الأقباط متحدون - أزمة منتصف العمر
أخر تحديث ١٢:٠٩ | الاثنين ١٧ اغسطس ٢٠١٥ | ١١مسرى ١٧٣١ ش | العدد ٣٦٥٥السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

أزمة منتصف العمر

 قطار العمر
قطار العمر

 صرنا كبارا.. في العمر طبعا.. وأصبح جيلي يعيش أزمة منتصف العمر التي ترتبط بسن الخمسين عادة.. نظرتنا للحياة الآن اختلفت عن أي وقت مضى.. فجأة اكتشفنا أنه فات الكثير ولم يتبق إلا القليل، الذي هو في علم الغيب.. لكنه شعور مؤكد وحقيقي بعد أن مضى قطار العمر، رغم أننا مازلنا على "مقربة" من محطته الأخيرة.

 
ولعل هذه "المقربة" دفعت صديق الطفولة والشباب وكل مشوار الحياة الدكتور محمد سلامة، إلى الاستسلام لأزمة منتصف العمر، فكان فريسة سهلة نهشته في هدوء.. ليرحل في صمت كما عاش.. ويأخذ معه جزءا عزيزا من ذكرياتي وأيامي ويتركني أتأمل الحياة بدونه، فأكتشف أنها تغيرت كثيرا.. ولمَ لا.. فهو لم يعد فيها.
 
كان واضحا منذ البداية، أنه سينهي دراسته في صيدلة القاهرة ويعود للعيش في قريتنا الصغيرة بين ناسها الطيبين.. عاش نقيا تقيا يوزع ابتساماته على الفلاحين البسطاء الذين يتوافدون عليه في كل وقت، يصفون له ما يشكون منه من آلام مرض أو وجع أو يصرفون روشتة خطها طبيب البندر.. ظلت صيدليته طوال العقود الماضية مقصدا للمتألمين.. يخرجون منها أكثر راحة وسعادة وأملا.. لم يغادر القرية.. ارتمى في أحضانها تحيطه جلسات الأصدقاء وحكاوي الكبار لتكسر وحدته.. لكن لا مفر.. انتصرت وحدته على كل هذه الناس وكل الحكاوي والجلسات ليل نهار.. واستسلم لآلامه التي يشعر بها وحده.. وهو الذي عالج آلاف البشر لم يجد من يعالجه بين كل هؤلاء، ليرحل تاركا خلفه جرحا عميقا وألما دفينا لا علاج له.
 
كنت أتصور أن أزمة منتصف العمر لا تستطيع أن تهزم أهل الريف.. ففي القرى تذوب الأحزان سريعا وسط دفء العلاقات والأواصر القوية التي تجعل من أهل القرية أسرة واحدة، تجتمع حول أي شخص يتعرض لمحنة، فلا يشعر بما يعانيه سكان المدينة من وحدة وعزلة نفسية، وسط ملايين البشر وضجيج الحياة وخطواتها المتلاحقة.
 
وفي القرية يزداد الإحساس بالرضا وتأمل الطبيعة، ما يمنح الإنسان سعادة وقدرة أكبر على مواجهة أي مشاكل أو متاعب.. على عكس المدينة التي تطغى الماديات على الحياة، وتجعل من البشر آلات فتموت حالة الرضا مهما حقق الإنسان من ثروات أو مناصب أو أي مظاهر أخرى تبدو مبهجة، لكنها في حقيقة الأمر زائفة، ويشعر صاحبها بأنه لم يحقق أي شيء وأن عمره ذهب هباء..
 
لكن يبدو أن ظني لم يكن صائبا.. لا الريف أصبح صافيا راضيا كما كان.. ولا المدينة ستتوقف عن دهس المشاعر الإنسانية، فتحول الناس إلى هياكل بشر، لا تكف عن الحركة والدوران حول نفسها، والصراع على لا شيء!!
نقلا عن vetogate.com

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع