تشهد ألمانيا مناقشات مكثفة حول موضوع الهجرة واللجوء في ظل غياب سياسة واضحة للتعامل مع القضية، التي لا يجب تجاهل التجارب التاريخية لدى تقييمها، كما يقول المؤرخ يوخين أولتمر.
DW: تشهد ألمانيا مناقشات مكثفة حول ارتفاع أعداد اللاجئين، هل ترى كمؤرخ أن هذا الجدل يتسم بقصر النظر أو يسيطر عليه الاندفاع الزائد؟
يوخين أولتمر: يلاحظ المتابع للمناقشات، أنها تتسم بنسيان الماضي وتتجاهل التاريخ، فعندما يعود المرء للتسعينات يجد أن الهجرة في هذا الوقت كانت أكبر مما هي عليه الآن. وكان هناك أيضا مراحل زادت فيها الهجرة في أواخر الستينات وأوائل السبعينات. ومؤخرا تراجعت معدلات الهجرة وفي الفترة بين عامي 2006 و 2009 كانت الهجرة للخارج أكبر من الهجرة للداخل. يعني كل هذا أننا إذا نظرنا للتاريخ سنجد أن مؤشر الهجرة يتأرجح، فهو يرتفع في أوقات وينخفض في أوقات. ولهذا لا يجب النظر للأمر الآن وكأن العالم ينهار، لأن عدد اللاجئين يرتفع في الوقت الراهن. فالأمر يتأرجح دائما بين الارتفاع والانخفاض.
لكن عدد الفارين من بلادهم على مستوى العالم كله يزيد في الوقت الراهن أكبر من أي وقت مضى، فكيف ترى الأمر؟
هذه هي بيانات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وقد بدأت عمليات العد في خمسينات القرن الماضي. ونعرف أن مهام مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة زادت بشكل واضح خلال السنوات الماضية، لذا من الصعب الحديث عن بيانات طويلة الأمد. لكننا نعايش الآن بالفعل معدلات مرتفعة لحركات النزوح على مستوى العالم.
احتجاجات أمام مقر لاستقبال اللاجئين في مدينة دريسدن
هل يمكن القول إن ألمانيا تعتبر مركزا لموجات اللاجئين؟
ألمانيا وأوروبا بشكل عام بمنأى عن هذه الحركات، إذ تشير بيانات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى وجود نحو 60 مليون لاجئ ونازح خلال عام 2014، استقر نحو 90 بالمئة منهم في دول نامية وصاعدة، إذ إن الدول الأكثر فقرا هي الأكثر استقبالا للاجئين على مستوى العالم. أما بالنسبة للدول االصناعية، فاستقبلت مطلع الألفية نسبة أكبر من اللاجئين.
لكن هذا يتعارض مع فكرة أن الكثير من اللاجئين يرغبون في العيش في الدول الغنية؟
ثمة علاقة وثيقة بين مؤشر النمو الاقتصادي والهجرة، فالمناطق الناشئة اقتصاديا، طالما اجتذبت الكثير من المهاجرين على مدار التاريخ. ثمة علاقة تبادلية في هذا الأمر، فالهجرة تتطلب النمو الاقتصادي والابتكار، كما أن الابتكار والنمو الاقتصادي يتطلبان الهجرة. يجب التفكير في الأمر بهذه الطريقة وهو ما نراه عند النظر للمدن العالمية التي تعيش في حالة نمو. أما الهجرة وحدها فينظر إليها كمصدر للخطورة وتهديد الفرص المتاحة.
يحذر بعض الساسة من إمكانية أن يتحول الخوف من المهاجرين إلى أعمال عنف كتلك التي وقعت في التسعينات حيث قتل وقتها 30 من طالبي اللجوء على يد أشخاص معادين للأجانب، فهل تتفق مع هذه الفكرة لا سيما وأن ألمانيا شهدت حاليا هجمات عديدة من هذا النوع؟
آنذاك كانت هناك وضعية خاصة على ضوء إعادة الوحدة بين شطري ألمانيا وكانت هناك مناقشات مكثفة حول وضع ألمانيا في صورتها الجديدة على مستوى العالم وحديث عن الهوية الألمانية الجديدة. كان قطاع كبير من الساسة والشعب ينظر وقتها للهجرة واللجوء كعنصر تشويش وعرقلة في إطار الجدل الذي كان سائدا وقتها. كما أن الوضع الاقتصادي لم يكن بنفس انتعاشه اليوم. هذا هو الفرق بين الوضعين، فالمناقشات حول الهجرة اليوم محاطة بالعديد من المشكلات، لكنها مع ذلك تلقى الكثير من الدعم والتبرعات والاستعداد لتقديم المساعدة.
المؤرخ يوخين أولتمر
هل علينا أن نعتاد على فكرة الهجرة للداخل والخارج لأن الناس بشكل عام صاروا أكثر رغبة في التنقل؟
ما نحتاجه هو خطوط عريضة لسياسة الهجرة واللجوء تستند على أهداف طويلة الأمد. ثمة محاولات في أوروبا وألمانيا تدور حول الموضوع، لكن التغيير يقتصر على جوانب فردية في ظل غياب خطة عامة وهدف واضح، وسيتسبب هذا على المدى الطويل بمشكلة في قبول الآخر على مستوى الشعب. لا أحد يعرف إلى أين تذهب أوروبا وألمانيا فيما يتعلق بهذه القضية.
الدكتور يوخين أولتمر هو باحث في مجال تاريخ الهجرة بداية من نهاية القرن الثامن عشر وحتى اليوم، وهو بروفيسور للتاريخ الحديث في معهد أبحاث الهجرة والدراسات العابرة للثقافات في جامعة أوسنابروك.