بقلم: ليديا يؤانس
المكان ليس له مثيل في كل العالم، حينما تقترب منه يخفق قلبك من شدة الوحشة والرهبة، الهدوء والسكون القاتل يُخيم علي المكان فيما عدا صوت الطبيعة وهمسات الزائرين، ربما تدور حوارات صامتة أو هامسة بين الزائرين والقائمين بهذا المكان، الرؤوس تطاطئ في إجلال وتقدير للقائمين بهذا المكان الفريد في نوعه وروعته وقداستة، قد ينبطح البعض علي الأرض سجوداً أمام أحد هذه الرموز لتقديم الصلوات والطلبات لعل وعسي أن تأخذ هذه الرموز الصلوات وترفعها إلي صاحبها في السماء.
المكان عبارة عن تل يبعد بحوالي 12 كيلومتراً عن مدينة "سييوليا" "Siauliai" في شمال ليتوانيا ، ويسمي تل الصلبان، حيث أن مئات الألآف من الصلبان قائمة بهذا التل، بعض الصلبان كبيرة قد يصل طولها إلي عدة أمتار مثبتة علي التل، بعض الصلبان قصيرة جداً وتجدها معلقة علي صليب آخر، الصلبان مصنوعة من مواد مختلفة مثل الخشب أو النحاس أو الحديد أو القصدير أو الأبنوس أو منحوتة من الحجارة، معظم هذه الصلبان معلق عليها تمثال للمصلوب والبعض من غير، أيضاً توجد العديد من التمايل الدينية للمسيح والعذراء.
كثيرين من المسيحيين يعتقدون أن الصليب يرمز للألم والشدة والضيق، فتجد البعض وخصوصاً في وسط الأقباط حينما يمر شخص بتجربة قاسية يقولون عنه أن صليبه كبير.
نعم الصليب ألم وضيق ولكنه في نفس الوقت قوة الله الفعالة المحيية، ولذا قال السيد المسيح له المجد: "إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني،" بمعني أن الشخص المؤمن الحقيقي بمحبته للمسيح وثقته في قوة الصليب والمصلوب يجب أن يتحمل الألآمات والإضهادات وتجارب الحياة القاسية.
لما نظرت هذا التل الرهيب ذهلت من منظر الصلبان وعددها، تخيلت أن بعض المؤمنين كلوا وملوا من حمل صلبانهم فذهبوا إلي هذا المكان وتركوا صلبانهم هناك أملاً في حياة أفضل!
لم أعتمد علي فهمي أو تخميني وبدأت أبحث لأعرف الحقيقة وراء هذا التكدُس الرهيب للصلبان وفي ليتوانيا بالذات!
ليتوانيا إحدي جمهوريات الإتحاد السوفيتي السابق، تأسست عام 1236 أي في القرن الثالث عشر، وهي أكبر دولة من دول البلطيق الثلاث.
تحدها لاتفيا من الشمال،
روسيا البيضاء من الشرق والجنوب،
بولندا من الجنوب الغربي،
أقليم كالينيغراد الروسي وبحر البلطيق من الغرب.
حوالي 83.5 % من الليتوانيون يتحدثون اللغة اللتوانية التي هي اللغة الرسمية للبلد ويشار إليها علي أنها لغة البلطيق. حوالي 80% من الليتوانيون رومان كاثوليك، البقية من معتقدات مختلفة، اليهودية والأرثوذكسية والبروتستانتية بالإضافة إلي قلة مسلمة.
في القرن ال 14 إحتلت الإمبراطورية الرومانية ليتوانيا، ويُعتقد أن الصلبان بدأت تظهر علي هذا التل كوسيلة للتعبير عن رغبتهم في الأستقلال من الإحتلال الروماني.
إستمر الليتوانيين الكاثوليك طوال فترة العصور الوسطي في وضع الصلبان علي التل.
في سنة 1795 دخلت تحت السيطرة الروسية، وكانت إنتفاضة الفلاحين ضد السيطرة الروسية علي ليتوانيا في عام 1831.
في الحرب العالمية الأولي وبالتحديد في عام 1915 إحتلت المانيا ليتوانيا وبلدان البلطيق.
في عام 1918 أعلن الإستقلال، وأعترف الإتحاد السوفيتي بليتوانيا في عام 1920 وأعلن قيام ليتوانيا جمهورية برلمانية لها رئيس يُنتخب مباشرة كل خمس سنوات.
يعتقد الليتوانيين في قوة الصليب وأنه يصنع معجزات، ولذا بدأوا هذا التقليد بوضع الصلبان علي التل بعد إنتفاضة الفلاحين ضد القيصر الروسي عام 1831 لتقف حاجزاً بينهم وبين الأشرار ولحمايتهم.
أيضاً وضعوا الصلبان لإحياء ذكرى أقاربهم الذين تمردوا ضد القيصر وقتلوا ولا توجد لهم جثث.
عموماً تل الصلبان يُعتبر رمزاً للتحدي وخاصة في الفترة 1944-1991 أثناء الإحتلال الروسي للبلد، ومما يؤكد معتقدات الليتوانيين في قوة الصليب والعمل المُعجزي له، أنه ثلاث مرات أثناء الإحتلال السوفيتي لليتوانيا تم تجريف التل والصلبان التي عليه، كمحاولة للقضاء علي رمزية التل، إلا أنه سرعان ما ترجع الصلبان مرة أخري بواسطة السكان الأصليين للبلد وأيضاً بواسطة الحجاج الذين يأتون للحج حيث أن التقديرات تشير إلي أن الألآف يزورون التل كل عام.
ومن الشخصيات الروحية العظيمة البابا جون الثاني الذي قام بزيارة التل لتدشينة، وقام قداسته بوضع نصب تذكاري من الحجر نقش عليه كلمة يشكر فيها الشعب الليتواني من أجل هذا التل العظيم المقدس الذي يشهد علي إيمان الشعب الليتواني أمام العالم كله وكتب ما يلي: "Thank you, Lithuanians, for this hill of crosses which testifies to the nations of Europe and to the whole world the faith of the people of this land "