الاثنين ١٠ اغسطس ٢٠١٥ -
٤٨:
٠٩ ص +02:00 EET
بقلم الباحث / نجاح بولس
جاء الاحتلال البريطانى فى أعقاب ثورة الضباط بقيادة عرابى التى لم تقدر لها النجاح ، وقد كان من المعروف أن السياسة الإستعمارية التقليدية تحرص على جذب الأقلية الطائفية والتعاون معها وتمييزها وتجنيد الكثير منها ليكونوا وكلاء لها مستهدفة فى ذلك اثارة الشقاق الدينى او القومى بين الجماعات المختلفة فى اى بلد يحتلوها ، ولكن هذا ما لم يحدث عند دخول الإنجليز مصر ، فلم تعمل السياسة البريطانية على أن تجذب أقباط مصر اليها منذ البداية ، وقد ذكر
كرومر فى كتابه ( مصر الحديثة ) ما يفيد أن الإحتلال الإنجليزى لم يجد ترحيباً من الأقباط عندما بدأ ، وأن السياسة البريطانية بادلته ذات الموقف ، وأشار الى استخدام الأنجليز للمسيحيين السوريين واحلالهم محل الأقباط فى الإدارات ، وبرر ذلك بأن الانجليز وجدوا فى الايام الاولى للاحتلال ان الأقباط عامة غير أصدقاء لهم ، وأنهم كانوا يتبعون فى اسلوب الادارة والمحاسبة طريقة قديمة يحرصون على كتمان اصولها .
ولهذه الاسباب دخل الاقباط فى مواجهه مع الاحتلال البريطانى قابله ردود أفعال من جانب السياسة البريطانية تجاه الأقباط تهدف الى تهميشهم ، والحد من نفوذهم ، وتقليل الدور القبطى فى الدولة ، حتى انه لم يمض ربع قرن من الإحتلال البريطانى لمصر وقد اختفى اكثر الرؤساء الأقباط من الادارات والمناصب العليا فى الدولة ، وقل عددهم بالتدريج فى مناصب القضاء ، وكانت عملية اقصائهم وغلق ابواب التعيينات الجديدة امامهم فى الوظائف الكبيرة تقوم على اساس احلال السوريين محلهم بحجة أن طريقة حساباتهم طريقة عتيقة ولم تعد مفهومة الا بينهم .
وفى هذه المرحلة العصيبة إنخرط الاقباط فى العمل الوطنى وإتسعت مشاركتهم فى الحياة السياسية فكان منهم أعضاء فى الأحزاب السياسية التى بدأ يتوالى ظهورها منذ أواخر العقد الأول من القرن العشرين ، فاشترك اثنين منهم فى تأسيس حزب الإصلاح على المبادئ الدستورية الذى تزعمه الشيخ على يوسف ، كما انضم عدد كبير من الأقباط للحزب الوطنى الذى أسسه مصطفى كامل ، وكان من ضمن قيادات الحزب إثنان من ابرز زعماء الحركة الوطنية هما ويصا واصف ومرقص حنا ، وعندما تأسس حزب الأمة عام 1907 ضمت جمعيتة العمومية 16 من الأقباط من بين أعضائها البالغ عددهم 113 عضواً وفى هذا الحزب وجد أثرياء الأقباط متنفساً طبيعياً للتعبير عن مصالحهم ودخلته شخصيات من أمثال فخرى عبد النور ، وسينوت حنا بك ، وبشرى حنا بك ، كما قام ثرى من اثرياء الصعيد هو الدكتور اخنوخ فانوس بتأسيس الحزب المصرى الذى قام على اسس طائفيه والتعاون مع الإنجليز ولذلك لم يعمر طويلاً ولم يلاقى قبولاً من الأقباط .
وبخلاف التواجد القبطى فى الاحزاب السياسية وبالرغم من موقف الاحتلال البريطانى الاقصائى تجاه الأقباط الا ان هذا لم يمنعهم من الانخراط فى العملية السياسية والمشاركة فيها بصورها المختلفة ، فنذكر أن البابا كيرلس الخامس كان عضواً فى مجلس شورى القوانين عام 1883 ، وشملت التعيينات القضائية عند انشاء المحاكم الأهلية عام 1883 بعض القضاة الاقباط نذكر منهم على سبيل المثال حنا نصرالله بك بمحكمة مصر الابتدائية ، وبرسوم حنين افندى بمحكمة الاسكندرية وغيرهم ، كما تم تعيين جبرائيل كحيل بك رئيساً للنيابة ، وفى التعيينات القضائية لمحاكم الوجه القبلى عام 1889 تم تعيين قضاة من الاقباط ابرزهم يس عبد الشهيد افندى بمحكمة بنى سويف ومرقص غالى افندى بمحكمة اسيوط .
وتقلد الأقباط مناصب وزارية فى هذه الفترة وكان أول وزير قبطى مسيحى من أصل مصرى يلتحق بالوزارة هو بطرس غالى باشا الذى شغل منصب وزير المالية فى وزارة حسين فخرى باشا عام 1893 ، وبعدها لم يخلو أى تشكيل وزارى من وزير قبطى على الأقل ، كما تقلد اثنان من الأقباط لمنصب رئيس الوزراء وهم بطرس غالى باشا الذى قام بتشكيل الوزارة فى 12/11/1908 وظل رئيساً لها حتى أغتيل يوم 21/2/1910 ، وكذلك يوسف وهبى باشا الذى شكل حكومته يوم 20/11/1919 .