أتحداك إن أمسكت بقطعة من تراب أرض مصر ونطقت، ستنطق أولا أنا خامة مصرية أصيلة أنا تراب جدودك الأقباط الذين نزفوا دماءهم لأجل إيمانهم تارة، ولأجل حب وطنهم تارة، وظللنا صامدين ضد اضطهاد وتنكيل، لم يرهبنا ملوك ولم تزعزع إيماننا نيران، ولم نهرب لننجو من الاضطهاد والتنكيل بل قدمنا أرواحنا فداء لإيماننا..
أتحداك لو نطقت حفنة التراب، ستخبرك عن حبها لبلادها وتفردها في ذلك الحب الذي عبر عنه قداسة المتنيح البابا شنودة الثالث "مصر ليست وطنا نعيش فيه إنما وطن يعيش فينا"، فتراب أقباط مصر هو أجساد أجدادي البسطاء الطيبين أصحاب الإيمان، لم يرهبهم الحاكم بأمر الله أو الخليفة المأمون ولا السادات ولا مبارك ولا مندوب مكتب الإرشاد.
لقد بذل الأقباط دماءً خلال الثورة المصرية، قدموا كنائسهم ومصادر رزقهم بخور حب لأجل بلادهم، على أمل أن يتغير الحال ويتلاشى الاضطهاد غير المكتوب والمحفور داخل نفوس العديد من البشر.
كان للأقباط على مدى التاريخ رموز ناصعة وطنية وفداء وتضحية لأجل بلادهم.. لن نتحدث عن أبطال حرب أكتوبر فؤاد عزيز غالي وباقي زكي، لم نتحدث عن السير مجدي يعقوب، لم نتحدث عن قداسة البابا شنودة الثالث أو قداسة البابا تواضروس.. إنما نتحدث عن المجند البسيط أبانوب صابر، الذي ضحى بنفسه لإنقاذ كمين من الإرهابيين والمتطرفين باسم الدين.
وبعد قيام الثورة ورحيل الفاشين، وثق الأقباط في رئيس مصر، قدموا له تعضيدا وزحفوا إلى صناديق الانتخابات عن بكرة أبيهم؛ ليدلوا بصوتهم، واختاروا السيسي الرئيس الوطني، وعضد اتحاد المنظمات القبطية بأوربا المصريين في الداخل بتكثيف عملنا داخل مؤسسات عالمية مثل البرلمان الأوربي والأمم المتحدة والإعلام الألماني، من خلال مؤتمرات صحفية.
بذلوا على أمل أن مصر ستتغير، وها هم يصفقون للسيد رئيس الجمهورية كأول رئيس يدخل صحن الكنيسة ليشارك شعبه في عيده، ولم يكتفِ بذلك الأقباط بل صاحوا مصفقين للكثير من الرموز الوطنية التي شاركتهم الاحتفال بالحضور أو بالاتصال، وهللوا وصفقوا عند ذكر أسمائهم فهللوا لاسم الزند "وزير العدل الحالي"، ونال تقديرا وتصفيقا يحمل رسالة حب أمانة أن تكون مصر أفضل.
نجح السيسي في الانتخابات نجاحا شعبيا جارفا، وتقلد السيد الزند وزيرا للعدل.. ولم يتغير حال مصر تجاه أقباطها، ما زال العديد منهم قابعا في السجن من أنظمة سابقة ظالمة، فها هو جرجس برهومي المحكوم عليه بقرار سياسي من أكبر ترزي قوانين في تاريخ مصر.
وها هم يطاردون الأقباط بقانون ازدراء الأديان، الذي اتضح أنه سيف مسلط على رقاب الأقباط.. لم يعاقب بهذا القانون الشباب أو الشيوخ فقط بل الأطفال، منهم الطفل جمال مسعود ذو الستة عشر عاما، حكم عليه 3 سنوات وهجرت أسرته، وقامت أعمال عنف في قرى بهيج ودار السلام بسوهاج عام 2012، وكيرلس شوقي حكم عليه بسجن مشدد 6 سنوات، والشابة دميانة عبد النور حكم بالسجن 6 أشهر.. ذلك على سبيل المثال، وهكذا لم تتغير مصر، والتغير الحقيقي أصبح شكليا، والتغيير الأصلي تغيير تيار إخواني بتيار سلفي، وتوحش الجماعات السلفية وتأسدها على الأقباط في صعيد مصر، فأصبحوا سلطة فوق السلطة، تلغي القانون وتحلل جلسات عرفية راضخة لها الأجهزة الأمنية!!
تحول قانون ازدراء الأديان إلى ازدراء الأقباط والتنكيل بهم، هذا القانون الذي تحول إلى جوكر يلصق مع كل قبطي له مشاكل مع طرف مسلم.. "لتصبح مصر باكستان جديدة".
بالطبع إن ثقتنا في النظام الحالي كبيرة، ولكن الثقة تحتاج إلى أعمال على أرض الواقع، لذلك يجب إيقاف تطبيق هذا القانون الذي أصبح أداة وسيفا مسلطا يستخدمه كل القضاة ضد الأقباط؛ نكاية بهم؛ لأنهم اختاروا مصر ووقفوا أمام الفاشي.. ونحن لا ننتظر رد الجميل على عمل وطني، إنما نأمل في عدالة اجتماعية ومساواة، وهذه أقل الحقوق.
أخيرًا، أليس من العار أن نطالب بمساواة وعدالة بعد قيام الثورة؟.. أليس من العار أن يصرح كل المسئولين بأن مصر تغيرت ولا يوجد تعبير مسيحي ومسلم بينما على أرض مملوءة ظلمًا؟.. أليس من العار أننا لم نتعلم من أخطاء الأنظمة السابقة؟
نقلا عن vetogate.com