بقلم الكاتبة / حنان بديع ساويرس
عندما يُصبح للصفر مَعنَى .. فالصفر معروف بأنه لا شئ عندما يكون أعزل وحيد ، لكن تتعظم قيمته ويُصبح له مَعنىَ عندما يليه أرقام تجعله ملايين أو مليارات .. لكن الصفر فى قصتنا المأساوية اليوم أعزل وحيد ورغم ذلك له ألف مَعنَى ومَعنىَ !!!
فمَعنىَ الصفر فى قصتنا هذه هو الفساد والتعصب والطائفية والعُنصرية وإنعدام الضمائر أو الخوف من الله الديان العادل الذى عيناه تخترقان أستار الظلام !!
- القصة هى قصة "مريم ملاك ذكرى" طالبة بالثانوية العامة مِصريَة " مَسيحية " مُتفوقة مُنذ نعومة أظافرها وطيلة سنون دراستها وقد عرضت أكثر من مرة على وسائل الإعلام المُختلفة شهادات تقدير لسنوات سابقة تفيد حصولها على المراكز الأولى بالدراسة ، ففى الصف الثانى الثانوى وهى السنة التى تسبق الثانوية العامة مُباشرة حصلت على مجموع 252 ونصف من 260 وفى العام الدراسى المُنصرم قامت بإمتحان مواد الثانوية العامة التى لا تضاف للمجموع كالدين والتربية الوطنية والإقتصاد والإحصاء وهذا العام قامت بالإمتحان فى باقى المواد الأساسية وذلك بسبب ظروف طارئة حدثت بشكل مُفاجئ الا وهى وفاة والدها لذا قررت أن ترجئ المواد الأساسية لهذا العام حتى تُحقق حلمها بأن تصبح طبيبة كأشقَائِها الذكور عندما شعرت أن سوء نفسيتها فى ذلك الوقت لن يؤهلها لتحقيق حلمها التى طالما آمنت بتحقيقه وقد أقترب الأمل من التحقيق عندما باتت تسهر الليالى وتذاكر حسبما قالت 15 ساعة وأكثر فى مواد آخرى ، وبدأت الإمتحانات وكانت تراجع مادة بمادة مع إخوتها الأطباء ومع مُدرسى المواد ، وجاء اليوم المُنتظر لإعلان نتيجة الثانوية العامة وبدأ قلبها يخفق خشية أن تقل نسبة نجاحها عن النسبة المرجوة بمقدار نصف فى المائة لأنها كانت تثق أنها ستحصل على 100% .. لكن كانت الطامة الكُبرى عندما ظهرت نتيجتها لتجد نفسها حصلت على صفر ، عفواً ... أقصد لم تحصل على شئ البتة لأن الصفر ما هو إلا لا شئ !!
وهذا ليستولى على مجهودها فاشل مُقابل مٌقايضة رخيصة بين أهل هذا الفاشل وبين موظف أو مسؤول فاسد عديم الضمير والإنسانية أياً كان من هو فى وزارة التربية والتعليم فقام بإستبدال ورقها بورق طالب آخر خلت أوراق إجابته من كل شئ إلا نقل الأسئلة فى جميع المواد !! فكان من نصيب المِسكينة التى وقعت عليها القُرعة والإختيار لتدمير مُستقبلها ونفسيتها وربما صحتها بخلاف عدم ثقتها فى وطنها وفى كل من حولها من هول الصدمة التى بدأت الصغيرة بها حياتها ولربما كانت أودت بحياتها بالكامل بسبب عنصر المُفاجأة الصادمة ، فأسوأ صدمة يمر بها إنسان ومن الممكن أن تقضى عليه وتودى بحياته تواً هى أن يحدث له شئ يراه مُستحيل ويُخالف جميع توقعاته ، ولكن أراد الله أن يُحافظ على الفتاة من هول الفاجعة والصدمة ليفتضح أمر الكثيرين من الفَسَدَة ومن يقف وراءهم بإستماتة ويحاول تبرأتهم من أجل كراسى زائلة ، فقد نسبوا أوراق الإجابات الخالية من الإجابات لمريم بكل جبروت وإفتراء مع غياب الضمير تارة ، والتعصب الأعمى تارة الذى جعل هذا المُستبيح أن يَستبيح مجهود وشقاء الطالبة المُجتهدة ليعطيه لطالب فاشل .. فتكون النتيجة بدلاً من أن تخرج للوطن طبيبة ناجحة تستحق لقب طبيبة بجدارة لإجتهادها وكفاحها وصبرها لتكون أمل وفخر مصر وسبب شفاء الكثير من المرضى ، فنجد الوطن يخرج لنا فاشل بدرجة طبيب !! وما أكثر هؤلاء الذين تخرجوا من كليات القمة لتُبتَلَى بهم بلادنا , فلن يُصبحوا هؤلاء أطباء فَشَلَة فقط بل لصوص أيضاً فمن إستباح مجهود غيره يَستَبيح فيما بعد سرقة أعضاء البشر للتجارة بها وقد حدث هذا كثيراً فى مصر !! وبدلاً من أن يكون سبب فى شفاء مريض يكون هو اليد والعون لقتل المرضى بجهله وإهماله وإنعدام ضميره لأنه ما أكثر من نال هذا اللقب بسرقة مجهود غيره أو بأى نوع من أنواع التلاعب أو بمجموع زَهيد فى الثانوية من خريجى طب الأزهر وغيرهم !!!
- قبل أن أوضح فى بداية سطورى أن مريم طالبة مسيحية قلت أنها مصرية أى أن لها الحق الكامل فى المواطنة .. كالعدالة عندما تُظلم ، والحق فى الحماية والمُساندة من الدولة عندما تُطالب بحقها فى تطبيق العدل لإسترداد ما سُلب منها ، لا سيما عندما يقوم بترويعها من هو دوره وفرض عليه أن يَجلِب لها حقها الضائع وهو هنا وزير التربية والتعليم !! بل من حقها على وطنها التدخل لرد المسلوب منها ومُحاسبة كل المُتآمرين على ضياع مُستقبلها - فما أصعب أن يُسلب مُستقبل إنسان لا سيما أن يكون مُستقبل شباب وشابات فى عُمر الزهور وهم المفروض أمل ومُستقبل هذا البلد فَالمُشكلة ليست فقط فى سرقة وسَلب مُستقبل مريم بل الكارثة والفاجعة هى سَلب مُستقبل وطن بأكمله .. مُستقبل مصر !! .. نعم أنتم تسرقون الوطن أيها الحَمقى لا تسرقون شخص مريم فقط كمصرية أياً كانت ديانتها .. هل تعلمون لماذا؟!! لأنه عندما يُسلب ويُنتزع حق مريم وأمثالها ليأخذ حق الإنتفاع به من لا يستحقه من اللصوص والفَشَلَة والفاسدين والمُستَبيحين ويكون المُستقبل لهؤلاء فلن نجد سوى أطباء ومُهندسين وغيرهم فى جميع المجالات فاسدين وفاشلين يربحون عن طريق اللعب بأرواح أبناء الوطن فكم مريض تنتهى حياته بسبب طبيب جاهل ، وكم بِنَاية سَقَطت على رؤوس سُكانها بسبب مُهندس عديم الضمير.؟!!
فسأطرح أسئلة ساذجة يُلاحظها حتى الطفل الصغير طالما ترددت فى أذهاننا بإلحاح ومع ذلك يخرج علينا وزير التربية والتعليم مُحب الرافعى مُسبقاً وقبل إنتهاء التحقيقات ليؤكد أن مريم هى صاحبة الصفر!!
- فهل من المَنطِق أن تتفوق طالبة فى جميع مراحل تعاليمها بِرُمَتِهَا وفى الثانوية العامة تحصل على صفر % ؟!!
- هل من المَنطِق أنها لا تجيب عن أى أسئلة فى جميع المواد .. فمن وصل للثانوية العامة وقد نَصِفه بأنه طالب فاشل سيحصل على 50% على الأقل .. فلا يوجد طالب طبيعى ويتمتع بقواه العقلية سيترك جميع المواد بلا إجابة فمن المُمكِن أن يَحُدث هذا فى مادة أو أثنتين لكن جميع المواد فهذا مُستحيل إلا إذا كان هذا أمر مُدبَر ومُرَتَب له مُسبقاً ؟!!
- لكن العجيب أن هذا المُجرم الذى نفذ جريمته لتدمير مُستقبل الطالبة لم يُحَاول أن يَسرِق مَادة من كل طالب بدل من أن يقضى على مُستقبلها بأكمله ؟!!
- فربما أعماه غروره بأنه لن يصل إليه أحد ، أو ربما يكون أحد المُتعصبين المُستبيحين لكل ما هو مسيحى وبدلاً من أن يطيح بُمستقبل طالب مُسلم شعر أنه من الأسهل والأكثر راحة لضميره أن يَستبيح مُستقبل طالبة مَسيحية لعلمه بأنه لن يتعاطف معها أو يسمعها أحد لأن من وجهة نظره يرى أن المَسيحيين ليس لهم حقوق فى بلدهم ولن يبكى عليهم أو يسمع آناتهم أحد ولا داعِ أن يخرج علينا من يقول أن هذه الواقعة حدثت فقط لتفوق الطالبة .. نعم حدثت لسرقة مجهودها كَمتفوقة ولكن تم إختيارها بالأسم لأنها مَسيحية لأنه ما أكثر الطلبة والطالبات المتفوقين من المُسلمين أيضاً ، ويجب علينا أن نُصارح أنفسنا ونعترف أنه مازال الكثيرين يتعاملون مع المَسيحى بطائفية وإستباحة كل ما يملكه حتى لو كان تعبه ومجهوده !!
وبهذا الغباء المُستحكم الذى جاء فى صالح الطالبة مريم تم إكتشاف هذه اللعبة الحقيرة لأنه لو قام بسرقة مادة من كل طالب لكانت مريم فقدت بعض الدرجات التى لن تجعلها تدخل كليتها المُفضلة" الطب " أو تكتشف تزوير وسرقة أوراقها !!
فقد إستباح هذا المُنحرف أخلاقياً مُستقبل الطالبة المُتفوقة ليهدم حُلمها ليوقظها على كابوس ويحقق هذا الحلم على حساب سهرها وتعبها ومجهودها لآخر لا يستحقه مُقابل عدة جُنيهات مهما كان عددها فهى زائلة !! فقد حصلت مريم على لا شئ ليأخذ مجهودها من هو لا شئ !!
- فقد خرج علينا الوزيربعدة تصريحات مُستفزة مُشيراً إلى أنه لاحظ تشابهاً في الحروف المكتوبة بين كراسات الإجابة وإستمارة دخولها الإمتحان !!! كما صَرحَ أيضاً بأن نتيجة الإستكتاب أثبتت أن خط الطالبة مريم هو المتواجد بأوراق الإجابة ، ولم يتم تبديل أوراقها، وتابع في مداخلة هاتفية مع الإبراشى ، أنه في حال أعلنت النيابة العامة نتيجة التحقيقات لصالح الوزارة سيتم مقاضاة الطالبة.
- لا أدرى لماذا هذه اللهجة الترويعية المَليئة بالتهديد والوعيد للطالبة !! فبدلاً من أن يُصرح أنه لو ثبت أن هناك فاسدين فى وزارته سيقوم بإقالتهم والتحقيق معهم ومقاضاتهم ، ولكنه ظهر مُتأهباً للهجوم على الطالبة يَستَبِق الأحداث وكأنه يتمنى من كل قلبه أن يُقاضى الطالبة لمُجرد أنها تألمت وصرخت بأعلى صوتها لتستغيث وتستجير من الظُلم .. كما له تصريح آخر يقول فيه أن إستكتاب الطالبة مريم قد ظهر وأن أوراق الإجابات الخاطئة تخصها . - فهل يقوم الوزير بتدشين حملة مُضادة كنوع من الحرب الباردة لتخور الطالبة وأسرتها حتى لا يكملوا ما بدأوه ؟!! أم أنه بهذا يعلن مُسبقاً نتيجة المؤامرة ويُمهد لما بات مشغولاً به فى قرارة نفسه وقرر تنفيذه مُستقبلاً وهو إنكار المؤامرة وإلقاءها برُمتها على عاتق الطالبة ؟!!
- ولماذا هذا التحدى السافر من الوزير؟!! فبدلا من إنصاف طالبة ظلمت .. يُريد أن ينصف المُجرمون الذين ظلموها .. فهل كل ما يهمه تَبرِئة ساحته وليذهب مُستقبل الطالبة للجحيم لأنه يخشى على كرسيه الزائل والذى عاجلاً أو آجلاً سيتركه لغيره يوماً ما سواء أخطأ أم أصاب لأن هذا هو حال الوزارت وحركات التنقلات فيها .. فأرعَ ضميرك أمام الله لأن مَنصِبك ستتركه لغيرك عاجلاً أو آجلاً سواء بسبب مشكلة مريم أو حتى بدون أسباب كما تركوه لك من سَبَقوك .
ختاماً .. لا يسعنى سوى أن أقول لكل من ساهم فى سرقة مريم أوتآمر على ضياع مُستقبلها وإستباحته أو ساند فى ذلك سواء بالصمت أو التواطؤ معهم من المسئولين لن أقول سوى ما قاله الكتاب المقدس .
أن مُبرئ المُذنب ومُذنب البرئ كلاهما مكرهة للرب .