الأقباط متحدون - فكرة التوحش الإيرانى.. بدأت بـ«عقدة المظلومية» وانتهت بـ«الدم»
أخر تحديث ١١:٥٣ | الاربعاء ٢٩ يوليو ٢٠١٥ | ٢٢أبيب ١٧٣١ ش | العدد ٣٦٣٦السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

فكرة التوحش الإيرانى.. بدأت بـ«عقدة المظلومية» وانتهت بـ«الدم»

محمود الوروارى
محمود الوروارى

من وحى اللقاءات التى أجريتها مع كبار التنويريين على امتداد الرقعة العربية عبر برنامج «منارات» المذاع على قناة «العربية» تجلى أمامى الكثير من النقاط التى كانت بمثابة الكشاف الذى ينير الجزء المظلم فى العقل العربى.

أهم ما كنت أبحث عنه طوال هذه اللقاءات البحث فى أصل الأزمة التى ضربت أطنابها على واقع الخطاب الثقافى العربى، فجعلته غائباً أو مشتتاً كما هو الآن.

واحد من هذه العقول المستنيرة كشف عن جزء من هذا التأزيم الحالى، وهو ما سماه «خطاب التوحش الفارسى الذى تقوده إيران»، مستغلة جزءاً أصيلاً من الجسد العربى، وهو المتمثل فى الشيعة العرب، عبر إثارة أزمة المظلومية لديهم واستغلال كبتهم الموجع، لتحول هذا الغضب الساكن إلى طائفية مقيتة تصل إلى درجة الانتقام والتغول والتوحش أحياناً. ولعل ما نتابعه فى العراق وما تفعله ميليشيات الحشد الشعبى ضد السنة العراقيين، يعتبر نموذجاً واضحاً لذلك، وهكذا ما يحدث فى سوريا، ولبنان، واليمن.

هذه الدول الأربع تحول فيها مصطلح دلالة الهلال الخصيب بكل خيره إلى هلال شيعى بكل فتنته وبكل قبح فكرة الانقسام والتمذهب الذى امتد إلى دول أخرى مثل البحرين والكويت وغيرهما.

هذا التوصيف، بل التشريح الدقيق كان بمشرط واحد من التنويريين العرب الكبار وهو الدكتور عبدالله الغذامى، هذا المفكر الذى دخل إلى العقل العربى من باب الأدب ليكشف فى تراث التركيبة الذهنية العربية الكثير من العيوب والآلام، ولعل فى كتبه ومؤلفاته ما يوضح ذلك، مثل «الخطيئة والتكفير، النقد الثقافى، الفقيه الفضائى، ما بعد الصحوة»، وغيرها الكثير.

الدكتور عبدالله الغذامى كشف لى حقيقة مهمة، أنه وفريق التنويريين العرب ظلوا لفترة كبيرة يخجلون من الكتابة أو حتى الحديث فى المسألة الطائفية بشقيها المؤلم السنة والشيعة، وكانوا إن اضطروا إلى ذلك تناولوا هذه الثنائية من رؤية التاريخ وبطون الكتب القديمة، لكن الآن نزلت الفتنة من الكتب لتتحول إلى كابوس فى الشارع العربى، هذا العفريت النائم وجد من يخرجه عبر استغلال أو اقتطاع جزء من الجسد العربى والنسيج العربى، وهم «الإخوة الشيعة العرب» تحت شعار المظلومية الواقعة عليهم، وتحت شعار أنهم أقلية فى مجتمعاتهم، عبر شراسة توحش الخطاب الفارسى.

منذ بداية الثورة الخمينية عام 79 حاولت الخمينية تصدير الثورة، فقوبلت بمعوقات كثيرة، أبرزها حرب الثمانى سنوات التى دارت بين إيران والعراق.

ثم توصل الخمينى إلى تطوير فكرة ولاية الفقيه لتكون ولاية عسكرية حيث أزاح الشاه والشيخ وجلس مكانهما ليصبح الحاكم الذى يملك «الباسيج» ويملك الحرس الثورى ويملك السلاح ويملك السجون والأسلحة، ويصبح فى الوقت نفسه الشيخ الذى لا ولاية لأحد غيره، ولا اجتهاد إلا له ولفريقه. وعبر هذه الولاية الفقهية المراوغة نجح فى اختراق الجسد العربى، وتمكن من بتره فى مناطق كثيرة، كما فى العراق ولبنان واليمن والبحرين وسوريا.

تحولات فكرة الشيطان الأكبر

مما أفاض به الدكتور عبدالله الغذامى فى توصيف وشرح فكرة خطاب التوحش الفارسى إشارته الدقيقة إلى «فكرة الشيطان الأكبر» وهى ابتكار خمينى بامتياز، خُصص فى البداية تجاه أمريكا ثم تحول إلى الغرب، لكن ظلت البوصلة التى تحكم توجيه هذه الفكرة تتأرجح فى الانحراف ناحية العرب، حتى وصلت الآن إلى السعودية، فأصبحت السعودية بالنسبة إلى إيران هى الشيطان الأكبر، وأصبح الغرب ومعهم أمريكا أصدقاء وفعلاً تم توقيع الاتفاق النووى بين الدول الست الكبرى وإيران الأسبوع الماضى.

وهكذا تجلى توحش الخطاب الإيرانى تجاه العرب، وتبعاً لنظرية رد الفعل ظهر خطاب عربى متوحش أيضاً يواجه ويقابل ويتفاعل مع التوحش الفارسى، وتحولت ثنائية «العرب/ الغرب» التى كانت موجودة طوال التاريخ الحديث، والتى كانت دائماً تدفع إلى التطور، لأنها كانت تقوم على مبدأ أن الغرب متقدم، ونريد نحن كعرب أن نكون مثله متقدمين، هذه الثنائية تحولت إلى ثنائية «العرب/ إيران»، وثنائية «الشيعة/ السنة»، تحولت إلى خطاب الفتنة والتمذهب، خطاب الانقسام والقطيعة الذى انتهى إلى خطاب للدم.

أصبحنا أمام ظاهرتين، ظاهرة داعشية تمثل الوجه القبيح للتطرّف السنى وظاهرة إيرانية عبر أذرعها المتمثلة فى أحزاب الله فى لبنان والعراق، والحشود الشعبية والحوثيين، وخلاياها النائمة فى الخليج، وجميعهم يمثلون الوجه القبيح للتطرّف الشيعى.

وأصبحت «داعش» فى مواجهة أذرع الشر الإيرانية، وأصبح الأول شرطاً للآخر، لا نقول إن إيران صنعت «داعش»، لكنها استفادت من وجودها، باعتبارها الشيطان الذى يبرر التوحش الفارسى.

ترويض التوحش..!

قال لى الدكتور الغذامى، وأنا أساله عن الخروج من مأزق التوحش الإيرانى، إنه لا حل إلا بترويض التوحش، ويقول: شهد الخطاب الإيرانى العربى مراحل كثيرة من الترويض والتعايش الواقعى، مثل مرحلة الشيخ هاشمى رفسنجانى ومرحلة الدكتور محمد خاتمى.

وانتهى إلى أن روشتة الترويض تقوم على شقين:

الأول هو المشروع الثقافى للترويض.

والثانى هو المشروع السياسى للترويض.

أما المشروع السياسى، فعلى السياسيين أن يحددوا ملامحه وطريقة عمله، وهو مسئولية أربع دول هى «السعودية، مصر، تركيا، إيران».

وهذه هى الدول الأربع الكبرى فى الشرق الأوسط القادرة على إيجاد مشروع للتعايش وشد فتيل الفتنة القاتلة.

أما المشروع الثقافى فيقوم على أفكار مهمة تخرج جميعها من عقلية عظيمة ومتفتحة لأحد التنويريين الشيعة العرب الكبار، وهو المرحوم «الشيخ محمد مهدى شمس الدين» الذى توفى فى يناير عام 2001، توفى وهو يسجل بصوته وصاياه، تحذيراته، خوفه مما يحدث وكأنه رحمه الله، كان يقرأ ما سيكون عليه حال الشيعة العرب وحال العالم العربى الآن.

هذه الوصايا صدرت فى كتاب تُرجم إلى عدد من اللغات الأجنبية تحت عنوان «كتاب الوصايا» وتحديداً ما قاله عن عدم الانجرار وراء فكرة مظلومية الشيعة العرب التى استغلها الفكر الفارسى الخمينى تحديداً ليؤدى بعد ذلك إلى مشروع الانتقام الشيعى والثأر، الذى ينخر جسد أشقائنا فى العراق وسوريا واليمن والبحرين وغيرها.

عدت إلى أصل كتاب «الوصايا» للعلامة محمد مهدى شمس الدين، لأعيد قراءته بنهم شديد، لتتكشف لى خطورة الوضع الذى نعيشه، وتتكشف أيضاً نبوءة هذا الرجل العظيم الذى أراد أن يحصّن الجسد العربى من فيروس الشقاق حين قال إن العروبة بيت كبير يعيش فيه المختلفون دينياً وثقافياً، وإن الأولوية للعروبة أولاً.

وصايا محمد مهدى شمس الدين

لأمانة ما قاله الراحل ولحساسية الموضوع، وابتعاداً عن أى تحريف أو تأويل فى غير مكانه سأنقل نص وصية «شمس الدين» الأولى إلى عموم الشيعة العرب فى كل مكان:

(أوصى أبنائى إخوانى الشيعة الإمامية فى كل وطن من أوطانهم، وفى كل مجتمع من مجتمعاتهم، أن يدمجوا أنفسهم فى أقوامهم وفى مجتمعاتهم وفى أوطانهم، وألا يميزوا أنفسهم بأى تمييز خاص، وألا يخترعوا لأنفسهم مشروعاً خاصاً يميزهم عن غيرهم، لأن المبدأ الأساسى فى الإسلام، وهو المبدأ الذى أقره أهل البيت المعصومون عليهم السلام، هو وحدة الأمة، التى تلازم وحدة المصلحة، ووحدة الأمة تقتضى الاندماج وعدم التمايز.

وأوصيهم بألا ينجروا، وألا يندفعوا وراء كل دعوةٍ تريد أن تميزهم تحت أى ستار من العناوين، من قبيل إنصافهم ورفع الظلامة عنهم، ومن قبيل كونهم أقلية من الأقليات لها حقوق غير تلك الحقوق التى تتمتع بها سائر الأقليات.

إن هذه الدعوات كانت ولا تزال شراً مطلقاً، عادت على الشيعة بأسوأ الظروف. الشيعة يحسنون ظروف حياتهم ومشاركتهم فى مجتمعهم عن طريق اندماجهم فى الاجتماع الوطنى العام، والاجتماع الإسلامى العام، والاجتماع القومى العام، ولا يجوز ولا يصح أن يحاولوا، حتى أمام ظلم الأنظمة، أن يقوموا بأنفسهم وحدهم بمعزل عن قوى أقوامهم بمشاريع خاصة للتصحيح والتقويم، لأن هذا يعود عليهم بالضرر ولا يعود على المجتمع بأى نفع. وقد جرت سيرة وسنة أهل البيت (عليهم السلام) على هذا النهج، ووصايا الإمام الباقر والإمام الصادق وغيرهما من الأئمة (عليهم السلام) هى على هذا النهج.

فقد ظهرت فى العقدين أو العقود الأخيرة من السنين ظاهرة فى دائرة الشيعة العرب بشكل خاص، وبدائرة الشيعة بوجه عام، وهى إنشاء تكتلات حزبية سياسية بوجه خاص، لغرض المطالبة بحقوق الشيعة، أو إظهار شخصية الشيعة، أو الدفاع عن حقوق الشيعة.

وهذه التكوينات -حسب رصدنا لما آلت إليه- لم تؤدِ إلى أى نتيجة تذكر، بل أدت إلى كثير من الأزمات، وعمّقت الخوف والحذر وسوء الظن والتربص فى أنفس بقية المسلمين فى المجتمع من خصوص طائفة الشيعة، وسعت نحو عزلهم بشكل أو بآخر عن الحياة العامة وعن التفاعل مع نظام المصالح العامة.

هذه التكوينات تارة يراد لها أن تكون تكوينات ثقافية محضة، وهنا يجب ألا يغلب عليها طابع المذهبية التمايزية، وإنما يجب أن تنطلق من رؤية وحدوية إلى الأمة، تعتمد على الجوامع المشتركة -وما أكثرها- التى تجمع المسلمين فيما بينهم ولا تركز على خصوصيات التمايز وعلى خصوصيات التباين.. وإما أن تكون تجمعات سياسية أو اقتصادية، وهذا أمر لا يجوز فى نظرنا أن يتم بوجه من الوجوه على الإطلاق.

وقد ثبت بالتجربة أن التجمعات الشيعية المعاصرة، من قبيل (حزب الدعوة) وغير (حزب الدعوة)، لم تستطع أن تحقق لنفسها بعداً إسلامياً داخل الطوائف والمذاهب الأخرى، وإنما حققت فى أحسن الأحوال تعايشاً هشاً مشوباً بالشك والحذر».

هنا انتهى كلام العلامة محمد مهدى شمس الدين، ومتروك لقارئى الكريم توليد وفهم تخوف الرجل الذى كتبه عام 2001 قبل وفاته بأسبوعين فقط.

الحل إذن يبدأ بالعودة إلى فكر هذا الرجل، الحل أن يعرف الشيعة العرب أنهم جزء من الأمة العربية، وأن مظلوميتهم لا تختلف عن مظلومية الآخرين من بنى جلدتهم، وأن إيران استغلت كبتهم القديم ومظلوميتهم، لتمرير مشروعها الفارسى الخاص، الذى يقوم على تمزيق جسد وعقل ووجدان هذه الأمة.
نقلا عن الوطن


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع