الأقباط متحدون - حوار أهديه للرئيس.. والقط يأكل ويستمع (1- 2)
أخر تحديث ٠٣:١٠ | السبت ١ اغسطس ٢٠١٥ | ٢٥أبيب ١٧٣١ ش | العدد ٣٦٣٩السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

حوار أهديه للرئيس.. والقط يأكل ويستمع (1- 2)

رفعت السعيد
رفعت السعيد

مع أولى خطوات الفتى الريفى- الذى هو أنا- على عتبات الجامعة، كان يستشعر غربة وإلحاحا على معرفة المعنى الحقيقى للجامعة. وكان مبنى حقوق عين شمس بسيطاً فهو مجرد دور يعلو مبنى كلية الهندسة، وإن كان يموج بأساتذة عظام.

توقفت طويلا أمام كتاب الاقتصاد للأستاذ الدكتور زكريا نصر الذى دخل إلى المدرج ممشوقا واقتحم معنا علم الاقتصاد دون مقدمات. وأنا الذى كانوا قد لقنونى معلومات سطحية عن الاقتصاد اعتقدت أننى قد أمسكت بها ناصية هذا العلم، أجد نفسى فى عالم آخر تتدفق فيه معلومات ومعارف تعصف بالعقل لتمنحه أضواء متعاكسة وأنا أنظر للدكتور بانبهار، مندهشا من فيض هذه المعلومات التى تنهمر كمطر غزير فى أرض عطشى. لكن ثمة شيئا ما كان يشوش تركيزى الذى أردت له أن يكون كاملا. عبارة كانت بديلا عن مقدمة الكتابة.. جملة واحدة غامضة تحتل أول صفحة ببنط كبير «والقط يأكل ويستمع»، وخيّل إلىّ أن هذه الجملة هى المفتاح الذهبى لفهم عالم الاقتصاد المبهر. فاستجمعت كل أطراف اندفاع فتى ريفى غشيم وتتبعت خطى الدكتور زكريا بعد محاضرته فأوصلتنى خطاه إلى مكتبه، ما إن دخل حتى وجدنى واقفا. فاجأتنى بساطته قال «فيه حاجة مش فاهمها؟ قلت نعم»، وسألت عن هذه العبارة، انفجر ضاحكا وقال كل المحاضرات لم تشغلك عن هذه العبارة؟ ومع صمتى قال «اقعد» وقال «أصل الحكاية إن كان فيه راجل عنده قط، كان يهتم به ويقتسم معه طعامه، وقبل أن يأكل هو يعطى للقط أولًا ما يكفيه، وذات يوم أعد الرجل طعامهما ثم سمع الأذان فبدأ فى الصلاة وما إن انتهى حتى وجد القط يلتهم طعامهما فحاول معاتبته: يا قطى العزيز أنا لم أبخل عليك بشىء فلماذا تأكل طعامى؟ كان الرجل يتحدث والقط يأكل، يعاتب والقط يأكل، يحذر، والقط يأكل ويستمع، فنهض الرجل وأحضر عصا غليظة وضرب القط ضربة موجعة». وانتظرت لكنه لم يضف سوى أن سألنى: فهمت؟ فقلت لا. فقال ستكتشف فى حياتك نماذج كثيرة لهذا القط وستجدها فى المجتمع وفى تطبيقات علم الاقتصاد بالذات.

تذكرت الحكاية لأجد مصر ورئيسها أمام عدة نماذج تتجسد. فمثلا هناك دعاوى المصالحة مع الإرهاب التى تتخذ أشكالا عديدة بعضها تقوّلات وبعضها مماحكات وأغلبها بالونات ليس للاختبار وإنما للتشويش ولتأليب من هو مستعد لأن يجرى تأليبه، وأتذكر شعراً صرخ به شاعر عباسى فى وجه حالات استعطاف وتذلل بعض قادة الأمويين، وإذ يوشك العباس أن يبتلع الطعم صرخ الشاعر:

لا يغرنك ما ترى من رجال / إن تحت الضلوع داء رويّا

فضع السيف وارفع السوط حتى / لا ترى على ظهرها أمويّا

.. ودماء شهدائنا، دموع آبائهم، وأمهاتهم وزوجاتهم وأطفالهم وزملائهم فى الجيش والشرطة ومن المدنيين، لن تسمح لأحد بتجاهلها لكن استمرار التراخى يوحى للبعض أن التراخى ضعف أو قبول أو تراجع أو استعداد للتراجع.

وأعود لأتذكر قصة «القط» عندما أتأمل حال مليارديرات مصر الذين لا يشبعون ويتمسكون بشعار «البحر يحب الزيادة»، والرئيس يترفق معهم ويوخز ضمائرهم متوهما وجود شىء اسمه الضمير عند الذين لا يشبعون. يعطيهم نماذج بسيدة تبرعت بكل ما تملك (غويشة ذهب) وهم شرهون يريدون التهام كل ما فى مصر من خيرات. وأحيانا يبدأ الواحد منهم بإنشاء صحيفة ثم فضائية وتتعدد الفضائيات لتسهم فى تلويث المفاهيم والانحيازات، ثم يمتلك حزبا. وفارق كبير بين من يمتلك حزبا ومن يؤسس حزباً على أسس مؤسسية. ويسعون الآن لشراء مقاعد فى البرلمان كل حسب قدرته على الشراء. وعندما فرضت ضريبة تعاملات البورصة تآمروا معا ومع حلفاء بالخارج لابتزاز قرار بإلغائها وخضعت الحكومة للابتزاز وتراجعت بدلا من أن تقدم لهم خيارات قد تردعهم مثل الضرائب التصاعدية (وهى بالمناسبة مثلها مثل ضريبة تعاملات البورصة موجودة فى كل العالم الرأسمالى). ولكن حكومتنا يخيل إليها أنها قد تستدرج مزيداً من الاستثمارات بمثل هذا التواطؤ أو التخاذل ناسين أن إفقار الفقراء لن يحقق استقراراً.. فقد دعوناهم فى 25 يناير تحت شعار «عيش- حرية- عدالة اجتماعية- كرامة إنسانية» فأتوا ثم قلنا لهم «معلش» الثورة اتسرقت. ودعوناهم فى 30 يونيو فاحتشدوا بحماس غير مسبوق ثم عدنا نقول لهم انتظروا.. ولكن الحكومة لم تنتظر، وضعت يديها فى جيوب الفقراء فزادت أسعار الكهرباء والمياه والغاز والخضروات وكل ما يؤكل، والفقراء لا تلهيهم مزاعم السيطرة على السوق أو أسواق متنقلة فاللقمة غائبة والأطفال جوعى، والمستثمر الأجنبى ليس ساذجاً فهو لا يأتى إلى بلد قد (أقول قد) يتمرد فقراؤه بعد أن طال صبرهم وجاع أطفالهم بينما هم يرون توحش المليارديرات، ويتبدى القط وهو فى قمة استمتاعه بطعام لا يستحقه ونحن فى قمة استعطافنا أو سذاجتنا إزاء ما يتهدد معركتنا الانتخابية، فلجنة الخمسين سهلت «المهمة» على الخصوم إذ خيل إليها أن قمة الديمقراطية تكون بزيادة سلطات النواب لأنهم منتخبون من الشعب وتقليص سلطات الرئيس وهو منتخب من الشعب أيضاً، ولكى نسد باب الجدل الفقهى نقول إننا لم نزل فى حالة حرب مع خصم إرهابى يعمل فى خدمة عدو يسعى إلى تدميرنا لأن مصر والسيسى يقفان كالعقلة فى الزور ضد مؤامرات قطر- إيران- تركيا- أمريكا وعدد من دول أوربا، فوجدوا فى انتخابات النواب فرصة لوجود إخوان ومتأخونين ومتأسلمين ليكونوا شوكة فى ظهر الوطن والرئيس وتتدفق أمام أعيننا تلال من الأموال تأتى وتنفق دون أن يجرؤ المسؤولون على مجرد إمساك العصا أمام القط اللص.. فلماذا؟!

نقلا عن المصري اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع