بقلم : د.نادر نور الدين محمد | الخميس ٢٠ اغسطس ٢٠١٥ -
٣٨:
٠٦ م +02:00 EET
د.نادر نور الدين محمد
شهد هذا المكان من العزيزة الأهرام فى عام 1988 أول مقال لى عن الاستفادة من الكميات الهائلة من طمى النيل المتراكمة فى مدخل بحيرة السد سواء فى الأراضى السودانية أو المصرية ففى كلتا الحالتين حصتنا فيه محفوظة ولا جدال بشأنها. نجاح استخدام الكراكات العملاقة فى توسعة وتعميق وازدواجية قناة السويس فتح شهية العديد من المتخصصين وأعاد فتح الموضوع للاستفادة بهذه الكراكات فى استخراج تراكمات الطمى من قاع ومدخل البحيرة والتى قدرها البعض ببضعة مليارات من الأطنان تحتاجها أراضينا القديمة التى تنخفض دوريا فى الدلتا وتتهدد بارتفاع مستوى مياه البحر المتوسط.
يأتى طمى النيل بشكل رئيسى من منابع النيل الشرقى فى إثيوبيا عبر النيل الأزرق والذى يحمل نحو 70% من إجمالى هذا الطمى وتقدر عند خروجها من الحدود الإثيوبية بنحو 136.5 مليون طن سنويا، ثم يحمل نهر عطبرة الذى ينبع من شمال إثيوبيا ويرسم جزءاً من حدودها مع أريتريا بنحو 25% من إجمالى طمى النيل ويقترب من 40 مليون طن سنويا وكلاهما يصب فى النيل الموحد فى المسافة بين الخرطوم والحدود المصرية، بينما يشارك النهر الثالث للمنابع الحبشية وهو نهر السوباط الذى يخرج من الحدود الجنوبية الغربية لإثيوبيا ويصب فى النيل الأبيض بالقرب من الحدود بين السودان والسودان الجنوبى ولا تزيد مشاركته بالطمى عن 5% فقط ومن نوع خاص من الطمى الأبيض والذى يكسب النهر فى هذه المنطقة لونه الأبيض وبالتالى كان المسمى بسبب لون هذا الطمى، أما ما يخرج من بحيرات فيكتوريا وكيوجا وألبرت فى أوغندا فلا يأتى بأى طمي.
تمتد بحيرة السد العالى بين الحدود المصرية السودانية بطول 500 كيلومتر منها 350 كيلو متراً فى مصر ويطلق عليها اسم بحيرة ناصر، وبطول 150 كيلومتراً فى السودان ويطلق عليها اسم بحيرة النوبة وهى مياه ساكنة غير متحركة وتعتبر علميا هى المصب العملى للنهر الحر وليس البحر المتوسط بعد أصبح مجرى النهر يحوى ماء مقننا يصرف طبقا لاحتياجات البلاد لقطاعات الزراعة والصناعة والمنزلى ويتراوح بين 170 إلى 220 مليون م3 يوميا ولا يمكن زيادتها على ذلك وإلا تعرضت جميع جزر النهر للغرق بدءا من الزمالك والوراق وانتهاء بإدفينا.
عندما يأتى النهر هادرا سريعا حاملا طميى النيل الأزرق وعطبرة ويصل إلى مدخل بحيرة السد فى الأراضى السودانية يفاجأ بماء البحيرة الساكن فيحدث تصادم قوى يعصف بسرعة مياه النهر الموحد ويستوعبها مخلفا دوامات متتالية وضعفاً لقدرة النهر على حمل فتات الطمى العالقة به فتترسب فورا بسبب الانتقال من وضع الحركة إلى وضع السكون. يحدث هذا فى مدخل البحيرة ويمتد الأمر إلى بعض الأجزاء من بدايات البحيرة فى الأراضى السودانية وهى كفيلة بترسيب الجزء الأعظم من هذا الطمى حتى إن صور الأقمار الصناعية الملتقطة خلال الأعوام الثلاثين الأخيرة أظهرت تكون دلتا جديدة للنهر قبيل التقاء النيل الموحد ببحيرة النوبة داخل الأراضى السودانية بسبب التراكمات الهائلة لكميات الطمى التى تصل إلى هذا المكان والتى تتراوح بين 150 إلى 190 مليون طن سنويا. هذا الأمر سينتهى تماما بعد انتهاء بناء سد النهضة الإثيوبى والذى سيحجز خلفه نحو 90% من كميات طمى النيل الأزرق (136.5 مليون طن) ثم سد مروى السودانى الذى يجرى العمل فيه حاليا على النيل الموحد فى الشمال السودانى وبالتالى فسينتهى قدوم الطمى نهائيا إلى بحيرة السد العالي.
الأمر الواضح الآن أن الغالبية العظمى لكميات الطمى تترسب فى الأراضى السودانية ثم فى الجزء السودانى من بحيرة النوبة بطول 150 كم قبل أن يبدأ الجزء المصرى من البحيرة بطول 350 كم، وبالتالى فإن أى استخراج لتراكمات الطمى بكميات اقتصادية ينبغى أن تكون بالتنسيق مع السودان للحصول على حصة مصر من هذا الطمى المرتبطة بحصة المياه لكلا البلدين 55.5 مليار م3 لمصر و18.5 مليار م3 للسودان أى بنسبة 3 :1 إلا إذا أستغنت السودان عن حصتها فيه. الأمر الثانى أن الحديث عن أستخدام الكراكات العملاقة التى عملت فى قناة السويس للعمل فى بحيرة السد ليس موضوعيا للاختلاف الكبير بين عمق المياه فى قناة السويس وأضعافها مضاعفة فى بحيرة السد فبينما لا يزيد أقصى عمق لقناة السويس عن 24 مترا (66 قدماً) فإن متوسط عمق بحيرة السد يبلغ 180 مترا أى 590 قدما!! وبالتالى لا يمكن لأى كراكة فى العالم أن تتحمل الوصول إلى هذا العمق لاستخراج الطمي، بينما قد يكون الأمر عمليا فى مدخل القناة فى الجانب السودانى وكذا فى بداياتها.
وأخيرا تأتى التكاليف الاقتصادية سواء بإقامة مصنع لتعبئة الطمى كمخصب قوى فى شكائر مثل شكائر الأسمنت فى الأراضى السودانية أو بنقلها سائبة عبر الصنادل فى البحيرة ثم عبر قطارات البضاعة فى مصر عبر 1700 كم منها 525 كم فى البحيرة و 1200كم فى اليابسة ومدى الجدوى الاقتصادية لتكاليف هذا النقل الطويل على سعر شكارة الطمى أو المتر المكعب منه، وأميل إلى الاعتقاد أن جداوه الاقتصادية لا تتعدى حدود مشروع توشكى لتحسين خواصها، أما النقل للدلتا وسيناء والصحراء الغربية فقد يكون غير اقتصادى إلا فى حالة إنقاذ أراضى الدلتا من الغرق.
بنوك الأفكار التى لا تعتمد على العلم والدراسات القوية قد يكون ضررها أكثر من نفعها.
نقلا عن الاهرام
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع