الجمعة ١١ سبتمبر ٢٠١٥ -
١٩:
٠١ م +02:00 EET
ماجد منصور
كان الهدف الأهم من وراء توقيع "معاهدة فرساي" التي أعقبت الحرب العالمية الأولى هو معاقبة ألمانيا وتحجيمها؛ مما أسفر عن تقسيمها إلى أقاليم تم ضمها لدول الجوار المُعتدَى عليها، غير أن الحلفاء المنتصرين أغفلوا شريطاً ضيقاً في المنطقة الغربية الواقعة على الحدود مع فرنسا دون أن يستولوا عليه؛ مما أغرى سكان ذلك القطاع في يناير 1919 إلى إعلان تأسيس دولة أطلقوا عليها آنذاك (جمهورية عنق الزجاجة المستقلة)؛ مستوحيين إسمها من رسمها، حيث استمرت حتى إحتلتها فرنسا في فبراير 1923، قبل أن تعود ثانيةً إلى حضن ألمانيا في نوفمبر من عام 1924.
كان هذا منذ حوالي قرن من الزمان، ولكن يبدو أن ثمة فكرة ما أطلت من إسم تلك الدولة المُندثرة هي التي أغوَت حكام مصر على مر السنين لإرساء قواعد عنق الزجاجة في أركان الدولة المصرية، إلى أن صار المُسمَّى عند المصريين من الفلكلور الشعبي المتوارث عبر الأجيال، فلا شك أنه مصطلح مُلهِم توخاه الحاكم، كما اعتاده المحكوم؛ فبات يمثل أسلوب حياة لا ننسلخ عنه، ومصير لا فكاك منه.. حتى أننا عشنا أباً عن جد مُكدسين داخل ذلك العنق اللعين أكثر مما قضينا في بطن الزجاجة نفسها.. وبالطبع فنحن لا ندري شيئا عما يدور بخارجها!!
ويأخذني خيالي إلى مشهدٍ مثيرٍ أرانا فيه نتكاثر ونتدافع بلهفةٍ خرقاء، في سباقٍ أهوج نحو الفوهة دون إستراتيجية ولا وعي أو تنظيم.. وشيئا فشيئا تنكمش الزجاجة، ويصيبها ضمورٌ شديدٌ، بينما يستطيل عنقها المديد، ليعبر السحاب البعيد.. ومن الداخل نشاهد الأفق الهفهاف، إذ لا يفصلنا عنه إلا جدارٍ شفاف.. نحلم لو استطعنا فقط أن نتحسس رقرقات الندى المتكثف على سطحها الخارجي.. فينكزنا عجزنا الذليل لنستيقظ على المستحيل!!
أنظروا.. نحن الشعب الوحيد المستأثر بذاك السيناريو البغيض، ففي حين يكتظ العالم بأطفال الأنابيب، ننفرد نحن المصريون بأكبر معمل لإنتاج (أطفال القوارير) إذ يخرج الوليد من بطن أمه إلى بطن الزجاجة مباشرةً، ومنه إلى عُنُقها الذي يصير منذ تلك اللحظة عالمه الأبدي..
وكل يوم نسقط جميعاً في القاع فنقذف بأنفسنا إلى أعلى، وننحشر في العنق محاولين الخروج مرة أخرى.. نتشبث بالأمل دون جدوى، فنهوى من جديد لنعيد الكَرَّة تلو الكَرَّة.. فهل ننجح في الخروج ولو مرة؟؟