تداول عدد من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعى مقطع فيديو -لست أعلم مدى دقته- يُظهر سيدة تحمل طفلاً، تصرخ داخل مستشفى «57357» لعلاج السرطان، مستنجدة بالمستشفى لعلاجه. وظلت السيدة تصرخ داخل المستشفى -كما حكى موقع «الوطن»- وهى تقول: «ابنى قدامه 7 أيام ويموت ومش عاوزين يلحقوه، الحقونى ممعيش فلوس، ابنى هيموت، مش بيلموا تبرعات، فين الناس الغلابة». أتصور أنك لست بحاجة إلى تذكيرك بالإعلانات التى تدعوك للتبرع لمستشفى سرطان الأطفال، يكفى أن أردد لك عبارة «تعاطفك لوحده مش كفاية.. اتبرع ولو بجنيه» حتى تتذكر. وكل الشواهد تدلل على أن القائمين على الحملة الإعلانية لجمع التبرعات «كعوا دم قلبهم عشان قلبك يتوجع وتدفع»!.
الدعوة للتبرع لمشروع مستشفى سرطان الأطفال بدأت عام 1999، أى منذ ما يقرب من 16 عاماً. وبحسبة بسيطة نستطيع أن نقول إن المستشفى يجمع تبرعات سنوية لا تقل عن نصف مليار جنيه مصرى. ولا أجد مبالغة فى هذا الرقم -بل قد يكون متواضعاً- فى ضوء ما أثبتته إحدى الدراسات من أن أموال الزكاة بلغت فى مصر عام 2011 (39 مليار جنيه). أفلا يصل نصف مليار منها إلى مستشفى سرطان الأطفال فى ظل الملايين التى ينفقها القائمون عليه على الإعلانات؟ معنى ذلك أن المستشفى جمع خلال 16 عاماً ما يقرب من 8 مليارات جنيه. جدير بالذكر أن «سوزان مبارك» هى من تولت وضع حجر الأساس لبناء هذا المستشفى، وقدّرت إحدى الشركات الأمريكية تكلفة المرحلة الأولى منه بـ«70 مليون دولار أمريكى»، أى ما يقرب من نصف مليار جنيه (بأسعار اليوم وليس بأسعار 1999)، ودعونا نفترض أن باقى مراحل المشروع سترفع التكلفة إلى مليار دولار أمريكى (أقل من 8 مليارات جنيه) أليس معنى ذلك أن كيل التبرعات زاد وطفح؟
لقد صرخت السيدة الحزينة على طفلها قائلة: «ابنى هيموت، مش بيلموا تبرعات، فين الناس الغلابة؟». سؤال السيدة منطقى للغاية، بالفعل أين ذهبت هذه التبرعات، وكيف لا يستفيد الغلابة من المستشفى وقد جُمعت هذه التبرعات من أجلهم ومن أجل أطفالهم؟ أخشى أن يكون آلام المصريين وأوجاعهم قد تحولت إلى تجارة، وأن تكون التبرعات التى يتم جمعها من خلال الإيجاع بهذه الآلام مجرد «سبوبة» لجمع المال، فى مشهد لا يختلف كثيراً عن مشهد المتسول الذى يحمل طفلاً مريضاً لكى يرقق قلوب عباد الله حتى يدفعوا. هذه السيدة وذلك الطفل الذى كان ينظر إليها فى براءة هما من نبت الواقع، وليس الإعلانات المدفوعة، وأرجو أن يشاهده المسئولون جيداً، فقد يرقق الله قلوبهم على هؤلاء الغلابة، فيتحركوا للتفتيش على مشروعات «سبوبة التبرع»، ليفهموا أين تذهب الأموال التى يدفعها المصريون من أجل الغلابة، ومعنى أن ينفق مشروع مستشفى سرطان الأطفال ملايين الجنيهات على الإعلانات فى رمضان وغير رمضان من أجل حصد التبرعات، لنصل بعد 16 سنة، تم جمع مليارات الجنيهات فيها، إلى هذا المشهد الذى تولول فيه سيدة مسكينة لا حول لها ولا قوة حتى يصل صوتها إلى من يهمه الأمر ليبادر إلى إيقاف نزيف الوجع والهبش الذى لا يصل إلى الأطفال الموجوعين، بل إلى كروش السادة المسيطرين.
نقلا عن الوطن