبدل في الدعم والمساندة بل الضغط على الرئيس في قبول حلف سني مع تركيا وقطر، وبمشاركة الإخوان وحماس كسند وكيان مقابل، وذراع ديني ضد التشيع الذي تستخدمه إيران للتوسع على حساب السعودية وغيرها، ما يُدخل مصر في تناقض داخلي قائم على اعتبار الإخوان جماعة إرهابية داخليا ومحالفتها خارجيا، ثم المرور بالتطور الطبيعي للمصالحة معها وإشراكها اجتماعيا وسياسيا فيما هو قادم، ما يسبب إحراجا شديدا للرئيس.. (يتبع)
fotuheng@gmail.com
نقلا عن فيتو