ذات يوم قبل الميلاد بستمائة عام تقريبًا، أرسل الملك قورش الكبير ملك فارس، وهي إيران الحالية، لفرعون مصر أحمس الثاني يطلب يد ابنته لابنه قمبيز. ولكن أحمس لم يشعر بارتياح لهذه الزيجة، ربما لأن ما يعرفه عن أخلاقيات العريس قمبيز لا تبشر بزواج ناجح. غير أنه لم يرفض، بل لجأ لحيلة نعترف بأنها تفتقر إلى الأمانة؛ فقد أرسل له ابنة الملك السابق؛ يعني قام بعملية تزوير، وهو ما يحدث أحيانًا هذه الأيام عندما يفاجأ العريس ليلة الدخلة بأن عروسه ليست هي الفتاة التي خطبها من قبل. وفشل المشروع بعد أن عرف أبو العريس بطريقة ما لم يذكرها المؤرخون أن «العروسة مضروبة» وأنها ليست ابنة أحمس الثاني. وغضب قورش غضبًا شديدًا وقرر الانتقام من المصريين ومن الملك المصري، وذلك بغزو مصر، غير أنه توفي قبل أن يتمكن من ذلك، ولكن ابنه قورش مضى في تنفيذ خطة الانتقام وتمكن من غزو مصر فعلاً.
دعنا نقفز في الزمن لنصل إلى سنة 1939 ميلادية لنجد مشروع زواج آخر، وذلك عندما تقدم الشاه رضا بهلوي، شاه إيران، إلى الملك فاروق، ملك مصر والسودان، يطلب يد أخته الأميرة فوزية لولي العهد محمد رضا بهلوي، ووافق الملك فاروق، وتزوجت الأميرة فوزية من شاه إيران السابق لتقضي معه عدة أعوام أنجبت خلالها فتاة، ثم حدث الطلاق بينهما لتعود إلى القاهرة.
أعود لقمبيز؛ فبعد انتصاره على القوات المصرية، اتخذ لنفسه كل الألقاب الدينية الفرعونية، ثم أخذ يستكمل حملاته على كل بلاد المنطقة؛ أرسل جيشًا كبيرًا إلى واحة سيوة، ولكن هذا الجيش لم يعد منه أحد بعد هذه الحملة، ويقال إن عاصفة رملية عاتية قضت على كل أفراده. غير أني أستبعد ذلك، وأعتقد أن الكهنة المصريين دسوا عليه أدلاء قادوا جيشه إلى أماكن مهلكة. لقد حكى الكهنة المصريون لهيرودوت حكايات كثيرة وطريفة، منها أن الصحراء قبل واحة سيوة ممتلئة بجماجم المصريين والفرس، وأنك تستطيع التفرقة بينهما بسهولة، فجمجمة الفارسي هشة، أما جمجمة المصري فهي قوية، وذلك لأنه يحلق شعره بالموسى ويعرض رأسه للشمس مما يجعل عظمه قويًا.
وانتهت أحلام قمبيز بظهور العجل أبيس.. فبعد فشله المروع في حملة سيوة، عاد إلى منف ليرى المصريين وقد أقاموا الأفراح والليالي الملاح. كان من الواضح أنهم يحتفلون في شماتة عظمى بهزيمة جيشه في حملة سيوة، فاستدعى الكهنة واتهمهم بذلك فأنكروا: لا وحياتك يا مولاي.. نحن نحتفل بظهور العجل أبيس..
لا يوجد ميعاد محدد لظهور هذا العجل، ولكن يمكن التعرف عليه من مواصفاته؛ فأمه لا تحمل بغيره.. ينزل عليها برق من السماء فتحمل به.. شعره أسود، وعلى جبهته بقعة مثلثة، وعلى ظهره نسر، وتحت لسانه صورة عجل، وشعر ذيله مضاعف.
طبعا كل هذه الصفات يستطيع أي فنان تشكيلي محترف أن يحققها بسهولة لينتج هذا العجل الأبيس. ولم يقتنع قمبيز بهذا الكلام، وأمر بضرب الكهنة بالعصي، وأصدر قرارًا بالقبض على أي مصري في حالة فرحة أو احتفال في الشارع. من المهم للغاية أن نعرف ما حدث في الأمس البعيد، لكي نفهم ما يحدث الآن.. لم أنته بعد من حكايتي.
نقلا عن الشرق الاوسط