العلاقة الرمادية بين حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب
مما لاشك فيه ان أحداث 11 سبتمبر 2001 كانت نقطة فارقة في علاقة الإرهاب بحقوق الإنسان ، أو بعبارة أدق علاقة مكافحة الإرهاب بالتزامات الدول بالمعايير التي أقرتها المنظومة الأممية لحقوق الإنسان وتضمنتها مجموعة واسعة من الإعلانات والاتفاقيات ، فتحت شعار " الحرب على الإرهاب " خاضت بعض القوى الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية حربا في كل الاتجاهات ، تلك الحرب التي تجاوزت نطاق الجرم الذي أودى بحياة الآلاف في برجي التجارة العالمي ، ولم يقتصر على توجيه ضربات لجماعات وتنظيمات تتوفر أدلة كافية على ضلوعها في الجريمة ، بل تجاوزتها للتدخل العسكري في دول ومجتمعات وإسقاط حكومات بقوة السلاح .
في خضم هذه الحرب " المشروعة " ارتكبت الكثير من الانتهاكات غير المشروعة لحقوق الإنسان ، ولأن مرتكب الانتهاكات كان يتمتع بالنفوذ العسكري والاقتصادي والسياسي ، وكان يتمتع بحق الاعتراض على قرارات مجلس الأمن ذاته ، فقد " خلعت " المنظومة الدولية رداء الشرعية على ممارساته ، وغضت الطرف عن جرائم ، كانت قواعد العدالة تقتضي أن تكون موضع إدانة وتحقيق وحساب .
من وقتها وقضية مكافحة الإرهاب وعلاقتها باحترام حقوق الإنسان موضع شد وجذب ، فمن جانب لم يعد منطقيا وضع الأمرين في حالة صراع ، بمعني أن الحرب على الإرهاب تستلزم بالضرورة انتهاك حقوق الإنسان أو أن احترام حقوق الإنسان يغل يد الدول التي تتعرض لمخططات وجرائم إرهابية ، ومن جانب آخر لم يعد من المنطقي أن تظل التشريعات المنظمة لاحترام حقوق الإنسان عاجزة عن تطوير نفسها لتتعامل مع هذا النوع من الجرائم .
في منطقتنا العربية ، وفي مرحلة ما بعد الربيع العربي ، منيت المنطقة بهجمات إرهابية شرسة في معظم البلدان
وقد ازدادت ضراوة العمليات الإرهابية ، واشتد عود التنظيمات التي تقف ورائه في الدول التي انحازت شعوبها لخيار الدولة المدنية ، ورفضت السلطة الدينية ، وأسقطت الجماعات المتطرفة التي وصلت للحكم وأرادت ان تقلب قواعد اللعبة لصالحها ، وتعاملت مع الديمقراطية على أنها سلم يرفعها للسلطة وتحرقه ورائها .
في ظل هذه المعطيات الجديدة ، وفي إطار هذا الوضع المرتبك أصبحت علاقة حقوق الإنسان بالإرهاب علاقة رمادية ، لا يمكن فهمها وفك طلاسمها إلا بالتحليل الدقيق والعميق للواقع من جهة ، وللصكوك الدولية المرتبطة بالقضية من جهة ثانية ، وذلك كله من أجل غاية وحيدة ، ألا وهي التأكيد على احترام حقوق الإنسان على مستوى الفرد والمجتمع على السواء ، فمكافحة الإرهاب حق أصيل للمجتمع ، وواجب لازم على أي سلطة تنحاز لشعبها ، وفي نفس الوقت احترام حزمة الحقوق والحريات العامة للأشخاص له مكانته في أي مجتمع ديمقراطي.
من باب الاجتهاد في الطرح ، يحاول كاتب المقال المساهمة في فك طلاسم هذه العلاقة ، من خلال سلسلة من الكتابات المتتالية التي ستبقي مجرد لبنة أولى في حوار – أتمناه ممتد – حول تلك القضية.