قضى فى سجنه نحو ربع قرن، معلمة فى جسده، ومرسومة فى خياله، يتحدث عن السجن بنواقصه يريد له اكتمالاً، إذا كان السجن قدراً فليكن رحيماً، مقالات الدكتور ناجح إبراهيم عن دفتر أحوال السجون المصرية من قبيل إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت.
أبدا ليست من قبيل استعراض تجربة عريضة، قطع الدكتور ناجح السجون طولاً وعرضاً مذنباً، ولا يطلب ميزة لمن خلفهم وراء ظهره فى زنازين كالقبور، يطلب إصلاحاً، وتطبيقاً أميناً لشعار «السجن تهذيب وإصلاح»، لماذا تهتبل مصلحة السجون التهذيب وتتفنن فيه تأديباً، وتغمض الإصلاح؟ لو اكتملت الثنائية لكان للسجون شأن آخر.
خبرة الدكتور ناجح سجينا وطبيبا يجب ألا تهمل، ولو أراد وزير الداخلية، اللواء مجدى عبدالغفار، أن يصلح من حال السجون عليه أن يستفيد من خبرته فى تهيئة سجون أفضل، فى توازن دقيق بين الأمن ومتطلباته ورعاية السجناء إنسانياً وصحياً، منظومة متكاملة، خطير أن يكون الداخل إلى السجون مفقودا والخارج منها، إن خرج، مولودا!!
كل من خرج من السجن بقى موتوراً مؤهلاً للعودة مرة أخرى، السجون باتت مفرخة للإرهابيين، ويحكمها الإرهاب، يكفى أن تعلم أن نفراً من التائبين يخشون على حياتهم إن أعلنوا توبتهم، لا مأمور السجن يصدق توبتهم، ولا الإخوان فى السجون يغفرون لهم.
ورسالة صاعقة وصلتنى من أستاذة جامعية فى طنطا تقطر ألماً، أقنعت شقيقها واقتنع بالإقلاع عن أفكار سوداوية ملكته وأسكنته غيابات السجن، وقرر التوبة، وتسلمت إدارة السجن ورقته، وفضح أمره بين عامة السجن، وصار رهين المحبسين، سجن من جوه سجن، يخشى انتقاماً من المساجين، ولا يجد آذاناً صاغية من إدارة السجن، تخشى شقيقته عليه، وعلى شباب من أمثاله رهنوا تحت نير السجان وانتقام الإخوان.
الدكتور ناجح لا يطلب سجونا خمس نجوم، لا يطلب المستحيل، يطلب تفهماً لرسالة السجن، ويذكر بطيب الذكر اللواء أحمد رأفت، الذى جعل السجون حالة مبشرة من البناء الفكرى، وهدم الأفكار بعد عصفها، وقبل الدخول على الأفكار دخل على البنايات، أصلحها جعلها آدمية، اكتسب حب المساجين، فأعاد إليهم التوازن النفسى وصولا إلى المراجعات الفكرية التى أثمرت فى أرض خصبة.
ويروى عن المرحوم أحمد رأفت أنه اصطحب عبود الزمر متألماً الساعة الثانية صباحاً كاسراً كل القوانين الخاصة دون حراسة أو أوراق رسمية إلى مستشفى دمنهور لإجراء جراحة عاجلة دون أصفاد، وما إن أتم الجراحة أعاده إلى سجنه سالماً.
كان الراحل الكريم حازماً رحيماً، تتغير الوجوه التى يحدثنا عنها الدكتور ناجح ويضرب الأمثال، ولكن تظل قيمة ما يكتبه الدكتور ناجح أنه يتكلم ليس من فمه، بغوغائية أو بحنجورية، ولكن من واقع خبرة عميقة بحال السجون وحال المساجين، يحدثنا متصالحا مع نفسه، يكتب مؤذناً بالحق، ناصحاً ليس كائداً.
ليس من الحكمة إهمال ما يكتبه الدكتور ناجح من خلال 24 سنة سجن، قضاها صابراً محتسباً وخرج يدعو بين الناس بالحسنى وزيادة، يحسن وزير الداخلية إلى نفسه وإلى وطنه أن استمع لمثل هذه الأصوات العاقلة التى دينها وديدنها حب مصر، وفى ذلك فليتنافس المتنافسون.
نقلا عن المصري اليوم