سمير حبشـــــــــــى
فى ظلال فقدان السيطرة وترنح الإرادة فى زماننا المعاصر ، وعندما تصير القضايا الملحة
مبعثرة العناصر ، يضطر أحيانا الإنسان أن يضع يده فى يد الشيطان ، وهنا يزٍين له الشيطان وهم الصداقة الراقص على إيقاع وهج خافت ، يخفى وراءه العداوة المتأصلة لأعداء الأمس ، وخاصة إذا كان هذا الإنسان يمتهن السياسة ، هذه المهنة القادرة على توفير أدلة براءة المتهم وتجريمه في آن واحد ، وتشترط إتقان أساليب الخداع والمراوغة ، والكذب ، والغدر، والشك لاحتراف هذا العمل السياسي ، بدليل إزدواجية أخلاق السياسي ، فمن جهة يوحي إلتزامه بقيم المجتمع الأخلاقية ، ومن جهة أخرى سلوكه يعكس قيم السياسة الأخلاقية ، ففي الأولى يكسب ولاء المغفلين والسذج ، وفي الثانية يخدع أقرانه السياسيين لتحقيق أهدافه الخفية .. إنها للأسف إغراءات ووهج السلطة الخادعة ، التي تستدرج القادة والزعماء، متناسين أن الشيطان الذى صادقوه سوف ينقلب عليهم أيما إنقلاب ، عندما يبلغ العد العكسي لإنتهاء المصالح المشتركة .. وذلك مصير كل أفًاق كذاب باع قضيته ومبادئه بثمن بخس، واختار أن يضع يده فى يد الشيطان ، ليس رغبة منه في الإصلاح الحقيقي والمأمول ، بل فقط من أجل ذر الكثير من الرماد في العيون المصابة أصلا بالرمد.
يا إخوتى : أقول هذه المقدمة ، وأضعها كناقوس يحذر من الخطر ، والشَرَك الذى يحاول الكثيرون إيقاع السيسى فيه .. فقد أصبح يتردد هذه الأيام تصريحات مختلفة من أشخاص مختلفة ، عن المصالحة بين السيسى والإخوان ، فقد أذاعت وكالة أنباء فارس خبرا مفاده : أنه من الواضح أن السيسي يستجيب أمام ضغوط المملكة السعودية ، ويمهد الشعب ويؤهله تدريجيًا لقبول المصالحة ، وذلك لحاجته للمساعدات المالية السعودية .. كما أُعلن فى صحيفة نيسان الأردنية ، أنه تجري مبادرة عربية ، برعاية سعودية إماراتية ، وضع اللمسات النهائية عليها لتحقيق "مصالحة شاملة " بين النظام و"الإخوان"، وفق آليات وخطة معينة ، لم تتضح تفاصيلها بعد .. ونقلت صحيفة "المصريون" أن هذه المبادرة تجري بمشاركة شخصيات أبرزها الدكتور محمد البرادعي ، نائب رئيس الجمهورية السابق ، والدكتور أيمن نور، زعيم حزب غد الثورة ، والدكتور محمد محسوب ، وزير الشئون القانونية الأسبق .. كما قال محمد غنيم عضو المجلس الاستشاري العلمي للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ،: إن المصالحة مع جماعة الإخوان المسلمين قادمة . وإن البرلمان المقبل لن تكون فيه الأغلبية لجناح بعينه .
إن الكل يعرف أن السيسى واقع تحت ضغوط تمارسها السعودية على مصر ، بعد وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز، ويقول البعض أنه سيحاول الحصول على موافقة الشعب المصرى ، بعد تغيير موقفه تدريجيا من الجماعة ، وفى الحقيقة لا توجد مصالحة على الدم والخيانة .. وهل سينسى السيسى أنهم قد خططوا لتشكيل جيش في سيناء ، وأن العمليات الإرهابية التي وقعت كان الإخوان وراء كل منها ، فكيف يتحدثون الآن عن المصالحة ، فجماعة الإخوان لن تضع في اعتبارها مصر ومستقبلها ، وإنما تسعى إلى تحقيق مصالحها وأهدافها التي تتبناها ، فهم لا يعرفون الوطنية ولكن ولاءهم الأعظم لتحقيق الخلافة الإسلامية ، والسيطرة على مصر وجعلها ولاية تابعة للخلافة .. إن الإخوان فئة يريدون أن يكونوا تحت الأرض ، وفى الوقت نفسه فوق الأرض ، ليس هذا فقط ، بل يريدون أن يسيطروا على كل شبر فى مصر، بحيث لا يستطيع أحد التصرف حتى فى حياته اليومية إلا بإرادتهم .. لقد كان هدفهم الأعظم هو أخونة مصر ، ومشروع الأخونة هذا كان سيحيل مصر إلى فئات ، فهناك سيكون مواطنون من الدرجة الأولى ، وهم الإخوان ، ومواطنون من الدرجة الثانية ، وهم بقية الشعب ، ومواطنون درجة ثالثة وهم من يطلقون عليهم «الكفار» والمقصود بذلك المسيحيون.
وفى نظرى أنه حتى الحديث عن المصالحة أخطر من الإخوان الخونة المتعطشين لدماء المصريين .. فالإخوان مجموعة من القتلة والخونة ، ولا يجب أن يكون هناك مصالحة معهم ، كما أن ترديد كلمة مصالحة فى الوقت الحالى خيانة للمصالح العليا للوطن ، إنه لا تصالح مع جماعة الإخوان التى قتلت أبناء الشعب المصري ، من الجيش والشرطة والمدنيين ، وخانت الوطن من خلال بيع أسراره العسكرية لدول معادية ، مؤكدا أنها جماعة إرهابية وليست سياسية .. إن المصالحة مع جماعة الإخوان المسلمين خط أحمر ، وقد أعلنها السيسى منذ البداية بوضوح ، وهذا إذا كان صادقا عندما قال : بأنه لن يكون هناك جماعة للإخوان أو مرشد بعد اليوم .. فالسيسي في سباق مع الزمن ، وعليه أن يتخطى إمتحانا عسيرا لوطنيته ، والذى سيُظهر إذا كان بإمكانه التمسك بموقفه برغم ضغوط دول الخليج ، أم أنه سيضع يده فى يد الشيطان ، ويدوس بالحذاء على صوت ثلاثين مليونا خرجوا وهم يطالبوه بإنهاء ليل الإخوان المظلم ، وهل سيغمض عينيه عن نهر الدم المتدفق من أجساد شهداء مصر ، من شعب وجنود جيش وشرطة ، و ماذا سيكون موقف أقباط مصر من تلك المصالحة ، وهم الذين كانوا نموذج حى للوطنية ، والذين أيدوه تاييدا مطلقا ؟؟؟؟.
وماذا نستطيع أن نستشف أو نفهم من كلمة السيسى : " من حقّ كل مواطن أن تكون له رؤاه ومعتقداته التي يُدافع عنها ، شريطة أن لا يكون ذلك مصحوبًا بالتخريب” ، وكانت هذه عبارة مفاجئة نطق بها عبد الفتاح السيسي خلال كلمته في مؤتمر الإعلان عن تدشين مشروع تنمية قناة السويس ، فهذه الكلمات تفتح مجالًا للنقاش ، والتفكير حول فكرة المصالحة بين السيسي والإخوان ، والتي من المفروض أن تكون مستحيلة بعد بحور الدماء المصرية التى سالت، ولكن الأيام سوف توضح ما يختبئ وراء ضباب السياسة ، وسيظهر جليا عندما يطول إنتظار شعب مصر لتنفيذ أحكام الإعدام ، التى توعد السيسى على تنفيذها ، وهل سيكون مواطنا مصريا شريفا وابنا مخلصا لوطنه ، ويكون قادرا على تنفيذ الإعدام للأفاعى السامة ، التى حاولت تسميم مصر وتدميرها ؟؟ ، وهل سيكون قادرا على قطع يد الشيطان الممتدة إليه كالإخطبوط ، الذى يحاول محاصرته من كل جانب بأذرعته الكثيرة ؟؟ .. سنرى ونتحقق من هذا كله مع الأيام .