الثلاثاء ١٥ سبتمبر ٢٠١٥ -
٠٧:
٠١ م +02:00 EET
بقلم - منير بشاى
اعلن الاعلامى جابر القرموطى ان تقرير اللجنة الخماسية لخبراء الطب الشرعى الجديدة قد ايّد تقرير اللجنة الثلاثية التى سبقته بأن الاوراق المنسوبة لمريم والتى استحقت عليها الصفر هى فعلا اوراق مريم وان الخط هو خطها. واذا كان كلام القرموطى صادقا تكون مريم لا حق لها فى الادعاء بوجود تزوير فى اوراقها. وبذلك تعود مريم الى نقطة الصفر اى من حيث بدأت.
كانت مريم تترجى خيرا هذه المرة. لقد استقبلها رئيس الوزراء المهندس محلب واظهر لها الود كابنة ووعدها ان مشكلتها ستحل وانه اذا ظهرت الحقيقة لصالحها لن تضيع حقوقها فى اخذ مكانها بالجامعة فى الكلية التى يؤهلها مجموعها والتخصص الذى يتناسب معه.
وفى محاولة لدرء كل الشبهات ورغبة فى تفادى كل الحساسيات حاولت مريم ان تعطى قضيتها اكبر فرصة للنجاح. ومنها الظهور بالمظهر الوطنى والابتعاد عن كل ما يمكن ان يفسر بالطائفية. ومن هنا كان اعتذارها عن التقابل مع قداسة البابا تواضروس. هذه المقابلة لم تكن تهدف الى اى نوع من الطائفية بل الرعاية الروحية لإبنة تعانى ومن المفروض انها تلقى رعاية روحية من الكنيسة بغض النظر عن الوضع القانونى لقضيتها. ولكن مريم ابتعدت عن هذه الزيارة تحسبا من احتمالات القيل والقال.
المثير فى الامر هو كيف تم تسريب نتيجة التحقيق للقرموطى. تناول اوراق تقرير اللجنة كان يجب ان يعكس حرص الاجهزة المختلفة فى الدولة على خصوصية التعامل مع الاوراق القانونية التى لم تصل الى النيابة. ماذا يقول هذا عن احتمال تزوير اوراق تلميذة لصالح طالب آخر فى لجان الكنترول؟ وقد شهد الكثيرون من المختصين ان هذا التزوير ليس شيئا نادرا ولكنه شائع اكثر ما نتصور.
اذا صارت الامور كما اعلن القرموطى ويبدو انه متأكد ان المعلومات صادقة لأنه يقول انها "على مسئوليته" وانه حصل عليها "من مصادره". فمعنى هذا ان مريم قد ضاعت فرصتها وان طالبا او طالبة اخرى سيتمتعوا بتقديرات مريم وانهم قد يدخلوا كلية الطب البشرى. معنى هذا ان بعد ستة سنوات سيمارس الطب فى مصر طبيب غشاش سيغش فى كل شىء آخر فهذه هى طبيعته. وانه سيكشف على المرضى ويشخص المرض ويحدد العلاج. اى علاج يمكن ان تضمنه من هذا الطبيب؟ واذا تخصص فى الجراحة هل تطمئن ان تضع نفسك تحت المشرط الذى يمسكه؟ واذا تصورنا ان هذه الحالة ليست فريدة من نوعها فماذا نقول عن مستقبل الطب فى مصر؟ بل مستقبل مصر كلها؟
الغريب ان الموضوع بحاله خارج حدود المعقول. ومن زوروا اوراق مريم هم اما اغبياء او مستبيعين، بمعنى انهم لا يهمهم (اكبر جعيص). لإنه لو كان هؤلاء المزورون لديهم ذرة من الذكاء، او الخوف من ان تكشف حقيقتهم، لكانوا قد حبكوا الموضوع بطريقة اكثر معقولية. كانوا مثلا اعطوها بضع درجات هنا وهناك. لانه من غير المعقول ان يحصل طالب على درجة الصفر فى كل المواد حتى لو كان اغبى الاغبياء، فما بالك بطالبة كانت من الاوائل فى كل مراحل تعليمها. هل يعقل ان تأخذ طالبة صفرا فى مواد مثل اللغات التى لو كتبت بضعة سطور فى موضوع الانشاء لحصلت على بضع درجات.
ولكن يبو ان المشكلة ان اثبات ان مريم على حق سيتسبب فى مشكلات كثيرة. هناك طلبة آخرين سيتبعوا نهج مريم فيقدموا شكاوى. وهناك رؤوس كبيرة فى الدولة سيتم ادانتها. وهناك شك فى مصداقية مؤسسات الدولة. يعنى الموضوع هيفتح فتحة لن يستطيعوا ان يسدوها. الحل الاسهل هو اقفال الباب الذى يأتى منه الريح فيستريحوا.
من ناحية الحيادية لا يعقل أن الذى يحقق فى الموضوع هو الخصم. لا يمكن ان تأخذ حقك من الحكومة بأن تدع الحكومة تحقق فى الموضوع وتستدعى خبرائها لكى يفتوا فيما اذا كانت اجهزة الدولة مخطئة ام مصيبة؟ وكلنا نعلم ان اجهزة الدولة فعلا مصيبة بمعنى انها مليئة بالمصائب البشرية.
ماذا تعمل مريم الآن؟ على مريم ان تطالب بأن ترى اوراق الاجابات بنفسها لكى ما تحدد اذا كانت الاجابات هى فعلا اجابتها. واذا تأكدت ان الاوراق ليست اوراقها يكون من حقها ان تطلب تعيين خبراء هى التى تثق فيهم ويكونوا مؤهلين ومرخصين لهذ العمل.
نحن نشاهد الآن مواجهة بين الدولة بقوتها وفتاة من الشعب الضعيف ممثلة فى مريم. من سينتصر فى نهاية الأمر؟ مقياس الحضارة يقول ان العدل هو الذى ينتصر مهما كانت قوة الخصم. فهل سنرى انتصار الشعب؟ ام النصرة ستكون للحكومة؟ هل سنرى كلمات سعد زغلول الخالدة تتحقق ان "الحق فوق القوة والأمة فوق الحكومة"؟
نرجو ذلك.