فى محطة بنزين بمدخل إقليم النورماندى، اتحبسنا 4 ساعات.. بعد أن أغلق المزارعون الطرق، بسبب انخفاض أسعار اللحوم والألبان، والتى تسبَّبت فى خفض دخولهم 30 %!!
«نقابة الفلاحين».. وهى أقوى وأهم نقابة فى فرنسا، قرَّرت قطع الطرق الرئيسية بالجرارات الزراعية، وعلى السياح والمصطافين استخدام الطرق الفرعية.. والمدهش أن أغلبية المسافرين، تعاطفوا مع المزارعين، ونزلوا يهتفون معهم، مُطالبين الحكومة والرئيس بالتدخل!
«ميشيل» وزوجته «جاكلين» (مُربِّيان للحيوانات)، بالشورت والتى شيرت والقبعة، يشرحان لنا «المشكلة»:
نحن من الشباب (28: 30سنة) الذين قرَّروا الحصول على قرض لإيجار مزرعة لتربية عجول وخنازير، وبعد عامين من العمل الشاق (12 ساعة يومياً) انخفضت أسعار اللحوم، بعد الحظر على روسيا.. فلم يعد هناك تصدير لأهم سوق لنا.. والأهم: أن تكاليف الإنتاج زادت 22 % عن العام الماضى (بسبب الضرائب والتأمينات)، ونحن الفئة الوحيدة فى المجتمع، التى تعمل 12 ساعة يومياً حتى فى الويك إند.. ولم نحصل على إجازة منذ عام.. ولهذا قرَّرت «النقابة»: (أ) إغلاق الطرق السريعة،.. (ب) إطلاق الخنازير تتجول داخل سلاسل المحلات الكبرى (كارفور وخلافه)، حتى تستجيب الحكومة لمطالبنا.
وما هى مطالبكم؟:
1. دعم إضافى لكل «مزارع» مُنتج للألبان أو اللحوم (مثلما دعموا منتجى المحاصيل الزراعية).
2. التضييق على المنتجات المستوردة من إسبانيا وألمانيا (بوضع ضوابط صارمة) والتى تقلُّ أسعارها 10% عن منتجاتنا، بسبب انخفاض تكاليف الإنتاج عندهم!
3. التعاون الفاعل مع سلاسل المحال التجارية، والتى تعرض المنتجات المستوردة، لزيادة المعروض من المنتجات المحلية، مع تخفيض هامش الربح عليها!!
4. دعم «التعاونيات»، التى تقوم بتجميع المنتجات، وتتولى التسويق بالداخل والخارج!!
بعد 6 ساعات.. خرج وزير الزراعة يُعلن عن: دعم إضافى قدره 600 مليون يورو، لهؤلاء المرِّبين (فى صورة: «خفض للتأمينات الاجتماعية - خفض لإيجارات الأراضى المملوكة للمحليات- خفض للضرائب غير المباشرة- وخفض للفوائد على القروض إلى ربع % بدلاً من 1 %»)!!
على الهواء، رئيس الحكومة يلتقى «بنقيب الفلاحين» واتحاد المُربِّين (بعد أن رفضوا العرض الحكومى) وقرروا الاستمرار فى انتفاضتهم!!
وفى اليوم التالى خرج رئيس الجمهورية «أولاند» ليطمئن المزارعين، واعداً إياهم بالتالى:
لقاء فورى (فى حضوره شخصيا) مع أصحاب «المجازر»، ومديرى السلاسل التجارية، واتحاد المنتجين، بحضور نقيب الفلاحين، وجمعيات حقوق المستهلكين.
وانتهى اللقاء بالتالى:
1. الدولة (بخلاف الـ 600 مليون يورو دعما) تتولى التكاليف والرعاية اللازمة، لعودة شعار «استهلكوا المنتجات الفرنسية»– شجَّعوا مُنتجى ومنتجات بلدكم «كما كان يفعل الجنرال ديجول»، الذى اهتم جداً بالزراعة، ووعى لأهمية الاكتفاء الذاتى من الغذاء– رغم أن الزراعة لا تمثل 2% من الناتج الإجمالى (فالسياحة تجذب لهم 80 مليون سائح، والصناعة متألقة من السلاح للموضة و..و..)!!
2. تقوم «المجازر» بتخفيض التكلفة تسعة سنت للكيلو– والسلاسل الكبرى (كارفور وغيره) يعرض 95 % من اللحوم الفرنسية، و5% فقط للمستورد.. بالإضافة إلى خفض أرباحهم من 6% إلى 2 % على المنتجات المحلية (لحوم وألبان)!!
3. بموافقة جمعيات حقوق المستهلك، زيادة أسعار اللحوم المحلية «نُص يورو» للكيلو، تشجيعاً للمنتجين!
ومعنى ذلك: زيادة دخل «المُربى» للحيوانات، بنسبة 15%.. ولم يقبل المُربون لكل هذه العروض (الجنتلمان) غير المكتوبة – وقرروا الاستمرار فى انتفاضتهم.. لتنتقل هذه الإضرابات إلى بلجيكا وإيطاليا وبلغاريا، لتعم كل أوروبا التى ارتفعت فيها الأصوات، مطالبة بفسخ اتفاقية الجات، فيما يخص قطاع الزراعة!!
السؤال الآن: لماذا لا يوجد لدينا «نقابة للفلاحين».. يُفتح لها قصر الرئاسة فى أى وقت– كما يفتح «قصر الإليزيه» أبوابه دائماً لممثلى الفلاحين هناك؟
صحيح أن عندنا الآن «عشرات» من لابسى «الجلابيب» التى تظهر على شاشات التلفزة، وكل واحد يقولك إنه «نقيب الفلاحين»، وأمين عام اتحاد الفلاحين العرب، ونقيب مش عارف فين.. وكل حزب عندنا يُحط واحد لابس جلاَّبية «كديكور»، للإيحاء بأن الحزب مهتم بالفلاحين، بعد أن أصبحت الجلابيب «موضة» للظهور على الشاشات، وكلنا يعرف أن استغلال «صفة الفلاح» طوال 60 سنة، كانت بغرض الحصول على عضوية البرلمان (لواء سابق– رجل بسبس عتيق– سياسى انتهازى) وكله تلبيس طواقى!!
والحقيقة: أنه لا يوجد على الأرض «نقابة ولا اتحاد».. يعبر عن صوتهم، لسان حالهم، يعرض مشاكلهم بحق وحقيقى.. والمستفيد الوحيد من «الفلاح» فى مصر الآن هم: التجار والسماسرة والوسطاء.. وأصبح الفلاًّح هو الذى يُسجن.. والمستهلك هو الذى يحترق بنار الأسعار!!.
ويبقى السؤال: لماذا لا يهتم أحد بإنقاذ الزراعة فى المحروسة، رغم علمنا جميعا بأن «الفلاحة» تندثر، وقريباً ستصبح «نقشاً» على جدران المتاحف؟.. رغم أن الحلول مُتاحة وممكنة!!.. ونستكمل الاثنين القادم..
نقلا عن المصري اليوم