الأقباط متحدون - مناقشة هادئة مع دعاة حكومة الطوارئ
أخر تحديث ٠٠:٣٠ | الاربعاء ٢ سبتمبر ٢٠١٥ | ٢٧مسرى ١٧٣١ ش | العدد ٣٦٧١السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

مناقشة هادئة مع دعاة حكومة الطوارئ

د.عبدالخالق حسين
منذ انطلاقة التظاهرات الشعبية الأخيرة في بغداد، ومحافظات الوسط والجنوب ضد الفساد ونقص الخدمات، وتجاوب المرجعية الدينية معها، ومطالبتها للحكومة بالإصلاح السياسي والإداري،

واستجابة رئيس مجلس الوزراء الدكتور حيدر العبادي لهذه النداءات بإصداره حزمة من الاصلاحات، وتصويت البرلمان عليها، رحنا نقرأ مقالات وبيانات وتصريحات من كتاب وسياسيين لا نشك في إخلاصهم للوطن، وحرصهم على إنجاح العملية السياسية، يحاولون الانتقاص من هذه الإصلاحات، ويطالبون بدلاً عنها، اتخاذ إجراءات جذرية وثورية لمواجهة الفساد، من بينها: حل البرلمان والحكومة ومجالس المحافظات وإلغاء الدستور، وإعلان حكومة طوارئ...الخ. بحجة أن البرلمان فاشل، والنواب هم سبب الفساد، متعكزين على مقولات مأثورة مثل: (فاقد الشيء لا يعطيه)، إلى آخره من المقولات التي يمكن أن يستخدمها أي شخص ضد أي كان، فهذه المقولات حمالة أوجه.

فهل هذه المطالبات صحيحة وقابلة للتنفيذ؟
من المؤسف القول أن العديد من هذه المطالبات، مثل (حل البرلمان والحكومة وإلغاء الدستور)، كانت ضمن شعارات الاعتصامات سيئة الصيت التي كان يقودها البعثيون الدواعش في ساحات المناطق الغربية... إضافة إلى مطالباتهم الأخرى مثل إلغاء قانون مكافحة الإرهاب، وإطلاق السجناء المحكومين بالإرهاب...الخ. ولكن أن تصدر هذه المطالبات من كتاب وسياسيين لا نشك بوطنيتهم وحرصهم على مصلحة الشعب، فهو أمر يثير الاستغراب، ويبدو أنهم نتيجة حرصهم الشديد على الاصلاحات الجذرية والثورية السريعة، وقعوا في الفخ الذي نصبه لهم قادة الاعتصامات. إذ كما تفيد الحكمة: (الطريق إلى جهنم معبد بالنوايا الحسنة).  

لذلك نود مناقشة هؤلاء الأخوة بهدوء، ونرجو منهم أن تتسع صدورهم لها، فالاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.
أولاً، إن أقل ما يقال عن هذه المطالبات، هي على الضد من النظام الديمقراطي، و لا يمكن تنفيذها إلا في الأنظمة الدكتاتورية التي تأسست بانقلابات عسكرية. وعهد الانقلابات قد ولىّ ولا يمكن أن يعود، لا الآن، ولا في المستقبل المنظور.
ثانياً، أن التدهور الذي يعيشه العراق من إرهاب وفساد وصراعات بين القوى السياسية، ومكونات الشعب الأثنية والدينية، هو نتاج عوامل تاريخية عديدة. فوضع العراق الهش لا يتحمل المزيد من التدهور، حيث ثلث مساحته محتل من قبل عصابات داعش الإرهابية، إضافة إلى كونه مهدد من قبل دول الجوار، وأمريكا، الدول التي أسست داعش واتخذت منها أداة لتنفيذ أجندتها، وتدخلها في الشأن العراقي ودول المنطقة.
ثالثاً، قد يشبِّه البعض الحالة العراقية بما حصل في مصر من انتفاضة شعبية ضد حكومة الأخوان المسلمين برئاسة الدكتور محمد مرسي، الانتفاضة التي تكللت باستجابة الجيش بقيادة المشير عبدالفتاح السيسي، وإسقاط حكومة مرسي، وتشكيل حكومة الطوارئ ومن ثم إجراء انتخابات الرئاسية والبرلمانية والتي فاز بها المشير السيسي وأنصاره. وأنا من الذين رحبوا بهذه الاجراءات.
ولكن الحالة العراقية تختلف كلياً عن الحالة المصرية، ولذلك لا يمكن استنساخ التجربة المصرية في العراق كما حاول بعض الشيوعيين (الكفاح المسلح) في الستينات من القرن الماضي، استنساخ التشيفارية والثورة الكوبية في أهوار الجنوب والتي انتهت بكارثة، فلكل بلاد ظروفها وحلولها الخاصة لمشاكلها. 

رابعاً، والسؤال المهم هنا هو: من هو المخول بحل البرلمان والحكومة وإلغاء الدستور؟
فالبرلمان منتخب من الشعب ولأربع سنوات، وهو أعلى سلطة شرعية لتقرير مصير البلاد وإضفاء الشرعية على الحكومة ومهما كان نوعها. فلو أعيدت الانتخابات اليوم لفازت نفس الكتل السياسية، لأن الناس لا ينتخبون المرشحين الأفراد المستقلين ومهما كانوا يتمتعون بالنزاهة والكفاءة والإخلاص وحسن السيرة، والسمعة الحسنة، بل ينتخبون مرشحي الكيانات السياسية ذات برامج سياسية، والتي غالباً تمثل هوياتهم وانتماءاتهم الأثنية والدينية والمناطقية. وهذا متبع في جميع الدول الديمقراطية، العريقة وغير العريقة. فالذين يرفعون الشعارات التسقيطية ضد أعضاء البرلمان، ومنها شعارات بذيئة رفعها نفر قليل في ساحة التحرير ببغداد، لا يمكن أن أذكرها لأنها تخدش الحياء. ولا أشك أن وراء رفع هذه اللافتات البذيئة مندسون من البعثيين الدواعش الذين يستغلون هذه المظاهرات الشعبية و تجييرها لمصالحهم، وتحريفها عن أهدافها المشروعة، وإغراق البلاد في فوضى عارمة يستفيد منها فلول البعث ودواعشهم.

خامساً، وبغض النظر عن موقفنا من بعض البرلمانيين، شئنا أم أبينا، فالنواب ينتمون إلى مختلف الكتل السياسية ويمثلون مكونات شعبنا، وهم منتخبون من قبل الشعب العراقي. ومع احترامنا للتظاهرات الشعبية السلمية المشروعة وتأييدنا لها، إلا إننا نؤكد أن مصدر الشرعية هو صناديق الاقتراع، وليس الشعارات التي ترفع في التظاهرات. أما الذين يكيلون الشتائم البذيئة ضد أعضاء البرلمان وبدون تمييز، فهم يشتمون الشعب الذي انتخبهم، لأن النواب هم إفرازات الشعب، فيريدون بالتعميم، حرق الأخضر بسعر اليابس ودون أي تمييز بين الطيب والخبيث. وليس من حق أي شخص أن يدعي بأنه ينطق باسم الشعب ما لم يكن منتخباً منه، وإلا سادت الفوضى.

سادساً، يطالب السادة الأفاضل، بعد حل البرلمان والحكومة وإلغاء الدستور، بتشكيل حكومة طوارئ مؤلفة من "التكنوقراط النزيهين المستقلين" من خارج هذه الأحزاب "الفاسدة". هذا الطلب هو الآخر خيالي ومثالي لا يمكن تطبيقه على أرض الواقع، لأن ليس هناك من هو المخول، والعليم الفهيم بخفايا النفوس لاختيار هؤلاء "الملائكة"؟ ومن هو الحكيم العادل الذي يستطيع أن يحدد لنا النزيه من الفاسد ما لم يسلمه المسؤولية؟ فهذه الأحكام ذاتية (subjective)، فمن أراه نزيهاً قد يراه غيري فاسداً، وحتى لو اتفقنا على نزاهة فلان وعلان وهو خارج السلطة، قد يصبح فاسداً عندما تتوفر له الفرصة وهو في السلطة، وخاصة في حكومة طوارئ، حيث لا برلمان يراقب، ولا صحافة حرة تنتقد. فأغلب الوزراء الذين سرقوا أموال الشعب وهربوا بمنهوباتهم إلى الخارج، كانوا أيام المعارضة لا يشك أحد بسلوكهم، وأغلبهم كانوا من التكنوقراط المستقلين. فكما قال فولتير: "إذا تريد أن تعرف حقيقة الانسان أعطه سلطة ومال". وقال لورد أكتون: "السلطة تفسد، والسلطة المطلقة تفسد إفساداً مطلقاً". وما يؤكد ذلك أن أغلب الذين ترأسوا لجان النزاهة ومحاكمها في العراق فروا بعد فترة إلى الخارج من وجه العدالة لأنهم مطالَبون من القضاء بتهم الفساد.

و من كل ما تقدم، نستنتج أن الدعوة بحل البرلمان والحكومة وإعلان حكومة الطوارئ من "الأخيار التكنوقراط المستقلين الشرفاء النزيهين"، كلام مثالي لا يختلف عن المواعظ التي يصبها خطباء المساجد على رؤوس المسلمين لمئات السنين، ولو كان هناك تأثير عملي على سلوك البشر من هذه الخطابات المثالية والتمنيات الرغبوية، لكان المسلمون الآن ملائكة. ولكن رغم ذلك، فأعلى نسبة الفساد الظلم في العالم هي في بلاد المسلمين، بدليل أن المسلمين اليوم يشكلون أكبر خطر على البشرية بسبب إرهابهم المدمر، ويشكلون أعلى نسبة من الذين يفرون من بلدانهم ويجازفون بحياتهم بالغرق من أجل العيش في بلاد "الكفار" بشيء من الكرامة.
يقول المتنبي: والظلم من شيم النفوس فإن تجد...  ذا عفة فلعلة لا يظلم

ورغم مرور 12 سنة على ولادة الديمقراطية في العراق، فإنها مازالت حديثة وفي بدايتها، ويحاول أعداءها إجهاضها. فالديمقراطية تحمل معها أدوات تصحيح أخطائها ومسارها. لذلك لا يمكن للدكتور حيدر العبادي أن يتنصل من حزبه ويعلن حكومة الطوارئ كما يطالبه البعض بحجة أن الشعب معه. ولنا درس في التاريخ القريب، إذ كان الزعيم عبدالكريم قاسم يتمتع بأوسع شعبية في التاريخ، ومع ذلك أطاحت به شلة ضالة من العسكريين الذين أدخلوا العراق في نفق مظلم لحد الآن.
لذلك، أهيب بالأصدقاء من ذوي النوايا الحسنة أن يعيدوا النظر في دعواتهم في حل البرلمان والحكومة وإلغاء الدستور، لأن هذه المطالب لو تم تحقيقها فستوفر الفرصة الذهبية لفلول البعث الدواعش وغيرهم من أعداء العراق، لتحقيق مآربهم الجهنمية، وإغراق البلاد في فوضى عارمة يستفيد منها أعداء الشعب فقط، وستكون نسخة أخرى من انقلابهم الدموي في 8 شباط  1963 الأسود. 
نعم للإصلاح... كلا لإعلان حكومة الطوارئ.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/

ــــــــــــــــــــــــ
رابط ذو صلة
حازم الامين في صحيفة الحياة اللندنية: مقتل رجل «داعش» الثاني: عودة إلى لحظة «التوحش» البعثية
http://alhayat.com/Opinion/Hazem-AlAmin/10866804?fb_action_ids=953026588090282&fb_action_types=og.likes&action_object_map=%5B879410798775152%5D&action_type_map=%5B%22og.likes%22%5D&action_ref_map=%5B%5D#.VePD-fH6re8.gmail


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter