بقلم : فاروق عطية
انفض المولد وذهب كل زمّار ليسلّك مزاماره تهيئة للعيد القادم, وغادر المهرجان كل طبال ليعّد طبوله لمهرجان جديد. وانصرف كل بليانشو ليجدد خطوط وجهه لحدث آت,
وشارك وبارك ووصف وألصق بما تم كل ما واتته قريحته من معجوات كل عبده مشتاق يحلم بالرضي السامي حالما بما قد ينوله من بعض الرضي والحسنات. المهم أننا فرحنا كلنا بزمارينا وطبالينا وعبده مشتاقينا ومهرجينا وسذّجيبا ومثقفينا وواعينا وهللنا وزأططنا ورقصنا واتحنجلنا حتي انقطعت أنفاسنا في مولد سيدي القنال الجديد أطال الله عمره وأبقاه وجعله الله زخرا ومبشرا باليمن والبركات والخيرات التي تعمّ مصر وكل المصريين, فتملأ جيوب مفلسينا وتشبع جائعينا وتكسي عريانينا وتسكّن مشردينا وتوظف عاطلينا وتزيد مرتبات موظفينا وترفع دخل متقاعدينا.
راحت السكرة وجاءت الفكرة, تعالوا معا نمحص الأمر حتي نضع الأمور في نصابها بلا تهويل أو تكبير. أن الموضوع المعلن من أول يوم هو إن مشروع القناه الجديد منقسمه جزئين, جزء و هو حفرالتفريعة الجديده بطول 35 كم , و جزء تعميق و توسيع الممرات الحاليه في البحيرات المره بطول 35كم و توسعه و تعميق تفريعه البلاح بطول 7 كم. بإجمالي حوالي 72 كم. ومع افتخارنا بما تم من أعمال هندسية فائقة الدقة في عام واحد يعّد إعجازا بكل المقاييس, ولكن لنضغ الأمور في نصابها ونقول أن ما تم هو تفريعة جديدة لقناة السويس وتوسيع وتعميق بعض الممرات وليس قناة جديدة, وإلا كان لدينا الآن قنالين منفصلين. وليست تفريعة الأمس هي الأولي فقد سبقتها ستة تفريعات في أزمنة مختافة وهي: تفريعة البلاح بطول 8.9 كم وتم حفرها عام 1955. وتفريعة كبريت بطول 7.0 كم وتم حفرها عام 1955. وتغريعة البحيرات المرة التي تم حفرها عتم 1955 أيضا. وتفريعة التمساح بطول 4.5 كم وتم حفرها عام 1980. وتفرعة الدفرسوار بطوا 8.4 كم وتم حفرها 1880. و تفريعة بورسعيد بطول 40.1 كم وتم حفرها عام 1980 (ازداد طولها عدة مرات).. تعالوا نري كيف يدأت قنال السويس تاريخيا.
يعد القدماء المصريين أول من شق قناة تربط بين البحر الأحمر والبحر المتوسط عن طريق التيل وفروعه, وكانت أول قناة أنشأها سنورست الثالث عام 1874 ق م. ثم أهملت وأعيد افتتاحها عدة مرات بعدة أسماء منها: قناة سيتي الأول عام 1310 ق م. قناة دارا الأول عام 510 ق م. ثم قناة بطليموس الثاني عام 285 ق.م.، وقناة الرومان في عهد الإمبراطور تراجان عام 117 م، وقناة أمير المؤمنين عام 640 م بعد الفتح الإسلامي لمصر على يد عمرو بن العاص لاغتصاب ثروات مصر ومحاصيلها وإرسالها للخليفة القابع في مكة الصحراوية القاحلة، وظلت 150 عاماً إلى أن أمر الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور بردم القناة التي كانت تصل بين الفسطاط والسويس، وسدها من ناحية السويس، منعاً لأي إمدادات من مصر إلى أهالي مكة والمدينة الثائرين ضد الحكم العباسي، ومن ثم أغلق الطريق البحري إلى الهند وبلاد الشرق وأصبحت البضائع تنقل عبر الصحراء بواسطة القوافل.
قناة السويس هي ممر مائي اصطناعي ازدواجي المرور في معظم أجزائه, يبلغ طولها 193 كم وتصل ما بين البحرين الأحمر والأبيض, وتنقسم طوليا إلي قسمين شمال وجنوب البحيرات المرّة, وعرضها إلي ممرين في أغلب أجزائها لتسمح بعبور السفن في اتجاهين في نفس الوقت, وتعتبر أسرع ممر بحري يربط بين قارتي آسيا وأوروبا, وتوفر نحو 15 يوما في المتوسط من وقت الرحلة عبر طريق رأس الرجاء الصالح.
بدأت فكرة إنشاء القناة مع قدوم الحملة الفرنسية على مصر عام 1798، وفكر نابليون في شق القناة إلا أن الفكرة باءت بالفشل، وفي عام 1854 أستطاع ديلسبس في إقناع الخديوي سعيد وحصل على موافقة الباب العالي، والذي قام الخديوي سعيد بموجبه بمنح الشركة الفرنسية امتياز لمدة 99 عام، استغرق بناء القناة 10 سنوات (1859 - 1869)، وساهم في عملية الحفر ما يقرب من مليون عامل مصري بالسخرة، مات منهم أكثر من 120 ألف أثناء عملية الحفر نتيجة للجوع والعطش والأوبئة والمعاملة السيئة، وتم افتتاح القناة في عام 1869 في حفل مهيب وبميزانية ضخمة، وفي عام 1905 حاولت الشركة تمديد حق الامتياز 40 عاماً إضافية إلا أن المحاولة فشلت، وفي يوليو عام 1956 قام الرئيس عبد الناصر بتأميم قناة السويس، والذي تسبب لاحقاً في إعلان بريطانيا وفرنسا بمشاركة إسرائيل الحرب على مصر ضمن العدوان الثلاثي الذي تسبب في إغلاق القناة والذي انتهى بإنسحابهم وإعادة افتتاح القتاة.
أغلقت القناة لأكثر من 8 سنوات نتيجة لحرب يونيو 1967، حتي قام الرئيس السادات بإعادة افتتاحها في يونيو 1975، شهدت القناة بعد ذلك محاولات لتوسيعها بدأت عام 1980 وكذلك فكرة تحويلها إلى منطقة خدمات لوجستية، ويمر عبر القناة ما بين 8% إلي 12% من حجم التجارة العالمية, وفي 6 أغسطس 2015 تم افتتاح مشروع التفريعة الجديدة بطول 72 كم، لتمكين السفن والناقلات من عبور القناة في كلا الاتجاهين في ذات الوقت بالمنطقة الجنوبية للقناة. وتلافي المشكلات الحالية من توقف قافلة الشمال لمدة تزيد عن 11 ساعة في منطقة البحيرات المرة، وتقليل زمن رحلة عبور القناة بشكل عام، مما يسهم في زيادة الإيرادات الحالية للقناة. بلغت إيرادات القناة في العام المالي (2014 - 2015) نحو 39 مليار جنيه مصري.
الهدف الأول من المشروع التفريعة الجديدة (القناة الجديدة) هو تقليل فترة الانتظار وزيادة سرعة التقاطر, لأن المتوقع أن يصل عدد السفن التي سوف تعبر القنال سنة 2023 إلي 97 سفينة يوميا.
الهدف الثاني: بعد تعميق الممر الملاحي (البحيرات المرّة وتفريعة البلاح) إلي 24 متر لتستوعب ناقلات أكثر ذات غاطس بين 21 و 28 متر وحمولة تصل إلي 300 ألف طن, علما أن التعميق لـ 24 متر ليس معناه زيادة الغاطس لـ 24 متر أيضا حيث أن غاطس السفن لايد أن يبتعد عن القاع بـ 2ـ 4 متر علي الأقل عن قاع القناة.
لوقارنا احصائيات عبور السفن للقناة في الخمس سنوات الماضية بدءا من انهيار السوق العالمي 2008 نجد أن عدد السفن يقل من 17993 سفينة سنة 2010 إلي 17148 سفينة سنة 2014, وفي نفس الوقت الذي يقل فيه عدد السغن العابرة نجد فيه أن متوسط الحمولة للسفينة يزداد من 47 الف طن في سنة 2010 إلي 57 ألف طن ستة 2014. نستنتج من ذلك أن هناك توجه للأعتماد علي سفن أكبر وبالتلي التعميق مهم لاستعاب التوجه العالمي نحو استخدام السفن الأكبر ذات الغاطس الأعمق. وبذلك نجد أن قناتنا تستوعب أن يعبر منها 100% من السفن و 45% فقط من أنواع ناقلات البترول, والناقلات الأكبر لا يمكنها العبور. نستنتج من ذلك أن ما تم من تعميق بالقناة الهدف منه زيادة حصتنا من عبور ناقلات البترول.
الهدف قصير الأجل هو زيادة عدد ناقلات البترول ذات الفاطس 22 متر. وبالتالي يمكن حساب الجدوي الاقتصادية القصيرة الأجل كالتالي: حصتنا من ناقلات البترول العالمية وهي 8% من اجمالي النقل البحري العالمي أي أن ما نتمني أن يمر في القناة 330 سفينة وحيث أن جزء من هذه السفن غاطسه لا يتعدي 22 متر يسنطيع المرور في القناة ويمكن أن نفترض أن حصتنا 66 % من الـ 330 ناقلة بترول تكون حوالي 220 ناقلة بترول بمتوسط حمولة 250 ألف طن, وهذا سيؤدي لزيادة إجمالي صافي الحمولة السنوي تقريبا 36.5 مليون طن التي تمثل زيادة في اجمالي الحمولة السنوية تقريتا بـ 3.8 % ولو حولناهتا لنقود حسابا لمتوسط الرسوم ستمثل زيادة من 5.405 مليار دولار ألي 5.601 مليار دولار, أي 205 مليون دولار سنويا.
ستقلص التفريعة الجديدة فترة مرور السفن من 18 ساعة لأقل من 11 ساعة أي حوالي 7 ساعات . وبالمنطق السفينة التي تأتي للقناة من طوكبو مثلا توفر 330 الف ميل عن رأس الرجاء الصالح أي حوالي 10 أيام لو الناقلة تسير يدون توقف وبديهي أن الـ 7 ساعات زادت أو قلت لا تشكل عبئا.
الهدف المرجو من رفع عدد السفن العابرة من 49 سفينة يوميا حاليا إلي 97 سفينة يوميا عام 2023 نجد أن العامل المؤثر في زيادة عدد السفن المارة هو نمو حجم التجارة من وإلي أوروبا, وبدأ ذلك في الحدوث ولكن بنسبة نمو ضعيفة, وبهذا المعدل ممكن الوصول لعدد سفن تعبر القناة يوميا إلي 76 سغينة بوميا عام 2020 وفي أحسن الظروف ممكن نوصل لعدد السغن العابرة يوميا إلي 97 يوميا عام 2023 كما هو مستهدف.
الخلاصة أولا: أننا لن نستفيد فعليا من زيادة عدد السفن المارة بالقناة حاليا إلا بعد مرور خمس سنوات وهذا يتوقف علي حجم التجارة من وإلي أوروبا, هذا يعني أنه كان من الممكن تأجيل حفر التفريغة الجديدة خمس سنوات والاكتفاء بالتعميق والتوسيع والاستفادة بالملياراة التي انفقت عليها في أولويات عاجلة مثل مشاريع الطاقة أو الاستثمار في تنمية المحور اللوجستي الخدمي لقناة السويس.
ثانبا:المكسب الفعلي قصير الأجل من تعميق الممر الملاحي حتي يسمح بمرور عدد أكبر من ناقلات البترول العملاقة الذي سيزيد الإيراد بحوالي 4 % سنويا علي المدي القريب.
ثالثا:هذا لا يعني التقليل من الجهد الهندس الذي تمكن من الانتهاء من المشروع خلال سنة واحدة بدلا من ثلاث سنوات. وأنا مع فرحة الشعب مهما كان القصور, فالشعب عاني ما لم يعانيه بشر خلال السنوات الأريع الماضية ولم يعش يوما في فرحة عارمة شملت جميع طوائفه في الداخل والخارج كما فرح لهذا الإنجاز. ونحمد الله علي هذه الفرحة وستأتي باذن الله الكثير من الأفراح في المساقبل القريب.