بطرائق مختلفة، تعلن القوى العظمى عن وجودها ومكانتها ودورها فى منظومة العلاقات الدولية. والصين والهند هما القوتان البازغاتان فى القرن الحادى والعشرين، ولم تعد لا الولايات المتحدة الأمريكية ولا الدول المؤثرة فى الاتحاد الأوروبى تنازع فى وجود العملاقين الآسيويين أو تنكر مكانتهما ودورهما الاقتصادى والتجارى والعلمى والتكنولوجى وأهميتهما الاستراتيجية.
بعيدا عن تفاصيل القوة الاقتصادية ومعدلات النمو السنوية وتراكم الثروة المالية وموارد الصناديق السيادية وميل ميزان الصادرات والواردات لصالح الأولى على حساب الثانية والنطاق الواسع لاستثمارات الحكومة الصينية خارج حدودها ولنشاط القطاع الخاص الهندى فى آسيا وإفريقيا وفى قارات العالم الأخرى وتصاعد القوة العسكرية والإمكانيات التكنولوجية للبلدين وقدراتهما المتراكمة فى مجالات الطاقة النووية والفضاء، يعلن الصينيون والهنود عن انتمائهما لقوتين بازغتين بالانفتاح على صناعة السياحة العالمية والتحرك باتجاه الكثير من المقاصد السياحية فى آسيا وأوروبا والأمريكتين واستراليا وإفريقيا فى مجموعات ذات أعداد كبيرة.
مشهد الصينيين والهنود اليوم وهم يجوبون العالم ــ وقد أتيحت لى خلال الأيام الماضية مشاهدتهم فى العاصمة الإيطالية روما وفى صقلية الجميلة ــ، يتشابه بكل تأكيد مع مشهد البريطانيين والفرنسيين وأوروبيين آخرين فى بدايات القرن العشرين عندما راج التجوال بين مستعمرات الأوروبيين وفى العالم الجديد، ويتشابه بكل تأكيد مع مشهد الأمريكيين والألمان واليابانيين الذين مكنهم الرخاء الاقتصادى وارتفاع معدلات دخولهم الفردية فى النصف الثانى من القرن العشرين من الارتحال فى عطلاتهم إلى جميع أرجاء المعمورة ودمج المناطق البعيدة فى صناعة سياحة عالمية متطورة وعفية.
هم اليوم الصينيون والهنود ــ ومعهم بدرجات أقل السياحة الروسية التى تتوجه عادة إلى البلاد الخارجة للتو من أزمات اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية طاحنة وتستغل تدهور أسعار المعروض السياحى ﻹنفاق القليل من المال، ومعهم أيضا بدرجات أقل السياحة الخليجية وسياحة أغنياء الشعوب الفقيرة ومحدودة معدلات الدخول الفردية ــ الذين يمكنون صناعة السياحة العالمية من النمو المستمر والتطور السريع. وهم الذين تخاطبهم صناعة السياحة العالمية بكل مكوناتها، من شركات عالمية إلى المترجمين المرافقين لمجموعات السائحين والمرشدين السياحيين الذين يجيدون الحديث باللغات المستخدمة فى الصين (الماندرين وغيرها من اللغات) وفى الهند (اللغة الإنجليزية فى المقام الأول وبعض اللغات المستخدمة محليا) ــ فى روما وفى مواقع مختلفة فى صقلية، يشكل الصينيون والهنود أغلبية السائحين الساحقة، ويشاهدون وتسمع أصواتهم فى كل مكان من الفاتيكان إلى شواطئ البحر المتوسط.
هم اليوم الصينيون والهنود الذين يعلنون عن انتمائهم لقوتين بازغتين عبر التجوال فى العالم واكتساح صناعة السياحة العالمية تماما، كما يعلن حضور الشركات الصينية والاستثمارات الهندية والمهندسين والخبراء والمراكز العلمية والثقافية عن منافستهما للولايات المتحدة الأمريكية ولا اتحاد الأوروبى فى كل المجالات.
نقلا عن الشروق