قبل 4 سنوات من الآن، كانت كل منهما تحاول أن تجد موقعاً من جديد بين قوى العالم التى تتناحر لتُبرز قوتها، فوجدتا فى ثورات الربيع العربى بشكل عام وفى الأزمة السورية بشكل خاص فرصة جديدة لإعادة الظهور، ففى هذا الوقت كانت روسيا وإيران من الدول «المُهمشة»، بحسب ما وصفهما الكثير من الخبراء العالميين.. إيران كانت لا تزال تُعانى من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من الدول الكبرى فى العالم بسبب برنامجها النووى. أما روسيا، فكانت تحاول النهوض بالدولة مرة أخرى وإعادتها إلى مكانتها كإحدى الدول الكبرى فى العالم مثلما كانت قبل تفكك الاتحاد السوفيتى. ومع تطورات الأزمة السورية على مدار السنين الأربع الماضية، تطور دور كل من روسيا وإيران فيها أيضاً، وبدأت تدريجياً تتحول من دول «مُهمشة» إلى دول ذات رأى فعال.وفى الوقت الذى تكاتفت فيه كل دول العالم ضد نظام الرئيس السورى بشار الأسد وضد الفظائع التى يرتكبها جيشه، أكدت الحكومة الروسية دعمها الكامل لنظام «الأسد» ضد ما سمته «الحرب الأهلية السورية»، وظل الرئيس الروسى فلاديمير بوتين يؤكد أن «الأسد باق فى منصبه»، ولم يتوقف الدعم الروسى لنظام «الأسد» على التصريحات فقط، بل أيضاً سعت الحكومة الروسية إلى إمداد «الأسد» بالمساعدات اللازمة. وأوضحت صحيفة «ذا موسكو تايمز» فى تقرير لها عن العلاقات «الروسية السورية» أن «بوتين يدعم الأسد بكل قوة، وروسيا تعمل على دعم سوريا سياسياً واقتصادياً وعسكرياً». ومن أشكال الدعم الروسى للحكومة السورية، محاولة عقد مؤتمرات صلح مع الجماعات السورية المعارضة للتوصل إلى حل يُنهى الصراع الدائر منذ 4 سنوات، لكن بشرط أن يكون هذا الحل موجود به الرئيس السورى بشار الأسد.ومنذ عامين، وتحديداً فى ذكرى أحداث 11 سبتمبر 2013، كتب الرئيس الروسى فلاديمير بوتين رسالة إلى الشعب الأمريكى حول سوريا، وقال فى الرسالة -التى نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز»- أن «الولايات المتحدة تستعد لتوجيه ضربة إلى حليفتنا سوريا وهو ما يتناقض مع قرارات مجلس الأمن، لأن غالبية الأعضاء غير موافقين على ذلك»، مضيفاً «من شأن هذه الضربات الأمريكية أن تؤدى إلى انتشار العنف خارج الحدود السورية وزعزعة استقرار الشرق الأوسط». وأكد «بوتين» أن «سوريا لا تشهد معركة من أجل الديمقراطية، بل هو نزاع مسلح بين الحكومة والمعارضة». وأضاف «بوتين» فى رسالته مدافعاً عن نظام «الأسد»: «لا أحد يشك فى أن الغاز السام قد استُخدم فى سوريا، ولكن الكل يدعو للاعتقاد أنه كان يستخدم من قِبل الجيش السورى، ولكننى أرى أنه يُستخدم من قِبل المعارضة لإثارة تدخل الدول الأجنبية».وحلل موقع «بى بى سى» الأمريكى، فى تقرير له، السر وراء دعم موسكو للنظام السورى القائم والرئيس السورى بشار الأسد، وذهب بعض الخبراء الاستراتيجيين والدبلوماسيين فى التقرير إلى أن السبب الحقيقى وراء الدعم الروسى لحكومة «الأسد» هو المحافظة على ميناء «طرطوس» السورى، مؤكدين أنه «السبب الحقيقى لعدم تخلى روسيا عن حليفها بشار الأسد». وقال رسلان علييف، رئيس قسم المعلومات فى مركز الاتصال لتحليل الاستراتيجيات والتكنولوجيات (CAST) فى موسكو، إن «طرطوس ليست قاعدة بحرية حقيقية».
وأكد «علييف»: «أنها مجرد مكان رمزى بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، فهو يُعد بمثابة موطئ القدم الوحيد لروسيا فى البحر المتوسط».أما إيران، فكونها كانت من الدول التى وُقعت عليها الكثير من العقوبات الاقتصادية بسبب برنامجها النووى فلم يكن لها دور فى الكثير من القضايا الدولية، لكن وعلى الرغم من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها وتجميد الكثير من أموالها فى الدول الأوروبية، لم تقف الحكومة الإيرانية موقف «المشاهد» من الأزمة السورية، وأكدت شبكة «سى إن إن» الأمريكية، أن «الدعم الإيرانى لسوريا كونها تُعد أكبر دولة شيعية فى المنطقة، ولرغبة إيران فى تكوين تحالف شيعى فى مقابل التحالف السنى الذى تقوده المملكة العربية السعودية فى المنطقة». ومع إعادة فتح باب المفاوضات مرة أخرى بين إيران والدول الست الكبرى، حاولت إيران أن تجد لنفسها موطئ قدم فى الأزمة السورية، وعلى الرغم من الاتهامات التى كانت توجه للحكومة الإيرانية خلال السنوات الماضية بدعمها عسكرياً لقوات «الأسد»، فإن أياً من ذلك لم يؤثر على المفاوضات النووية. وعلى العكس فبعد أيام من توقيع الاتفاق النووى الإيرانى بدأت إيران فى الدعوة إلى سرعة إجراء مصالحة بين المعارضة السورية ونظام «الأسد»، فيما انتقد خبراء أمريكيون الاتفاق النووى، مؤكدين لصحيفة «وول ستريت جورنال» أنه يسمح بالإفراج عن الأموال الإيرانية المُحتجزة، ما يساعدها على تقديم دعم مالى أكبر لنظام «الأسد». وأكدت صحيفة «هافنجتون بوست» الأمريكية أن «آفاق حل سياسى للأزمة السورية بدأت فى الظهور الآن بشكل قوى».