بقلم الباحث / نجاح بولس
حاول الأقباط الإندماج فى الحياة السياسية منذ ظهورها فى بدايات القرن العشرين وكان لهم دور قيادى فى الحركة السياسية والعمل العام إبان ثورة 1919. وتعظم دورهم تدريجياً بتطور العملية الديموقراطية فى المرحلة الليبرالية فمنهم من شغل رئاسة الوزراء ، ووزارة الخارجية ، ورئاسة البرلمان ، وكانوا يشاركون فى المجلس التشريعى كنواب عن الشعب كله من خلال انتخابات ديمقراطية نزيهة .
وكانت بداية الحركة الوطنية بتشكيل الوفد المصرى برئاسة سعد زغلول وعضوية ستة اخرين كانوا جميعهم من اعضاء الجمعية التشريعية حيث تقابلوا مع "سير ونجت" للمطالبة بالاستقلال الذى رفضه السير ونجت المعتمد البريطانى ، وبعدها تم اعتقال سعد زغلول وبعض من رفقائه وتم نفيهم الى جزيرة مالطة فحدثت المظاهرات فى القاهرة وامتدت الى جميع الاقاليم فى مصر وشملت المظاهرات النساء وخرجت سيدات مصر فى 16 مارس 1919 لأول مرة فى تاريخ مصر .
وترجع بداية مشاركة الاقباط عموما فى حزب الوفد الى وقت مبكر حينما تلاحظ خلو الوفد من الاقباط فتم اختيار ثلاثة من الاقباط لعضوية الوفد هم واصف بطرس غالى ، سينوت حنا عضوا الجمعية التشريعية ، وجورج خياط من كبار اعيان اسيوط ، وتوالى بعد ذلك انضمام الاقباط الى الوفد ولكن ليس بصفتهم الطائفية وانما على اساس درجة الوطنية والكفائة لدى كل منهم .
ولقد مثل حزب الوفد التنظيم السياسى الشعبى الذى إلتف حوله الجماهير مسلمون واقباط حيث استطاع ان يجمع عنصرى الامة تحت مظلة واحدة لم تستطع قوى الإحتلال الإنجليزى ان تفرقها ، وقد تصدى الحزب للقضية الوطنية المتمثلة فى الإستقلال وإجلاء الإنجليز عن مصر وهى القضية التى كانت تشغل جميع المصريين ولذا برزت تحت لوائه المشاركة السياسية لجميع المصريين مسلمين وأقباط على السواء .
ويشير المؤرخون الى ان الاقباط لم يكونوا بمعزل عن قيادة الحركة الوطنية ولا عن اى من تشكيلات الوفد الدائمة او المؤقتة فى اى ظروف ، وانهم لم يكونوا يمثلون فيه طائفة معينة ولا كان إختيار أحدهم أو غيرهم يتم على أساس الإنتماء الطائفى له ، ولا كانوا يشغلون نسبة معينة من عدد اعضاء اى تشكيل فيه ، ولا يظهر ان الانتماء الطائفى كان عنصرا فى الاختيار الا فى حالة دخول واصف غالى فى البداية كقبطى على ان هذه الصفة ما لبثت ان زايلته فور انضمامه الى الوفد .
ولا يكاد يوجد كاتب تحدث عن ثورة 1919 الا وكانت مسألة الوحدة الوطنية والمشاركة الفعالة لجميع المصريين مسلمين وأقباط هى إحدى النقاط الأساسية التى تناولها بحديثه عن تلك الفترة ، ويدلل ذلك على أن ثورة 1919 تمثل أروع صورة لمشاركة الأقباط الوطنية والسياسية ، إستغله النظام السياسى الليبرالى الذى قاده حزب الوفد والذى تأسست مشروعيته مع ثورة 1919 ودستور 1923 ان يستوعب كل القوى الإجتماعية والسياسية فى المجتمع المصرى أنذاك ودفع الجميع بما فيهم الأقباط الى المشاركة السياسية الفعالة ، فقد اظهرت ثورة 1919 مشاركة الأقباط فى أحداث الثورة من حيث التنديد بالإستعمار والمطالبة بالإستقلال ، وبرز ذلك فى مشاركة أهالى المنيا والواسطى وملوى والمعروف بتواجد نسبة عالية من الاقباط بين سكانها ، وتذكر الوثائق ان اللجنة الوطنية المحلية فى اسيوط ومعظم اعضائها من الاقباط اصدرت بتشجيع من المحافظ منشورات تنادى بالاستقلال وتدعو الى العنف .
كما برزت المشاركة السياسية للأقباط فى قيادة الثورة ، فقد ضم الوفد المصرى - باعتباره الحزب الذى تزعم الثورة - عدداً كبيراً من الأقباط منها اسماء قيادات وطنية كان لها وجود طبيعى وواضح فى المستويات العليا والوسطى للحزب مثل ويصا واصف ( كان رئيساً لمجلس النواب ) ومكرم عبيد (سكرتير عام الوفد ) ، ومرقص حنا ( نقيب المحامين لاكثر من دورة ) .
وقد شارك الأقباط فى تكريس مفهوم المواطنة وظهر ذلك فى رفض أغلبية الأقباط ان يتضمن دستور 1923 ضمانات للأقليات الدينية بما فيهم الأقباط ، وتمثل هذا الرفض فى صورة حركة جماهيرية واسعة فى صفوف الاقباط .
وفيما يتعلق بمشاركة الاقباط فى البرلمان خلال المرحلة الليبرالية نرى ان هذه الفترة شهدت عشرة انتخابات برلمانية كان أولها فى يناير 1924 واخرها يناير 1950 ، حصل حزب الوفد على أغلبية فى سبعة تشكيلات منها ، ولوحظ أن هناك علاقة طردية بين تمثيل الأقباط فى مجلس النواب وحصول حزب الوفد على الأغلبية فى المجلس ، حيث تلاحظ أن الإنتخابات التى كان يحصل فيها الوفد على أغلبية مرتفعة (بإستثناء انتخابات 1950 ) كان يصل فيها عدد الأقباط أكثر ما يكون بنسبة تتراوح بين 8 % الى 10.5 % من اجمالى عدد النواب ، وقاطع حزب الوفد الإنتخابات عامى 1931 ، 1945 وحصل على أقلية لم تتعدى 5 % فى إنتخابات عام 1938 ، وتلاحظ إنخفاض عدد النواب الأقباط فى التشكيلات الثلاث بنسبة تراوحت بين 2.5 % ، 4.5 % من اجمالى عدد النواب .
وقد شارك الاقباط بشكل ملحوظ فى الجهاز التنفيذى فبعد إقرار دستور 1923 وحتى ثورة يوليو 1952 تعاقبت خلالها ما يقرب من 38 تشكيلاً وزارياً ، كان أولها برئاسة سعد زغلول عام 1924 شملت تسعة وزراء منهم اثنين من الأقباط هم مرقص حنا بيك للاشغال ، وواصف بطرس غالى افندى للخارجية ، وخلال تلك الفترة وبخلاف تبوأ الأقباط منصب رئيس الوزراء مرتين ، فقد تبوأ الأقباط أيضاً وزارة الخارجية سبع مرات ، ووزارة الأشغال ست مرات ، المالية ست مرات ، الزراعة ثمانية مرات ، ووزارة الحربية مرة واحدة ، التجارة والصناعة سبع مرات ، والتموين مرتين ، والصحة مرتين ، كما حرص سعد زغلول على أن يعين نظاراً للمدارس الاميرية من الأقباط بالإضافة الى أنه تم انتخاب ويصا واصف رئيساً لمجلس النواب الوفدى خلال تلك الفترة .