بقلم - د. نادر نور الدين
طلب وزير التموين السابق الدكتور محمد أبوشادى من الدولة ضم الشركة القابضة للصناعات الغذائية التابعة لوزارة الاستثمار، والتى تضم 23 شركة رئيسية وضعفها من الشركات الفرعية إلى وزارة التموين حتى تكون يد للدولة فى ضبط أسواق السلع الغذائية وأسعارها ولتكون فى خدمة محدودى الدخل. تضم هذه الشركات المجمعات التعاونية، وشركات المطاحن ومضارب الأرز وشركات إنتاج المعلبات والعصائر وصلصة الطماطم والألبان والزيوت والصابون والسكر والعديد من الشركات القريبة من المستهلك، وكانت جميعها شركات قابضة هادفة للربح وبالتالى لم تكن هناك تسعيرة جبرية ملزمة لهذه الشركات ولكن كان المطلوب منها كشركات حكومية أن تكون أسعارها فى متناول الجميع، وأن تكون قريبة من الفقراء ومن محدودى الدخل وأن تراعى الجودة فى الإنتاج وبالتالى كان أغلبها من الشركات قليلة الربحية أو الشركات غير الخاسرة، لأن دورها فى حوكمة الأسعار فى أسواق الغذاء مهم ومقدر ويقوم بدور اجتماعى بالغ الأهمية. مما تقدم يكون مفهوماً من فكرة ضم شركات القابضة للصناعات الغذائية لوزارة التموين هو تعظيم وتعميق دورها الاجتماعى فى رعاية الفقراء وأن تكون ذراع الدولة فى حوكمة الأسواق ومنع تغول التجار، ولم يكن الهدف أبداً إصلاح أحوالها الاقتصادية ولا إعادة هيكلتها ولا تحويلها إلى شركات عالية الربحية ولا مساواة أسعار منتجاتها بأسعار منتجات القطاع الخاص لأن وزارة التموين فى الأصل وزارة خدمية وليست وزارة اقتصادية ولو كان الأمر يتطلب إعادة هيكلة وزيادة ربحية لقامت بذلك وزارة الاستثمار بخبرائها الأكثر تخصصاً من خبراء وزارة التموين.
بعد عدة اجتماعات للوزير مع مسئولى هذه الشركات وحتى فور انتقال الشركات إلى إشراف وزارة التموين وفى خلال الشهر الأول وبعد أن قام بتعيين أعوانه وأقربائه وسكرتاريته فى مجالس إدارات هذه الشركات وأصبحنا نرى شباباً خريجى كليات نظرية وبلا سابق خبرة ولكنهم يترأسون رجالات الصنعة والخبرة فى الصوامع والمضارب وبمرتبات لا تتناسب أبدا مع مبتدئ ولكن الواسطة مازالت فوق القانون وما فعله وزير التموين الحالى يفوق مافعله سابقه الأسبق فى أخونة الوزارة. ثم جاء الدور الذى يتماثل مع الفكر السطحى أو الفكر التآمرى وهو مضاعفة أسعار منتجات جميع الشركات القابضة للصناعات الغذائية وبذلك تختفى الفروقات السعرية بين المنتج الحكومى وبين منتج القطاع الخاص وتفقد الدولة دورها فى السيطرة على الأسعار عبر مصانعها الحكومية وبدلاً من أن يكون الفكر فى الشركات الحكومية التابعة للدولة هو دخول القطاع الخاص فى منافسة مع أسعار الدولة بالتخفيض لصالح المستهلك أو على الأقل منع الشطوحات والمبالغة السعرية فى أسعار البيع أصبح فكر وزير التموين هو دخول الشركات الحكومية فى منافسة مع شركات التجار وتساوى أسعارها معهم ظناً منه أن هذا يزيد أرباح هذه الشركات ومتناسياً أنه وزير للفقراء أساساً.
وبالتالى فهمومه هى خفض الأسعار دورياً وليس رفع الأسعار ومساواة أسعار منتجات القطاع العام بالقطاع الخاص بل إجبار القطاع الخاص على تخفيض أسعاره إلى مستويات أسعار مصانع الدولة. فمصانع الدولة وأسعارها كانت تسبب صداعات دائماً للتجار لتناسبها مع مستويات محدودى الدخل والفقراء وبالتالى كان لابد لوزير التموين الحالى أن تكون مهمته أن يخلصهم من هذا الصداع برفع أسعار منتجات قطاع الأعمال العام حتى لا يتهمهم أحد بالجشع، لأنهم أصبحوا يبيعون بأسعار مشابهة لأسعار المصانع الحكومية وبالتالى يحسم الأمر تماماً لصالح التجار وفى الوقت يدخل الأمر بسهولة تامة على مسئولى الدولة بأن رفع الأسعار سوف يضاعف أرباح المصانع الحكومية فيسيل لعابهم لهذا الأمر الكاذب متغافلين تبعيتها لوزارة خدمية وليس اقتصادية وأن رفع الأسعار سيقلل المبيعات وغير مدركين لفكر الوزير وتجاره بالقضاء على المنافسة تماماً بين منتجات الدولة ومنتجات القطاع الخاص والمحسومة لصالح القطاع الخاص والتجار. دعونا نوضح الأمر أنه فى حال تساوى أسعار برطمان الصلصة مثلاً ماركة أدفينا أو قها مع مثيله من منتجات القطاع الخاص وبعضها لشركات عالمية لها فروعها فى مصر فإن الأمر سيكون محسوماً لصالح اتجاه المستهلك لمنتج القطاع الخاص لأن الميزة النسبية لمنتج المصانع الحكومية بانخفاض أسعاره انتهت وينتهى معها وجود هذه المصانع وبعدها سرعان ماتعرض للبيع للقطاع الخاص وبذلك يحكم التجار قبضتهم على أسواق السلع الغذائية بالكامل ويكون ضم شركات القابضة للصناعات الغذائية لوزارة التموين وبالاً على الدولة والفقراء. طرح أسهم الشركة القابضة فى البورصة خطأ قانونى فادح، لأن ملكيتها مازالت لوزارة الاستثمار وأن نقل تبعيتها للتموين كإشراف فقط وبالتالى وزارة الاستثمار فقط من لها الحق فى طرحها فى البورصة.
■ كلية الزراعة جامعة القاهرة