الأقباط متحدون - «صداقة عريقة»
أخر تحديث ١١:٠١ | الأحد ٢٣ اغسطس ٢٠١٥ | ١٧مسرى ١٧٣١ ش | العدد ٣٦٦١السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

«صداقة عريقة»

الأنبا إرميا
الأنبا إرميا

تُعد «روسيا» من الدُّول التي تحمل تاريخـًا طويلًا في عَلاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية بـ«مِصر»، وذلكٰ على مر قرابة القرنين من الزمان؛ اقتربت وتباعدت، إلا أنها حملت آثارًا لا تُمحى في ذاكرة التاريخ المِصرىّ.

تُعرف «روسيا» باسم «روسيا الاتحادية»، وتقع في شَمال «أوراسيا»، وتضم ٨٣ كِيانـًا اتحاديـًّا. و«روسيا» هي أكبر بلد في العالم مساحةً إذ تمتد في قارتى «آسيا» و«أوروبا»؛ لذٰلك يشاركها حدودها عدد كبير من الدول: «النُّرويج»، و«فنلندا»، و«إستونيا»، و«لاتفيا»، و«ليتوانيا»، و«بولندا»، و«روسيا البيضاء»، و«أوكرانيا»، و«چورچيا»، و«أذربيچان»، و«كازاخستان»، و«جمهورية الصين الشعبية»، و«منغوليا»، و«كوريا الشمالية». ونتيجة مساحتها الشاسعة، تنوعت تضاريسها واختلفت أنواع بيئة الحياة فيها. وتمتلك «روسيا» كميات هائلة من الموارد المعدِنية والطاقة، والغابات، والبحيرات التي تجعلها تحتوى على ربع المياه العذبة تقريبـًا في العالم!

تاريخ طويل

بدأت العَلاقات الدبلوماسية بين «الإمبراطورية الروسية» و«مِصر» مع مرسوم الإمبراطورة «كاترين الثانية» قيصر روسيا (١٧٢٩-١٧٩٦م)، في عام ١٧٨٤م، الذي يقضى بتعيين أول قنصل في «الإسكندرية» يسمى «كندراتى فون تونوس». وفى عام ١٨٦٢م، افتُتحت أول قنصلية روسية في «القاهرة» مع الدبلوماسىّ «ألكسى لاكوڤسكي» الذي في أنشطته قام بتوسيع عمل القنصلية في «الإسكندرية»، وبافتتاح مكاتب أخرى في عدد من المدن المِصرية منها: «بورسعيد»، و«السويس»، و«المنصورية»، و«الإسماعيلية».

ومع إنشاء «الجمعية الروسية للملاحة والتجارة» عام ١٨٥٦م، وحفر «قناة السويس» في «مِصر» وافتتاحها للملاحة البحْرية في عام ١٨٦٩م، اشترك إمبراطور «روسيا» وأباطرة وحكام الدُّول في الاتفاق على نص «اتفاقية القسطنطينية» في التاسع والعشرين من أكتوبر عام ١٨٨٨م بشأن ضمان حرية استعمال «قناة السويس» البحْرية.

وفى عصر البابا «بطرس السابع»، الملقب بالبابا «بطرس الجاولى»، البطريرك التاسع بعد المائة في بطاركة «الإسكندرية»، أرسل إليه قيصر «روسيا» رسالة مع مبعوث له تحوى وضع الكنيسة القبطية تحت حمايته، لٰكنّ البابا «بطرس الجاولى» رفض مقترح قيصر «روسيا» بعد أن سأل مبعوثه: هل يعيش القيصر إلى الأبد؟ أجاب: لا، إنه يموت مثل كل البشر. فقال له البابا إنه يفضل أن يكون حامى الكنيسة، وراعيها الحقيقى هو الله الذي لا يموت.

القرن العشرون

مع بداية القرن العشرين، دخلت الثورة الصناعية في «روسيا». وفى عام ١٩٠٣م، ألَّف الليبراليون الروس «اتحاد زيمتوف الدُّستورىّ». وفى عام ١٩٠٤م، ألَّفوا «اتحاد التحرير»، وبدأت الدعوة إلى إقامة ملكية دُستورية. وكان الجَناحان السياسيان للاشتراكيِّين آنذاك هما «الحزب الاشتراكىّ الثورىّ»، و«حزب العمل الاشتراكىّ الديمقراطىّ الروسىّ» الذي انقسم إلى: «المناشفة»، التي تعنى المعتدلين، ويؤمنون بنمُو سلمىّ للاشتراكية الروسية، و«البلاشفة»، أي المتطرفين، ويؤمنون بوجوب الاستيلاء على السلطة بالقوة.

ثم وقعت «الحرب الروسية اليابانية» في ١٩٠٤-١٩٠٥م؛ وكان فشل القوات الروسية في تحقيق النصر في تلك الحرب ضربة قوية للنظام القيصرىّ. ثم جاءت أحداث «الأحد الدامى» لتبدأ معها الثورة الروسية في ١٩٠٥م.

وفى تلك الأثناء، ظلت العَلاقات الروسية المِصرية منفتحة، ولٰكن مع النظر في «مِصر» على أنها تابعة للدولة العثمانية حتى وقوع «الحرب العالمية الأولى». وقد أدت القنصلية الروسية في «مِصر» دورًا كبيرًا، إذ استقبلت أعدادًا كبيرة من الجنود الروس الجرحى والمهجَّرين الذين أصيبوا في الحرب في «فلسطين». ونجحت أيضـًا القنصلية الروسية وعلى رأسها «سميرنوف» في التصدى لمؤيدى الثورة البلشفية ونشاطهم، حتى تمكنت من طرد مجموعة كبيرة من البلاشفة خارج الحدود المِصرية. ومع انتصار الثورة في «روسيا» ووصولها إلى الحكم، أصبح الدبلوماسيُّون الروس مهاجرين.

أول تعاون اقتصادىّ

شهِد أُغسطس من عام ١٩٤٨م، أول تعاون اقتصادىّ بين «مِصر» و«روسيا» في أول اتفافية تِجارية بشأن تبادل القطن المِصرىّ في مقابل حبوب وأخشاب من «الاتحاد السوڤيتىّ».

الرئيس «جمال عبدالناصر»

إلا أن العَلاقات المِصرية الروسية قد بدأت بقوة بعد ثورة ١٩٥٢م، ووصول الرئيس «جمال عبدالناصر» إلى سُدة الحكم. فعلى الرغم من رفض الزعيم الروسىّ «چوزيف ستالين» طلب الرئيس «مُحمد نجيب» جلب السلاح الروسىّ إلى الجيش المِصرىّ، قائلًا له: ما الذي يضمن لنا أن السلاح الذي نُعطيكم إياه اليوم لن تحاربونا به في الغد؟ إلا أن العَلاقات بين البلدين اتخذت منحنى آخر بعد ظهور فكرة إنشاء السد العالى في «مِصر».

«الاتحاد السوڤيتىّ» والسد العالى

عرض رجل يونانىّ يُدعى «أدريان داتينوس» على الرئيس «جمال عبدالناصر» مشروع إقامة «السد العالى» لزيادة الرُّقعة الزراعية المِصرية، ووِقاية البلاد من الفيضانات، وتوليد الكهرباء اللازمة لإقامة مشروعات التصنيع في البلاد. وبدراسة ذٰلك المشروع، اتجهت «مِصر» إلى«واشنطن» و«لندن» و«المَصرِف الدُّولى» لمعاونتها في تمويل المشروع.

ولٰكنّ «الولايات المتحدة» و«بريطانيا» قدمتا عروضــًا وشروطــًا للتمويل هي:

- أن تتعهد «مِصر» بعدم إبرام أىّ اتفاقات مالية، أو الحصول على أىّ قروض، دون موافقة المَصرِف الدُّولىّ.

- أحقية المَصرِف الدُّولىّ في مراجعة ميزانية «مِصر».

- مراجعة ميزانية «مِصر» حتى لا يحدث تضخم.

- أن تتعهد «مِصر» بتركيز تنميتها في مشروع «السد العالى» فقط، وتخصيص ثلث دخلها مدة عشْر سنوات لهٰذا الغرض.

- استبعاد الكتلة الشرقية كليةً من المشروع، وأن تُجرى عقود الإنشاء على أساس المنافسة؛ إذ كان الهدف هو إبعاد «روسيا» عن المَِنطقة، بعد اتجاه الرئيس «عبدالناصر» إلى «روسيا» والكتلة الشرقية للحصول على السلاح اللازم للجيش المِصرىّ.

وحاول «يوجين بلاك»، رئيس «المصرِف الدُّولىّ» آنذاك، الضغط على «مِصر» للموافقة على تلك الشُّروط، لٰكن الرئيس «عبدالناصر» رفضها؛ فاستدعى «چون فوستر دالاس»، وزير خارجية «الولايات المتحدة» وقتئذ، السفير المِصرىّ في «واشنطن»، وأبلغه أن حكومة «واشنطن» تراجعت عن عرضها في تقديم المعونة المالية للمشاركة في تمويل قروض مشروع «السد العالى»؛ وفى أثناء ذٰلك اللقاء، كان نص خطاب الرفض قد وُزِّع على الصحف قبل وصوله رسميـًّا إلى الحكومة المِصرية. وفى «إنجلترا»، في اليوم التالى، استدعى سير «هارولد كاشيا»، الوكيل الدائم لوَزارة الخارجية البريطانية، السفير المِصرىّ في «بريطانيا»، وأبلغه أن «بريطانيا» قررت بدَورها التراجع عن العرض المقدَّم إلى «مِصر» لتكملة قروض التمويل لمشروع بناء «السد العالى». ثم جاء قرار تأميم القناة الذي أدى إلى تحالف كل من «إنجلترا» و«فرنسا» و«إسرائيل» للعُدوان على «مِصر».

وقد أدى الاتحاد السوڤيتىّ دورًا هامـًّا في الوقوف إلى جانب «مِصر» قبل العُدوان الثلاثىّ عليها وفى أثنائه؛ ففى البداية لم تعترف «موسكو» بمشروعية «مؤتمر لندن» لمناقشة قرار «تأميم قناة السويس» إذ قد جاء في بيان لها: «إنه لا يمكن اعتباره أبدًا ـ لا من حيث قائمة المشاركين فيه، ولا من حيث طابعه وأهدافه ـ مؤتمرًا دُوليـًّا يحق له اتخاذ أىّ قرارات بشأن (قناة السويس)». كما صرح «خُروشوف»: «إن (مِصر) تصرفت في نطاق حقوقها، ولم تخرق القانون الدُّولىّ. وإن التأميم لا يمَس مصالح الغرب». وفى الخامس من نوڤمبر عام ١٩٥٦م، أرسل مارشال «بولجانين» رئيس الوُزراء السوڤيتى إلى «بِن جوريون» رئيس وُزراء إسرائيل رسالة احتوت على إدانة «روسيا» الكاملة للعُدوان المسلح على «مِصر» الذي يُعد خرقـًا لـ«ميثاق الأمم المتحدة» ومبادئها، وقال فيها: «إن الحكومة الإسرائيلية المجرمة التي تفتقر إلى الشعور بالمسؤولية تتلاعب الآن بأقدار العالم وبمستقبل شعبها بالذات». كما أرسل رسالة إلى رئيس الوزراء البريطانىّ ورئيس الوزراء الفرنسىّ تحمل إنذارًا يقول: «إن (الاتحاد السوڤيتى) لا يمكن أن يُنتظر منه أن يقف جانبــًا إذا هوجمت (مِصر)». وقام الزعيم الروسى «نيكيتا خروشوف» في مجلس الأمن عام ١٩٥٦م، في أثناء العُدوان الثلاثيّ على «مِصر»، برفع حذائه في «مجلس الأمن»!! مهددًا بإشعال حرب عالمية ثالثة حال استمرار العُدوان الثلاثىّ على «مِصر»؛ فصدر قرار أن يوقف إطلاق النار وأن تنسحب الدُّول المعتدية من «مِصر» في ديسمبر عام ١٩٥٦م؛ وهٰكذا انصاعت الدول المعتدية للقرار منسحبةً.

ثم بدأ بناء «السد العالى»، وقام «الاتحاد السوفيتى» بإقراض «مِصر» قرضين بمبلغ ٢‚١١٣ مليون جنيه مِصرى لتمويل المشروع. وتَذكارًا لذٰلك الدور الكبير، أقيم نُصْب تَذكارىّ للصداقة المِصرية السوڤيتية عند «السد العالى» قرب مدينة «أُسوان»..... و... وعن مصر الحلوة الحديث لا ينتهى...!

*

الأسقف العام رئيس المركز

الثقافىّ القبطىّ الأرثوذكسىّ
نقلا عن المصرى اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع