الأقباط متحدون - البابا تواضروس وتحديات التحديث
أخر تحديث ١٣:٠٣ | الأحد ٢٣ اغسطس ٢٠١٥ | ١٧مسرى ١٧٣١ ش | العدد ٣٦٦١السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

البابا تواضروس وتحديات التحديث

البابا تواضروس
البابا تواضروس
كمال زاخر
يواجه البابا تواضروس تحديات وجد نفسه أمامها، بصفته لا بشخصه، فهى تحديات كانت ستواجه أى شخص يأتى إلى موقع البابا البطريرك فى هذه اللحظة، فالعالم يشهد تغيرات تقنية حادة ومتسارعة انتقلت به من أجواء ومعطيات وتشابكات الثورة الصناعية برتابتها وثوابتها التى تحكم علاقات عناصر الإنتاج وما أنتجته من توجهات سياسية تقليدية، إلى أجواء وقفزات ثورة المعلومات وتقنيات الاتصالات التى لا تتوقف والتى جعلت الزمن فى قلب معادلة الحياة اليومية، الأمر الذى أربك المؤسسات التقليدية العميقة والراديكالية، خاصة فى عالم الشرق المتباطئ والرتيب، والكنيسة واحدة منها بحكم التكوين والمراكمة.
 
وعلى المستوى المحلى الوطنى يأتى فى لحظة تشهد حراكاً مصرياً عنيفاً لم تنتهِ أمواجه بعد، رفع الغطاء عن واقع مهترئ، وربما نزع ورقة التوت التى كان يتستر بها المجتمع، فتفجرت حمم الفوضى وتداخلت المصالح وقفزت الصراعات الداخلية والإقليمية والدولية، لتصبح خبز يومنا، لتعمق الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والدينية المستعصية، وكان الأقباط رقماً حاضراً فى المعادلة وصار وجودهم محل استهداف من القوى الرجعية وتحملوا قدراً وافراً من فاتورة الارتباك، بين اختطاف الوطن واسترداده.
 
وعلى المستوى الكنسى كان التحدى مهيباً فهو يأتى على خلفية البابا شنودة الشخصية التاريخية، الذى احتل مكاناً أثيراً فى الوجدان الشعبوى القبطى والمصرى أيضاً، بعمق عقود طالت لنصف قرن، والذى خرج بالكنيسة من دوائرها التقليدية إلى اشتباكات السياسة والمجتمع والتوسع إلى أرجاء العالم لتمد مظلة رعايتها الروحية لبنيها الذين خرجوا إلى تلك البقاع وشكلوا تجمعات مصرية قبطية تتنامى وتحتاج لرعاية الكنيسة الأم، وامتدت معاركه بفعل التغيرات السياسية الحادة التى تبناها الرئيس السادات وقتها وعودة التيارات الإسلامية السياسية الراديكالية ومعها حلم الخلافة الأثير، واستهدافها للأقباط فى عدائها التقليدى لهم، وتتشابك وتتصاعد لتصل إلى مشهدها التراجيدى الذى انتهى باعتقال البابا شنودة واغتيال السادات، وعلى ضفافه تتكون مراكز قوى كنسية ترتب أوراقها فى سنيه الأخيرة لترث موقعه، فى غير توقع لأن يكون المقبل من خارج دائرتها، فيكون التحدى الكنسى مزدوجاً؛ المقارنات المستمرة بين البابا المقبل والبابا الظاهرة الراحل، وتكتل مراكز القوى التى ترى أن المقبل غير المتوقع، البابا تواضروس اختطف موقعاً كان لهم.
 
وفى أيامه الأولى يخطو خطوات مبشرة فى إعادة ترتيب البيت الكنسى من الداخل، ويعلن عن تطلعه لإعادة هيكلة منظومات الرهبنة والتعليم والإدارة، ويطرح رؤاه للتحديث، وهو مصطلح يبتعد به عن المصادمة التى تتربص بمصطلحى الإصلاح والتصحيح، ويعقد لقاءات متخصصة مع ذوى الشأن فى المحاور الثلاثة، لكن الرياح لا تأتى بما تشتهى السفن، إذ تتحرك آلات التعويق التى اصطنعتها مراكز القوى، فى استغلال لمعطيات اللحظة وضغوطها، وتطلق حملات تشكيك وربما تشويه عبر دوائر الفضاء الافتراضى عبر شبكات التواصل الاجتماعى وآليات الإعلام التى فقدت بوصلتها ومهنيتها، ومن خلال الكتائب الإلكترونية، بل تثير المتاعب فى لقاءات البابا المفتوحة لتضيق عليه، وتدفعه لتقليص هذه اللقاءات وهجرها، وتمارس ضغوطاً أجادتها فى مدرسة تعقب المختلفين معها حين كانوا فى دائرة السلطة واتخاذ القرار، وتطلق وابلاً من النيران على سعى التحديث الذى سينتقل بالكنيسة من نسق الفرد الذى استقر بامتداد قرون وتأكد فى نصف القرن الأخير إلى نسق المؤسسة الذى يعيد إحياء منهج الكنيسة الآبائى الذى يراها جسداً واحداً لا يحيا إلا بتكامل أعضائه، وحضورهم الفاعل، ربما يكون خيار الانحياز للشباب الواعد والنقى هو مخرج البابا الصحيح من حصار التحديات، وذلك من خلال التواصل المنظم معهم، وفتح باب الحوار الموضوعى وتبنى طاقاتهم الإيجابية فهم أكثر من نصف الحاضر وكل المستقبل، وقنوات التواصل متاحة ومتعددة، ليظل خيار التحديث هو الأولى بالرعاية ويستحق معاناة التحدى.

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter