الأقباط متحدون - هل تركيا على خطى سوريا؟
أخر تحديث ١٣:٥٤ | الثلاثاء ٢٨ يوليو ٢٠١٥ | ٢١أبيب ١٧٣١ ش | العدد ٣٦٣٥السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

هل تركيا على خطى سوريا؟

د.عبدالخالق حسين
كنا نتصور إن من يضع الشعب ثقته به لا بد وأن يتمتع بقدر كاف من المعرفة والذكاء والحكمة والحنكة السياسية بحيث يجنب شعبه من الكوارث التي هي من صنع البشر، فيتعلم من أخطاء الآخرين، إذ كما قال الحكماء: "العاقل يتعلم من أخطائه، والأعقل يتعلم من أخطاء غيره". ولكن من ينظر إلى ما يحدث من كوارث بسبب الإرهاب يصاب بخيبة أمل من هؤلاء الحكام، ويستنتج بأنهم لم يستخلصوا أي درس أو عبرة من التاريخ، ولا من أخطاء غيرهم من معاصريهم، ولا حتى من أخطائهم.

فأمريكا، والسعودية وباكستان قاموا بتشكيل المنظمات الإرهابية الإسلامية، بأموال السعودية والدول الخليجية الأخرى، والعقيدة الوهابية، من أجل محاربة الشيوعية في أفغانستان. وبعد أن تحقق لهم ما أرادوا، انقلب السحر على الساحر، فعاد الأفغان العرب إلى بلدانهم ليمارسوا الإرهاب ضد شعوبهم وحكوماتهم، ومن ثمارها المرة كارثة 11 سبتمبر 2001 في أمريكا.

وبعد تحرير العراق من أبشع نظام همجي فاشي عرفه التاريخ، لجأ بشار الأسد إلى جعل بلاده ساحة لاستقبال وتدريب وتمويل وتسليح الإرهابيين من السعودية وليبيا وتونس وغيرها من البلدان العربية والإسلامية و أوربا، وإرسالهم إلى العراق لقتل شعبه، وتدمير مؤسساته الاقتصادية وبنيته التحية. وأخيراً أنقلب السحر على الساحر ثانية، ونفس الإرهاب الذي احتضنه و رعاه بشار الأسد أنقلب عليه وأحال بلاده إلى خرائب وأنقاض، وأكثر من مليونين من شعبه مشرد في الشتات، وثلاثة ملايين مشرد في الداخل، ونحو 300 ألف قتيل، وأضعاف هذا العدد من المعوقين والأرامل واليتامى.

ومن المساهمين بدعم الإرهاب في سوريا والعراق هو الرئيس التركي رجب طيب أردغان، الذي شارك بشار الأسد في تدمير العراق. وقد حذرت الحكومة العراقية، ومعها الكتاب المتنورون أن الذي يشعل الحرائق في بيت جاره لا بد وأن تصله النيران لتحرق بيته، فالإرهاب من أخطر وأشر وأسوأ الوسائل لتحقيق الأغراض السياسية. ولكن أردوغان أخذه الغرور كما بشار الأسد والقذافي وغيرهما من قبل.

فقد لعب أردوغان دوراً كبيراً في دعم الإرهاب بجعل بلاده حاضنة لمكاتب تنظيم داعش ورفدها، وجسراً يمر منه الإرهابيون الوافدون من أوربا وشتى أنحاء العالم إلى سوريا والعراق. كما وجعل أردوغان بلاده ملجأً للإرهابيين البعثيين والطائفيين العراقين، حيث سهل لهم، ومازال، عقد مؤتمراتهم وترتيب مخططاتهم لإثارة الفتن الطائفية، وضرب العملية السياسية في العراق. كما ولعب دوراً مفضوحاً فيما يسمى باحتلال الموصل من قبل داعش، حيث قام الدواعش وبتدبير مسبق من أردوغان، بلعبة اختطاف 50 موظفاً من القنصلية التركية في الموصل ليقولوا للعالم أن لا صلة لتركيا بداعش، وأن تركيا هي أيضاً ضحية الارهاب!. واتخذت الحكومة التركية مسرحية اختطاف موظفيها مبرراً لعدم التعاون من التحالف الدولي لضرب داعش بحجة الخوف على موظفيها "المختطفين". وبعد أشهر قليلة، تم إطلاق سراح هؤلاء "المختطفين"، وهم في أحسن حال، وكأنهم عائدون من سفرة سياحية. بل ورفض أردوغان السماح لطيران التحالف الدولي بضرب الدواعش وجبهة النصرة حتى بعد إطلاق سراح موظفي قنصليته في الموصل.

ولكن كما حذرنا مراراً وتكراراً، وصل أخيراً حريق الإرهاب إلى تركيا نفسها، إذ أفادت الأنباء العالمية بقيام انتحاري من داعش بتفجير نفسه داخل المركز الثقافي في مدينة سروج التركية التي تبعد بعِشرة كيلومترات عن مدينة كوباني (عين العرب)، على الحدود السورية، وكان يتجمع فيه ما يقرب ثلاثمائة شخص ممن يعملون على ايصال المساعدات الى مدينة كوباني، وقتل ما لا يقل عن 32 شخصا، وأصيب احو مائة آخرون، كلهم من الأكراد والأتراك اليساريين الذين جاؤوا للمساهمة في إعادة بنا مدينة كوباني بعد تحريرها من داعش. وأعلنت داعش مسؤوليتها عن هذه الجريمة. وكرد فعل، ونظراً لدعم الحكومة التركية لداعش، قام أنصار PKK بقتل شرطيين تركيين، الأمر الذي دفع الحكومة التركية بعمليات انتقامية، فقام الطيران التركي بقصف مواقع حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، مخترقة بذلك الهدنة المعقودة بين الطرفين قبل عامين ونصف. وبذلك فقد أعلن العمال الكردستاني أن اتفاقية وقف النار بين الطرفين قد انتهت بهذا العدوان التركي.
ونتيجة لقيام داعش بأعمال إرهابية في تركيا، اقتنع السلطان أردوغان بأن شعبه وعرشه مهددان بالإرهاب الداعشي الذي هو ساهم في تأسيسه ودعمه ونشره في المنطقة لزعزعة الوضع في العراق وسوريا. وعندئذ فقط سمح أردوغان لطيران التحالف الدولي باستخدام مطار "إنجرليك" الجوية الأمريكية في شرق تركيا لشن ضربات جوية ضد تنظيم"الدولة الإسلامية" (داعش). وليس هذا فحسب، بل وقام سلاح الجو التركي بقصف مواقع لتنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا. وهذا تطور كبير في موقف تركيا لصالح شعوب المنطقة التي عانت كثيراً من الإرهاب، ومن سوء سلوك بعض قادتها من أمثال أردوغان الذي لم يتعلم من كوارث اشعال الحرائق في دول الجوار، ولا يعرف مغبة جريمته إلا بعد أن يصل الإرهاب إلى بلاده. وهذا مصير كل الدول الحاضنة للإرهاب.

وعليه، فأردوغان، ولعبثية سياساته العدوانية قد فتح النار على بلاده من تنظيمين: تنظيم داعش، وحزب العمال الكردستاني. وهذا مصير كل من يأخذه الغرور، والعزة بالإثم، ولا يتعلم من دروس التاريخ، فهذه بضاعتكم رُدت إليكم، وكما يقول المثل العربي القديم: (وعلى نفسها جنت براقش).

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter