الأقباط متحدون - على ماذا كان الاتفاق؟!
أخر تحديث ١٣:١٢ | الثلاثاء ٢٥ اغسطس ٢٠١٥ | ١٩مسرى ١٧٣١ ش | العدد ٣٦٦٣السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

على ماذا كان الاتفاق؟!

عبد المنعم سعيد
عبد المنعم سعيد
عبد المنعم سعيد
لم أسمع طوال حياتى رئيس مصر يتحدث عن «الاتفاق» الذى جرى بينه وبين المصريين إلا مؤخرا، عندما ذكر الرئيس عبدالفتاح السيسى تعبير «مش هو دا اللى اتفقنا عليه» فى أحد خطاباته المهمة. لم يكن الرئيس يخاطب الجمهور المباشر له، وإنما كان الخطاب موجها لكل المصريين، لا يستثنى منهم أحدا ولا يستبعد. وكان الموضوع فى معرض عتاب على الاحتجاجات التى قامت بها جماعات من المواطنين ضد قانون الخدمة المدنية، حيث كانت التذكرة ضرورية بالاتفاق أو ما يمكن اعتباره أول عقد سياسى واجتماعى يجرى فى مصر بين حاكمها والمحكومين فيها.
 
ويمكن فى سياق الحديث، وأحاديث أخرى سابقة وربما لاحقة أيضا، أن نفهم ما هو الاتفاق الذى نتحدث عنه. ولكن علينا أيضا قبل ذلك معرفة أن شرعية الاتفاق السياسية جاءت أولا مع «ثورة٣٠ يونيو ٢٠١٣»، وثانيا مع «تفويض» ٢٦ يوليو ٢٠١٣، أما الشرعية القانونية، فقد جاءت مع انتخاب الرئيس السيسى لرئاسة الجمهورية بأغلبية كاسحة بلغت ٩٦٪ من الأصوات فيما يشبه الإجماع. مصدر الاتفاق هنا هو ما طرحه الرئيس فى المناسبات المختلفة منذ عزل الرئيس محمد مرسى فى ٣ يوليو ٢٠١٣، وعبر الحملة الانتخابية حتى الآن.
 
أركان الاتفاق أربعة: أولها أن آمال الحاكم والمحكوم فى مصر هى أن ترتفع فى مراتب العلا بين الأمم فتكون «أم الدنيا، قد الدنيا». وثانيها أن الحالة الحالية لمصر بعد ستة عقود من ثورة ١٩٥٢، وأربع سنوات من الثورات، فإن مصر التى كانت تعانى من أمراض قديمة، قد أصابها الهزال وتراجع المناعة مع الأحوال الجديدة. وثالثها أنه لابد من العمل الشاق والتضحيات الكبرى إذا أردنا العبور من الواقع الصعب إلى الأهداف التى نريدها وهى نجوم مضيئة فى السماوات السبع. ورابعها أن عبور المستحيل ممكن من خلال القوة الدافعة للوطنية المصرية المنبثقة من حب عميق لمصر يختلط فيها التاريخ بالرومانسية (لاحظ العبارات الذائعة: تحيا مصر، فى حب مصر، صحوة مصر، ومصر بلدى، وهكذا أقوال). هذه الأركان الأربعة على ما فيها من وضوح ربما تصلح أن تكون ديباجة لأول اتفاق سياسى، أو عقد اجتماعى، مباشر بين رئيس الدولة والمواطنين، ولكن كما أن لكل اتفاق أو عقد ديباجة توضح أركانه والمبادئ التى يستند إليها فإن فيه الكثير من التفاصيل التى توضح حقوق والتزامات كل طرف. فما يقال إن الشيطان يكمن فى التفاصيل ليس صحيحا فى كل الأحوال، فأحيانا تحل الملائكة بنورها لكى تبارك وتوضح، فالاتفاق أو العقد السياسى يختلف عن الدستور الذى يجرى فيه تنظيم العلاقات كلها فى الدولة بين السلطات المختلفة وبينها وبين الشعب. وما نتحدث عنه هو العقد بين الحاكم والمحكوم الذى ينظمه الدستور من ناحية، ولكن العقد السياسى الذى يتضمن فكر الرئيس والمسار الذى يسير عليه، وباختصار ما جرى انتخابه على أساسه، هو الذى ينظم من ناحية أخرى العلاقة.
 
هنا فإن الأمر يبدو أكثر تعقيدا مما يبدو منذ الوهلة الأولى، فلن يختلف أحد من المصريين على الأركان الأربعة المشار إليها، ولكن جماعة الضرائب والجمارك كانت لها وجهات نظر أخرى، وهى ببساطة أن تحقيق ما نريد فى الديباجة سوف يحتاج الكثير من الموارد المالية، ومن ثم فإن من يجلبها من حقه أن يكون له مميزات فى قانون الخدمة المدنية تحفزه وتدفعه لجلب المزيد. هنا نصطدم فورا بالسؤال: كيف نحقق المساواة بين غير المتساوين؟ أرجو ألا يغضب أحد، فكل البشر، من حيث هم بشر، متساوون أمام القانون وأمام الله- سبحانه وتعالى- يوم الحشر العظيم، ولكن الحقيقة فى الحياة فإن ذات هؤلاء البشر يختلفون من حيث الذكاء والموهبة والتعليم والاجتهاد والعمل والدور الذى يقومون به فى المجتمع. ولكن ورغم معرفتنا بهذه الحقائق فإن التوجه العام هو فرض «المساواة» على المجتمع كله بما جاء فى القانون الذى يضع الحد الأدنى للأجور، والأهم الحد الأقصى لها، وبين هذا وذاك فُرضت قيود كثيرة على مكافأة المجتهد وعقاب المتواكل.
 
هذه إشكالية لم يرد لها «بند» فى العقد، وفى الحقيقة فإن المتظاهرين كانوا يحملون صور الرئيس السيسى على عتبات نقابة الصحفيين التى حذر نقيبها الدولة مؤخرا من كارثة قادمة من قبل الجماعة الصحفية نتيجة سوء الأحوال. كان رفع الصور من ناحية تعبيرا عن الحب والتأييد، ومن ناحية أخرى محاولة لتعديل «العقد» الذى اتفق عليه الرئيس مع الشعب، وهو أن يضحى الجميع من أجل مصر.
 
وفى السياسة، فإنها لا تصير كذلك إلا ضمن عقد أو اتفاق سياسى على إدارة الدولة سلميا، ولكن الاتفاق والعقد أيضا يكون عرضة لأشكال مختلفة من الضغط من أجل وضع تفاصيله. فالعمال عادة يُضربون عن العمل للحصول على أجور أعلى، والموظفون يحتجون حتى يحصلوا على امتيازات أكثر، والرأسماليون يُضربون أيضا بالتوقف عن الاستثمار كما جرى مؤخرا عندما اتجهت البورصة نحو الانهيار حتى فقدت ٣٧ مليار جنيه فى الأسبوع الماضى وحده أى ما يزيد على نصف الرأسمال الإجمالى لمشروع قناة السويس الجديدة البالغ ٦٤ مليارا. انظر ما فعله مجلس إدارة النادى الأهلى بإعلان مقاطعة كل أنشطة اتحاد الكرة والانسحاب من كل بطولاته بسبب قضية اللاعب أحمد الشيخ، وأضاف المجلس اللجوء لكل الطرق المشروعة والقانونية داخليا وخارجيا (لاحظ خارجيا هذه)، للحفاظ على حقوق النادى الأهلى ضد قرارات اتحاد الكرة المنحازة، التى تسببت فى حالة احتقان (الاحتقان هنا تعبير سياسى وعندما يرتبط بالشارع فإنه يذكرنا بما جرى من احتقانات فى أيامنا القريبة) فى الشارع الكروى.
 
اتفاقنا على الأركان الأربعة للاتفاق أو العقد بين الرئيس والشعب لم يغن عن قيام كل جماعة بإعادة تعريف مصالح الوطن من خلال مصالحها الخاصة، التى تراها الجوهر الحقيقى لما اتفقنا عليه، وعلى الأقل إذا لم تزد هذه المصالح فإنه لن يجرى الإضرار بها، خاصة ما تعلق بالحوافز والمحسنات. هنا تحديدا يوجد دور الرئيس والسياسات التى يتبعها، وبصراحة فإن أركان الاتفاق تحتاج كثيرا من التفاصيل، والتكرار الذى يعلم الشطار، خاصة عن الحالة التى وصلت إليها أحوالنا الاقتصادية والاجتماعية مع الزيادة السكانية (٢.٦ مليون سنويا)، وعلى ضوء ما نريد تحقيقه.
 
فالشعب الذى هو طرف الاتفاق والعقد الآخر يشعر بنوع من التناقض عند الحديث عن العجز الكبير فى الموازنة العامة (أى أن الإنفاق يزيد على الموارد) وفى نفس الوقت فإن هناك العشرات من المشروعات التى تنطلق، وتخبو أحيانا، لكنها تتواجد فى الفضاء العام دون أن نعرف أبدا كيف سيتم تمويلها، أو حتى من أين سنوفر المياه لها إذا كانت مشروعات زراعية، وتختلط الأولويات طوال الوقت، فنحن لا نعرف هل نحن نحتاج فعلا إلى عاصمة جديدة تبنيها الدولة وليس «العبار» أو «صبور» كما ذكر د. مصطفى مدبولى، وزير الإسكان، فى حديثه لـ«المصرى اليوم» الخميس الماضى؟ العقد يحتاج مزيدا من التفاصيل، ودرجات أعلى بكثير من الشفافية، والأهم من كل ذلك «تربيط» كل تلك الأمور والمشروعات والتوجهات التى نتحدث عنها فى منظومة واحدة، وفى اتفاق وعقد واحد.
 
نقلا عن المصرى اليوم

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع