بقلم منير بشاى
الاقليات بحكم ضعفها العددى، وعجزها عن الدفاع عن نفسها، كثيرا ما تعانى الاضطهاد من فصائل اخرى فى المجتمع تفوقها عددا وقوة. ولكن عندما ترى الغالبية هذا يحدث امامها، ثم تؤثر الصمت، فان صمتها يجعلها شريكا متضامنا فى الجريمة مع من حمل السلاح وصوبه ناحية الهدف وضغط على الزناد وقتل ودمّر.
الصمت على ما يحدث من اعمال داعش هو اكبر جريمة معاصرة نشاهدها تحدث امام عيوننا. ما تفعله داعش متوقع لانه يتمشى مع مبادئهم، ولكن اين من لا يؤمنون بهذا او هكذا يقولون؟ اين من يعتبرون انفسهم متحضرون مسالمون؟ اين الذين يحبون العدل ويرفضون البلطجة ويزعجهم سفك دماء الابرياء؟ هل تبخروا كلهم تماما فى لحظة من الزمن؟
قيل ان قوات داعش التى فتحت الموصل كانت لا تزيد عن 20 الف مقاتل. ولكن هذه عندما تمكّنت من المدينة ارتكبت البشاعات فى حق الاقليات الدينية والعرقية الموجودة فى المدينة وبالذات المسيحيين والازيديين. ولكن السؤال اين ذهب 2 مليون مسلم كانوا يعيشون فى الموصل مع هذه الاقليات جنبا الى جنب كزملاء فى العمل وكجيران فى المسكن وكشركاء فى الوطن الواحد؟ هل اعترضوا عن ما يحدث؟ هل حاولوا انقاذ الضحايا؟ ام هل حب البقاء دفعهم او دفع بعضهم الى ان ينضموا الى المعتدين ضد اخوتهم؟
دعنا نتأمل فى بعض العينات من هذه الغالبية الصامتة:
1- المعتدلون
ولا اشك فى ان هؤلاء يمثلون الغالبية العظمى من المسلمين. وهم مسالمون لا يؤمنون بالعنف ويفضلون ان يتعايشوا مع غيرهم فى محبة وسلام ولكن التيار كان اقوى من مقدرتهم على المقاومة. وربما خوفهم على انفسهم وعلى اولادهم جعلهم لا يعترضون على ما يرون من اعمال العنف التى تقوم بها داعش ضد المسيحيين وان كانوا لا يؤيدونها.
2- المتلونون
وهم من لا يحملون من الدين سوى الاسم. ان جاء للحكم من هو معتدل تظاهروا بالاعتدال وان جاءت للحكم منظمة مثل داعش تحولوا الى داعشيين اكثر من داعش. هؤلاء يجيدوا اللعب على كل الاوتار والاكل على جميع الموائد وارضاء جميع الاذواق. وقيل ان هؤلاء انضموا الى داعش بعد استيلائهم على الحكم محاولين اقناع المسيحيين فى الموصل باعلان اسلامهم حتى ينجوا من الموت.
3- المتشددون
وهى جماعة اعتقد انها قليلة العدد نسبيا ولكنها تتزايد وهى لا تختلف عن داعش فى مبادئهم و فكرهم. ولكن ربما لم يكونوا يجرأون على ارتكاب اعمال العنف بالطريقة الدموية التى ارتكبتها داعش. هؤلاء ربما يعتقدون ان غير المسلم كافر يجب قتله ولكنهم ليس لديهم الجرأة على تنفيذ القتل بينما لا يضيرهم ان جاء القتل عن طريق من لديه الجرأة على التنفيذ.
ما يهمنا من كل هؤلاء هى الجماعة الاولى المسالمة لأنها الغالبية العظمى ولانها هى التى تفضل السلام على العنف. ومع فهمنا للظروف التى تضطرهم لأخذ موقف من يرى ويصمت. ولكن هؤلاء مع غيرهم من نفس الفصيل الذى يعيش فى بلاد العالم كله عليهم مسئولية أدبية ان يعترضوا على الظلم الذى يحدث امامهم ويعملوا ما بطاقتهم لمساعدة هؤلاء الضحايا. على هؤلاء مطالبة من يستطيعوا مواجهة الارهابيين بالاضطلاع بمسئوليتهم نحو ايقاف المذابح التى تحدث يوميا ضد الابرياء.
لا يمكن السكوت على ذبح الناس كما تذبح الانعام. لا يجب ان نصمت امام قتل عالم شيخ طوّر آثار بلده فى سوريا فيقتلوه ويعلقوا جثته على عامود نور ويدمروا فى لحظة ما قام بعمله فى سنوات. لا نستطيع ان نصمت على من يذبح الطفل امام امه. ولا يمكن ان نقف مكتوفى الايدى على من يستخدمون الرضيع كقنبلة يفجرونها فى الغير. وكيف نسكت على من يستخدمون النساء كالجوارى تباع وتشترى فى سوق النخاسة؟
العالم كله امام مسئولية لوقف هذه البشاعات. الدول العظمى لا يمكن ان تدّعى العظمة وهى بسكوتها تعلن هزيمتها من جماعة لا تزيد عن عصابة. صحيح ان هذه العصابة قادرة بما لديها من سلاح ان تحدث خسائر فى الارواح ضد من يحاربهم ولكن ما هو البديل؟ هذه جرائم ضد الانسانية والانسانية كلها مسئولة عن مقاومتها وهزيمتها.
ولكن المسئولية الأكبر تقع على العالم العربى والاسلامى. ان كانوا يعتقدون ان اعمال هذه الجماعات لا صلة لها بالاسلام فعليهم محاربتهم باسم الاسلام لتبرئة الاسلام من ان يوصم بهذه الاعمال. إلقاء المسئولية على الغير لن يفيدنا بشىء. الادعاء ان داعش وغيرهم من الارهابيين هم صناعة غربية (كلام فارغ). داعش فكر اصولى نبع من عندنا وجنود داعش خرجوا من عندنا ليهددوا منطقتنا اولا وبعدها العالم كله. فلا يوجد من هو آمن من هذا الشر.
ان كنا ننزعج من ما قام به هتلر عندما أباد ملايين اليهود. ان كنا ندين هذا العمل، ومن واجبنا ان ندينه. ولكن بسكوتنا على ما تفعله داعش فنحن نكرر ما حدث، ونثبت اننا لم نتعلم درس التاريخ. الفارق ان الجانى فى هذه المرة عربى والضحايا عرب والخراب عالمى. ومع ذلك فالعالم يتصرف وكأن الامر لا يعنيه، وهو بذلك يستحق بجدارة ادانة التاريخ.
Mounir.bishay@sbcglobal.net