«أرجو أن أعود للعمل.. فالعمل هو صحتي وحياتي، وألا يكون هناك حكم بالإعدام ضدي، فأموت عاطلًا.. بائسًا.. تملأ الدموع عيني.. بعد أن ملئت قلوب الناس بالأفراح» جزء من خطاب أرسله إسماعيل ياسين إلى الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر شرح فيه ما يعانيه وأنه تعب من عدم العمل بعد أن خرج من مستشفى ووجد نفسه فقيرا وعاطلاً عن العمل، بعد أن كان مليونيرا يملك الدينا، قبل أن تدير الأيام ظهرها لها.
«أبو ضحكة جنان» الطموح والإصرار هما كلمتا السر في نجاحه استطاع رسم الابتسامة على وجوه الصغار قبل الكبار، وصنع البهجة لتنتقل من خلاله جيلا بعد جيل، ويصبح هو ملك الكوميديا الأول «سمعة» الذي تصدر الشباك وحقق أعلى الإيرادات.
في أواخر أيام حياته، عانى «سمعة» كثيرا وتعرض إلى مآسٍ عديدة، منها إفلاسه المادي، حيث كانت تلاحقه مصلحة الضرائب لمطالبته بمتأخرات أرباحه عن الأعوام السابقة، كما حجزت على «عمارته»، فانهار كل ما بناه، وتخلى عنه أصدقاؤه المقربون من المنتجين الذين جنوا من وراء ضحكاته أموالًا طائلة، وظل يصارع المرض حتى توفى في 24 مايو 1972.
وفي ذكرى رحيله، يرصد «المصري لايت» 7 مشاهد رسمت حياة «أبو ضحكة جنان».
7. معاناته مع زوجة أبيه وجدته ووالده المدمن
في حي الأربعين بمدينة السويس المطلة على خليج السويس بالبحر الأحمر التي يبدأ من عندها مجرى قناة السويس حتى بورسعيد على البحر المتوسط، ولد الطفل «ياسين» في 15 سبتمبر 1912، ولم ينجب والده أبناء غيره، وكان امتدادا واستمرارا لاسم العائلة، إسماعيل ياسين..
وبهذا أصبح الاسم الكامل له 9 مرات إسماعيل، و9 مرات ياسين، فأصبح الرقم «18»، أضيف إليها في النهاية إسماعيل علي نخلة، وفقا لكتاب روائع النجوم» لمحمود معروف، الهيئة العامة للكتاب، ص76، و77، و78.
وكان والد «إسماعيل» يملك محلا صغيرا بشارع الخديو عباس لتصنيع وبيع الفضيات مثل سلاسل وخواتم ودبل مصنوعة من الفضة، برغم أن الناس كانوا يطلقون عليه مجازا «ياسين الجواهرجي»، ولم يكن يبيع ذهبا ولا مجوهرات.
وكان «ياسين» يتعاطى المخدرات، وكثير الزواج، وبرغم أنه لم ينجب سوى ابنه «إسماعيل» إلا أنه كان يعامله بقسوة، وتسبب إدمان الأب في إفلاسه، وكثر مطالب زوجاته السابقات، فاضطر لأن يسلك طريقا آخر وهو أن يقلد العملات الفضية، خاصة «العشرة قروش»، وكان يملك قالبا «استامبة» يصب فيها الفضة السائلة، ويحولها إلى عشرات القروش الفضية، ويعطيها لابنه الطفل «إسماعيل» ليروجها في السوق.
وبعد وفاة «بهية» والدة إسماعيل، بدأ يضيق ذرعا بما يفعله الأب المدمن الذي ألقى لقبض عليه وأودع في السجن، وذهب «إسماعيل» إلى «سعدية» جدته لأمه التي كانت أشد قسوة عليه من أبيه بعد وفاة أمه وهو صغير.
واضطر الطفل الصغير أن يعمل في محل عصير، وكانت مهمته أن ينادي على الناس مقابل قرش صاغ في النهار، وكان صاحب المحل يملك جهاز فوفوغراف ويدير طوال اليوم أسطوانات الموسيقار محمد عبدالوهاب، وكانت فرصة كبيرة بالنسبة لـ«إسماعيل» الذي حفظ كل أغانيه تقريبا، وكان «إسماعيل» أثناء دراسته بالكتاب يظن أن صوته جميل بعد أن أقنعه زملاؤه بهذا.
ولم تتوقف المعاملة السيئة لجدته، فأراد الانتقام منها، وعثر على «حصالة نقودها» التي كان بها 6 جنيهات ومخبأة خلف صندوق الملابس، فأخذها وقرر الهرب إلى القاهرة، وكان عمره وقتها 13 عاما ونزل في شارع محمد علي بالقلعة، حيث قهوة «التجارة» التي يجلس عليها الكومبارس الذين يحلمون بالشهرة والنجومية.
وبدأ «إسماعيل» ينفق ببذخ نهارا، وينام في المسجد ليلا، بلا مأوى، وكان ينتقل من شارع محمد علي إلى شارع الفن في عماد الدين، يسير هائما في الشوارع يشاهد «الأفيشات» وصور النجوم والفنانين ويندب حظه العاثر، وفجأة سرقت نقوده، واضطر أن يعود إلى السويس وبقى فيها يعاني الأمرين.
6. من الفقر إلى أول ممثل في العالم تنتج له أفلاما باسمه
وذات يوم، التقى بالمحامي «حلمي» صديق جده، فاصطحبه معه إلى القاهرة من جديد في بداية الثلاثينات، وكان يبيت عنده في المكتب نظير القيام ببعض الأعمال، وهناك تعرف على بعض الشخصيات المرموقة، وكان يقضي ليله على مقاهي الفن والكومبارس بشارع عماد الدين، ويذهب إلى الأفراح مع المطربين ويشارك بالغناء في بعض المناسبات والأفراح، وبدأ يعمل في بعض الملاهي نظير 10 قروش في الليلة، واستأجر بدلة «إسموكنج» للغناء بها في الحفلات من محل ملابس الكومبارس الذي كانت تمتلكه «الحاجة وحيدة» خلف مسرح «نجيب الريحاني» الآن، وفقا لـ«روائع النجوم» ص78، و79، و80، و81.
وفي عام 1932، كانت الإذاعات الأهلية بدأت تنتشر في القاهرة وعرض عليه صاحب إحدى الإذاعات واسمه محمود صدقي الجباخنجي الواقعة بجنينة «قاميش» أن يعمل معه، واختلفا على الأجر، وذهب إلى إذاعة الخواجة اليهودي «فيولا» بالعتبة وسجل له 3 منولوجات، وعندما طالبه بالأجر رد على اليهودي «فيولا» بسؤال استنكاري، قائلا: «ادفع لك فلوسك! أنت اللي مفروض تدفع لي فلوس، أنا عملت لك شهرة، كده يبقى خالصين يا خبيبي مع السلامة».
وذهب «إسماعيل» إلى إذاعة «إلياس شقال» بشارع سليمان باشا بوسط القاهرة، وهو يهودي جاء من لبنان وغنى بها نفس المنولوجات، وعندما طالب صاحب الإذاعة بأجره وهو يهودي بالطبع، قال له: «فلوس إيه يا أخويا، المنولوجات اللي قلتها عندي هي نفسها المنولوجات اللي قولتها عند (فيولا)، ياللا يا خويا وريني عرض كتافك».
وعاد «إسماعيل يشكو إلى المحامي الذي كان يبيت عنده، وقال له: «ليس من حقك أن تقاضيه إلا بأوراق ومستندات، عموما عندي صديقي الحاج عبدالواحد وهو على علاقة طيبة بالراقصة اللبنانية والممثلة الشهيرة بديعة مصابني، صاحبة كازينو بديعة، وسيقدمك لها ويوصيها بك خيرا».
وفي هذا التوقيت، تعرف «إسماعيل» على الزجال محمد عبدالمنعم الشهير بـ«أبي بثينة» الذي أقنعه أن يقلع عن فكرة الغناء حيث كان يحلم بأن ينافس الموسيقار محمد عبدالوهاب، وأقنعه أن يعمل مونولوجست ويلقي بعض النكات وبدأ يغير بعض مذاهب الأغنيات الشهيرة ويركب عليها كلمات أخرى ساخرة.
وفي كازينو «بديعة مصابني»، تعرف «إسماعيل» على المؤلفين أبو السعود الإبياري، وفتحي قورة، والمانسترلي، والملحنين محمود الشريف، وعزت الجاهلي، ثم كانت مرحلة التمثيل، وبدأ بدور كومبارس في فيلمين من إخراج اليهودي الإيطالي توجو مزراحي بطولة علي الكسار الذي انضم إلى فرقته فيما بعد ومنها كانت مرحلة الشهرة والانتشار، خاصة بعد افتتاح الإذاعة المصرية عام 1934.
وفي أحد الأيام، جاء إلى القاهرة النجم الفرنسي موريس شيفالييه، وسهر في كازينو «بديعة» وأبدى إعجابه الشديد بـ«إسماعيل»، وقال إنه يملك موهبة مغناطيسية ساحرة خارقة، ولو كان يعرف اللغة الفرنسية لأصبح ممثلا عالميا، فكانت هذه أعظم شهادة حصل عليها من فنان عالمي، وبالفعل، بدأت شهرة «إسماعيل» تزداد يوما بعد يوم، ووصل عدد الأفلام التي مثل فيها إلى أكثر من 500 فيلما، وكان أول ممثل في تاريخ السينما تنتج له أفلاما باسمه، وبلغ مجموعها نحو 19 فيلما، كما أصبح مليونيرا.
قال النقاد إن «إسماعيل» سبق الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفييتي، في التنبؤ بالصعود للقمر، وقدم فكرة لصديقه المخرج حمادة عبدالوهاب، وتحولت إلى فيلم بعنوان «رحلة إلى القمر»، واشترك معه في البطولة رشدي أباظة، وإدمون تويما، وحسن إسماعيل، وإبراهيم يونس، ولاعبة التنس السباحة صفية ثروت، أو صوفي ثروت التي أدخلت رياضة البالية المائي إلى مصر.
وتخيل المؤلف أن شابا مصريا صعد إلى القمر في رحلة جماعية، وأحبته بنت شيخ القمر وعادت معه إلى الأرض، وعرض الفيلم للمرة الأولى في 27 أبريل 1959، وذلك قبل أن يهبط رائد الفضاء الأمريكي نيل أرمسترونج على ظهر القمر.
5. الزواج الثالث في حياة «إسماعيل» الأصعب والأخير
قرر «إسماعيل» الذهاب إلى الإسكندرية بعدما اشترى أول سيارة في حياته، على الرغم من أنه حديث العهد بالقيادة، لا لكي يُحيي إحدى الحفلات الغنائية كما اعتاد في الصيف، لكن من أجل أن يبحث عن «فوزية» الحب الجديد الذي ملك على إسماعيل ياسين قلبه وعقله، منذ أن رآها الصيف الماضي ترافق صديقتها زوجة مدير المسرح، وفقا لصحيفة «الشرق الأوسط».
وفور وصوله توجه إلى بيتها وأخذ يرقب المكان وهو يتظاهر بقراءة الجريدة حتى لمحها وهي تخرج، لكنه لم يستطع أن يفاتحها في شيء؛ فقد منعه الخجل حتى من النطق باسمها، وكرر محاولته في اليوم التالي دون جدوى، حتى اهتدى إلى حل وحيد، وهو أن يتحدث مع صديقتها وتقوم هي بدور الوسيط بينهما، وبالفعل رحبت الصديقة بالفكرة وأسرعت تدعو فوزية لحضور أحد العروض.
ولبت «فوزية» الدعوة وجلس «إسماعيل» بجانبها لكنه لم يجد فرصةً لمفاتحتها في الأمر، حتى علم أن بعض زملائه الحاقدين قد أوشوا به لديها، مؤكدين أنه غير مناسب لها وأنه زير نساء تزوج مرتين في ستة أشهر، وأنه كان يعامل زوجته الثانية بقسوة وكثيرًا ما حبسها في المنزل، وبعدها قرر «إسماعيل» ألا يدافع عن نفسه، فأيقن أنها ليست من نصيبه، وبعد أيام فاجأته زوجة مدير المسرح بقولها: «فوزية عايزة تقابلك في كازينو شاطئ الإبراهيمية بكرة الساعة 8».
ورغم أنه تمنى هذا اللقاء طويلًا، إلا أنه ظلّ متوترًا مما سيحدث في اللقاء، وبعد فترة صمت طويلة، عرضت عليه «فوزية» الذهاب إلى السينما لمشاهدة فيلمه الجديد وقتها «البني آدم»، وهناك اعترفا لبعضهما البعض بما يُكناه من حب واتفقا على الزواج في القريب العاجل، ولكن من دون علم أسرتها التي لم تكن لترضى به إطلاقًا.
وفي اليوم التالي، غادر الاثنان إلى القاهرة وبدأت تجهيزات شقة الزوجية بمنطقة العباسية، وبعد انتهاء كل شيء ذهب إلى بيت صديقه مدير المسرح، حيث تمكث عروسه وتم الاتفاق على أن يُعقد القران يوم الخميس، لكن حدث ما كاد يعكر صفو الأجواء بين العروسين، إذ فوجئت «فوزية» بخبر في مجلة «الصباح»، في نوفمبر 1945، يحمل تكذيبًا للمونولوجست سعاد حسين تنفي فيه إشاعة خطوبتها من إسماعيل يس، مؤكدة أنه قد يكون الحب من طرفه هو، وأن ليس لها علاقة بهذا الموضوع، لكن «فوزية» تفهمت تلك الوشايات التي ذاقتها من قبل وقررت إتمام الزيجة، وبهذا أصبحت الزوجة رقم 3 والأخيرة في حياة نجم الكوميديا ووالدة ابنه المخرج ياسين إسماعيل ياسين.
4. نهاية مسرحه تسبب في القضاء عليه
بعد نجاح «إسماعيل» في السينما، وتخطيه للإيرادات، أقنعه الكاتب الصحفي موسى صبري أن ينشئ فرقة مسرحية، وبالفعل اقتنع «إسماعيل»، وكانت المشكلة هي إيجاد مسرح يعرض عليه، وأخيرا اهتدى إلى مسرح «ميامي» بشارع سليمان باشا، طلعت حرب حاليا، لكن مالك المسرح وهو من أصل يوناني «جريجي»، واسمه سولي بيانكي، كان يريد استغلاله كدار عرض سينمائي، وفشلت محاولات تأجير المسرح، وفقا لـ«روائع النجوم» ص81، و82.
وذات ليلة، كان «إسماعيل» يسهر في أحد كازينوهات الإسكندرية، وهناك تعرف على وجيه أباظة الذي عين محافظا للبحيرة وكان في تنظيم الضباط الأحرار ومسؤول إدارة الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة ووعده بأن يتدخل بشكل ودي، ونجح في استئجار المسرح لـ«إسماعيل» نظير 450 جنيه شهريا، وهو يتسع لحوالي 700 متفرج بالإضافة على 7 بناوير، و7 لوج، وبدأ العرض الأول بمسرحية «حبيبي كوكو» في 11 نوفمبر 1954، بطولة «إسماعيل»، وشكري سرحان، وتحية كاريوكا، ومحمود المليجي، وسناء جميل، وإستيفان روستي، وعبدالمنعم مدبولي، وعبدالوارث عسر، وحسن فايق، ووداد حمدي، ومحمد توفي، إخراج السيد بدير.
وكانت آخر مسرحية قدمها هي «حكاية جواز»، عام 1966، وبلغ إجمالي ما قدمه 48 مسرحية، وكانت وزارة الثقافة تدعمه بمبلغ مالي سنويا، وبدأ المبلغ يخفض عاما بعد عام، وتكاثرت عليه الديون وحاصرته الضرائب، فأغلق المسرح وتوقف النشاط الفني تماما في أعقاب هزيمة أو نكسة 5 يونيو 1967، وأصابه مرض النقرس وبوادر شلل، واضطر أن يسافر إلى بيروت واستقر هناك، لكن قبل أن يسافر تعرض لكثير من المشاكل، منها منع ابنه الوحيد «ياسين» من السفر.
وأجرى «سمعة» حوارًا مع مجلة «الكواكب»، يعود تاريخه لعام 1967، بعنوان «الحكم بالإعدام على إسماعيل ياسين»، تحدث فيه عن توقف فرقته بعد 13 عاما من العمل.
وقال «إسماعيل»: «كان شيئًا خطيرًا جدًا أن أكون مسئولًا عن إسعاد الناس ثم أتخلى عنهم في لحظات.. لكن ليس هذا ذنبي لقد مرضت بسبب الإرهاق في العمل، وقال الأطباء أن مرضى عبارة عن ماء على الرئة، لكن الحقيقة غير ذلك، إذ كنت معرضًا للسل في الرئة وأخذ الله بيدي وشفيت»، وفقا لصحيفة «الأهرام».
وخرج «إسماعيل» من المستشفى ليجد فرقته متوقفة ولم تفكر الدولة في مساعدة الفرقة ولو بملغ بسيط، واعتبر «سمعة» هذا منتهى الجفاء والقسوة، ولم يفاجئ «إسماعيل»، بهذا فقط وإنما وجد مصلحة الضرائب تطالبه بمبلغ 21 ألف جنيه قيمة ضرائب من عام 1950، والمفاجأة أن مصلحة الضرائب طالبته بضرائب أفلام لم يقم بتمثيلها مثل فيلم «إسماعيل ياسين في الجيش»، فقد كان اسمه الأول «إسماعيل ياسين دفعة» فاعتبرته الضرائب فيلمين، وتم الحجز على بيته وسيارته.
وأرسل «إسماعيل» خطابا إلى عبدالناصر، شرح فيه ما يعانيه فانه تعب من عدم العمل، وفي أخر الخطاب قال الفنان الراحل: «أرجو أن أعود للعمل.. فالعمل هو صحتي وحياتي، وألا يكون هناك حكم بالإعدام ضدي فأموت عاطلًا بائسًا تملأ الدموع عيني بعد أن ملئت قلوب الناس بالأفراح».
3. ابنه «ياسين» الأقرب إلى قلبه
لم ينجب «إسماعيل» إلا ابنا واحدا هو «ياسين» من زوجته فوزية عبدالعال الإسكندرانية، ولأن «إسماعيل» نفسه كان وحيدا، ولم ينجب والده غيره، فكان يخاف عليه حتى من نسمة الهواء وعندما كان يستحم، كانوا يغلقون كل النوافذ والأبواب الخشبية، خشية إصابته بالبرد، وكانوا ينصبون بطانية مثل الخيام ويوضع تحتها «طشت ماء» ويستحم تحت الخيمة، وكان والده يأخذه معه إلى كل مكان يذهب إليه، فيما عدا الرحلة التي قام بها إلى الكويت، في 3 يونيو 1967، لإحياء 5 حفلات يلقي فيها مونولوجات واسكتشات فكاهية، وفقا لـ«روائع النجوم» ص82، و83، و84.
وأثناء تواجد «إسماعيل» في الكويت، اشتعلت حرب 5 يونيو 1967 وتوقفت حركة الطيران من وإلى المطارات المصرية، فبقى «إسماعيل» في الكويت اضطراريا لمدة أسبوع، لكنه طار من الكويت إلى لبنان واستأجر شقة في حي «عين المراية» واتفق مع اللبناني كامل قسطندي ومع المصري المقيم في لبنان محمود نصير على تأسيس شركة إنتاج صغيرة يدخل معهم شريكا فيها، ثم عاد إلى القاهرة في 20 يونيو بعد فتح المطار لكي يصطحب عائلته، وذلك خلال فترة الركود في أعقاب الحرب.
وكان النظام في مصر قديما يشترط على من يريد مغادرة البلاد أن يحصل على تأشيرة خروج من مصلحة الجوازات، وذهب «إسماعيل» إلى المصلحة ومعه الجوازات، وتم التصديق على سفر «سمعة» وزوجته «فوزية» وأختها «سعاد» وابنها «ميرفت»، ورفض موظف الجوازات التصديق على خروج «ياسين» الذي كان عمره وقتها 11 عاما فقط، وعندما سأل «إسماعيل» عن السبب، قال له الموظف: «هناك تعبئة عامة في القوات المسلحة المصرية وممنوع خروجه»، فقال له «إسماعيل»: «إنه ابني الوحيد وهذه المستندات تثبت أنني ليس عندي أولاد غيره، والقانون يعفي الابن الأوحد من التجنيد»، فرد الموظف قائلا: «طيب ما أنت ممكن تنجب أولادا آخرين مستقبلا وبهذا لا يكون ابنك الوحيد»، ورد «إسماعيل» ضاحكا في البداية: «ياعم دا أنا أنجبت ياسين بالعافية»، وعاد الموظف ليقول: «ابنك مش هيغادر مادمت قادرا على إنجاب غيره»، وهنا صرخ «إسماعيل» بأعلى صوته في مجمع التحرير: «أنت عارف منين إنني قادر على إنجاب غير ياسين، يا عم هو المرض والضرائب والكوارث اللي أنا فيها تخليني أقدر أخلف تاني يا راجل حرام عليك».
ووصل صوت «إسماعيل» إلى مسمع اللواء أحمد مخلوف، مدير الجوازات وقتها، وخرج من مكتبه، ورحب بـ«إسماعيل»، وهدأ من روعه ودعاه إلى فنجان قهوة بمكتبه وأمر بختم جواز ابنه «ياسين»، وعاقب الموظف، وسافر «إسماعيل» وزوجته، وشقيقتها وابنتها، ومعهم «ياسين»، ونزلوا في البداية في فندق «فينيسيا» حتى تم تجهيز الشقة، وهناك عمل «إسماعيل» في الإعلانات لفترة، ثم اشترك في تمثيل بعض الأفلام مع صباح، وعبدالسلام النابلسي، وفريد شوقي، وكان آخرها فيلم «عصابة النساء» أمام صباح، ومحمد سلمان، وإخراج يوسف معلوف.
وفي سبتمبر 1970، مات جمال عبدالناصر، وعاد الفنانون الهاربون من مراكز القوى إلى مصر، وعاد «إسماعيل» وزوجته وابنهما، وشقيقتها، واستقر «إسماعيل» مع أسرته في شقته بشارع 26 يوليو بالزمالك، وتراكمت عليه الديون والضرائب، واضطر لبيع العمارة والفيلا ونزل في أواخر أيامه ليعمل من جديد في ملهى «رمسيس» بشارع الهرم، ثم اعتزل ومات في 2 مايو 1972.
2. الآيس كريم كتب مشهد النهاية
سار «إسماعيل» في جنازة صديقه المخرج فطين عبدالوهاب، وبكى بحرقة عندما ورى جسده التراب، وشعر أن الدنيا تدور به، وما إن وصل إلى شقته بشارع 26 يوليو أو «فؤاد» سابقا، بحي الزمالك، حتى طلب من زوجته السيدة فوزية عبدالعال أن تجهز له حقيبة السفر وبعض الملابس، حيث أنه كان يشعر بالتعب والإرهاق، ويحتاج إلى الراحة لبضعة أيام، وأوصله نجله «ياسين» إلى محطة القطار، ووصل إلى الإسكندرية ولم يبق فيها سوى أسبوع واحد، ثم جمع ملابسه واستقل القطار عائدا إلى القاهرة، ومن ميدان رمسيس استأجر سيارة أجرة أخذته إلى بيته، ووصل في حوالي الساعة الثانية ظهرا في 23 مايو 1972، وفقا لـ«روائع النجوم» ص 73، و74، و75.
وكانت زوجته «فوزية» في استقباله ومعها «ميرفت» ابنة شقيقتها «سعاد»، وبعد قليل، حضر الابن الأوحد «ياسين»، وسألوه: «خير.. ليه رجعت بدري؟ طيب لماذا لم تخبرنا لننتظرك في (محطة رمسيس)؟، فنظر «إسماعيل» إلى «ياسين»، وقال: «أنا رجعت لأنك وحشتني جدا، ووحشني الآيس كريم اللي بتشتريه لي من محل (بامبو) في شارع طلعت حرب (سليمان باشا) سابقا بوسط البلد، والنبي يا ياسين أنا نفسي آكل جيلاتي، روح إشتري بس متتأخرش».
وعلى الفور، ذهب «ياسين» وأحضر الآيس كريم بالمانجو والفراولة كما يحب والده الذب التهم وحده علبتين متوسطتي الحجم، ثم خلد للنوم، وفي حوالي الساعة الثامنة مساء، استيقظ من النوم وطلب زجاجة ماء من الثلاجة، وشرب نصفها وجلس مع زوجته وابنه «ياسين» وصديقه الذي أصبح فيما بعد المخرج مدحت السباعي، وكانا في ذلك الوقت، زميلين في معهد السينما قسم إخراج.
وعند منتصف الليل، دخل «إسماعيل» إلى غرفته لينام، وقال للموجودين: «تصبحوا على خير»، لكن بعد حوالي ساعة، سمع «السباعي» صوت كحة شديدة غير طبيعية تأتي من حجرة «إسماعيل»، فقال لنجله: «ماذا جرى لوالدك، تعال نشوفه؟، وعندما ذهبا إليه، وجدا بعض «الرغاوي» تخرج من فمه، وهو يتمتم ويهذي ببعض الكلمات غير المفهومة، وحاولا إيقافه، وبالفعل وقف واندفع مسرعا على قدميه إلى الصالة، وسقط على الأرض، فاقتربت منه «ميرفت» ومسحت فمه، وطلبت من «ياسين» أن يتصل بالطبيب، ولسوء حظه وجد تليفون منزله معطلا، فنزل مسرعا واتصل به من محل «دهب» للسجائر، ولم يتصل مباشرة بالطبيب، بل اتصل بالفنانة مها صبري، لأنها هي التي أرسلت طبيبها الخاص من قبل عند إصابته بأول أزمة، وأصبح هو الذي يشرف على علاجه.
وفي الوقت نفسه، كان «السباعي» قد استقل سيارة تاكسي، وذهب إلى الإسعاف في منطقة الإسعاف، وعاد ومعه طبيب وسيارة إسعاف.
ووصل الطبيبان في توقيت واحد عند الواحدة والنصف صباحا أي بعد منتصف الليل، وفحصاه، وقالا في صوت واحد: «البقية في حياتكم.. لقد مات»، ولفظ «إسماعيل» أنفاسه الأخيرة، قبل فجر 24 مايو 1972، ولم يذق في هذا اليوم أي طعام سوى «آيس كريم» الذي يحبه بجنون.
1. مات فقيرا ولم يجدوا مقبرة لدفنه
ظهرت المشكلة الحقيقية في اليوم التالي لوفاته، وهي مكان الدفن، حيث أن «إسماعيل» ليس لديه مدافن في القاهرة، وحتى مدافن أسرته في السويس تمت إزالتها عند توسعة الميدان الذي أنشئ حديثا، وفقا لـ «روائع النجوم» ص75.
وعرض الفنان سمير صبري الذي كان أول من حضر إلى المنزل بعد علمه بالوفاة، أن يدفنه في مدافن عائلته بالإسكندرية، لكن ابنه «ياسين» قال: «السفر بهدلة»، وهنا عرضت كل من الفنانتين درية أحمد، والدة الفنانة سهير رمزي، وفتحية محمود، زميلته السابقة في فرقة «بديعة مصابني»، أن يدفن في مدافن أسرتها، واستقر الرأي على أن يدفن في مدافن المطربة فتحية محمود بالبساتين.