بقلم : يوسف سيدهم
قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها-(552)
قلبي علي الناخب المصري الذي يتمسك بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية ومازال محافظا علي غيرته الوطنية في أداء دوره الانتخابي,ولم ينضم إلي الذين اعتراهم الضجر والسأم من اللغط الدائر في المشهد الحزبي فقرروا أن يقاطعوا العملية الانتخابية برمتها.
وكأننا لم يكفنا زهاء العام ونصف العام في التحضير للانتخابات البرلمانية وإصدار قانون الانتخاب وتأجيل الانتخابات مرة تلو أخري حتي تقوم الأحزاب بترتيب صفوفها وتجهيز أوراقها والاتفاق علي مرشحيها,ناهيك عن الدخول في تحالفات فيما بينها لخلق قيادات قوية تخوض الانتخابات بدلا من الأحزاب الفردية الهشة الضعيفة…لا لم يكفنا كل هذا التأخير ومازال يعوزنا الوقت لضبط المشهد الحزبي الحزين الذي لايتوقف عن أن يفاجئنا كل يوم بالجديد بين أعضاء الخريطة الحزبية من تجاذب وتنافر وزواج وطلاق وائتلاف وانفصال!!!
سبق أن كتبت في أعقاب صدور قانون مجلس النواب في بداية يونية من العام الماضي أن علي كل منا المشاركة في الاستعداد والفحص بمنتهي الجدية حتي تحين موعد صندوق الانتخابات لتضمن الاستقرار علي برلمان قوي متوازن يستطيع حمل مسئولية تفعيل الدستور الجديد والإصلاح التشريعي المرتقب…ولم أكد أكتب ذلك حتي جاءت نهاية الشهر نفسه بأخبار انهيار أول تحالف انتخابي شد انتباه المصريين قبل أن يبدأ بالفعل(!!) وهو ما كان قد تم الإعلان عنه من تكوين مجموعة عمل بقيادة عمرو موسي رئيس لجنة إعداد الدستور واللواء مراد موافي رئيس جهاز المخابرات العامة السابق واللواء أحمد جمال الدين وزير الداخلية الأسبق بهدف توحيد الصفوف الحزبية والسياسية في تكتل قوي يخوض الانتخابات البرلمانية…لكن للأسف لم تدم الفرحة والتفاؤل طويلا وانهارت الجهود وتفككت المجموعة معلنة غياب الإرادة السياسية لدي كثير من الأحزاب وبقاء حالة التشرذم الحزبي علي ماهي عليه.
وعدت في منتصف ديسمبر الماضي أكتب تحت عنوان:تلكؤ الانتخابات البرلمانية…خير أم شر؟!! حيث لم أتأسف علي التأخير في حسم قانون الدوائر الانتخابية لأن علي الجانب الآخر كانت الساحة السياسية والحزبية بعيدة كل البعد عن الاستعداد للانتخابات,تموج بمحاولات متخبطة لجمع الشمل وتوحيد الصفوف لخلق تحالفات انتخابية قوية ولكن دون وجود بادرة أمل علي علاج التشرذم الحزبي.
وفي نهاية يناير من هذا العام كتبت تحت عنوان:الآن….الأحزاب تذاكر ليلة الامتحان!! ساخرا من الحركة التي دبت في الساحة الحزبية عقب إعلان اللجنة العليا للانتخابات عن الجدول الزمني لمسار الانتخابات البرلمانية,حيث هرع الجميع في محاولات محمومة لإنهاء استعداداتهم قبل فتح باب الترشح,ولكن أيضا دون نتيجة إيجابية فالمشهد كان عبثيا بين التقارب والتباعد والاتفاق ثم الاختلاف في ظل مساومات علي اقتسام الكعكة بين أطراف لا أمل لها فرادي ولا تدرك حتمية الائتلاف وقلت وقتها إن المشهد برمته أشبه بالتلميذ البليد الذي أهدر الوقت ولم يستذكر دروسه وعندما باغته الامتحان ارتبك وراح يحاول إدراك مافاته!!
ثم في أول مارس الماضي كتبت مستنكرا:هل أصبح المستقلون هم الأمل في الانتخابات البرلمانية؟ فقد أظهر تحليل الخريطة السياسية في المطبخ الانتخابي أن الأمل المعقود علي الأحزاب السياسية في خلق تحالف وطني قوي ذهب أدراج الرياح وسط استمرار العراك والصراع والشد والجذب بينها,حتي أنني دعوت للالتفات إلي المستقلين لعلهم يقدمون البديل القوي الذي يحصل علي مناصرة الناخبين باعتبارهم إما شخصيات كفرت بالأحزاب أو منتمين إلي كبار العائلات في بلد لم ينضج ديمقراطيا بعد وتسيطر علي انتخاباته العشائرية والقبلية والكيانات العائلية أكثر من الأحزاب السياسية.
وما لبثت في الأسبوع التالي في8مارس الماضي,وبعد أن حكمت المحكمة الدستورية العليا بعدم تقسيم الدوائر وتوزيع المقاعد وبالتالي تعطل مسار العملية الانتخابية,أن كتبت إن في ذلك التأخير فرصة أخيرة للأحزاب لإعادة تقييم فشلها في التوحد أو الائتلاف أو التحالف,وأنها كالتلميذ الذي أعطي فرصة فيملحق الامتحان فهل تحسن استغلالها؟…وأعطيت مثالا لكيفية الخروج من مأزق التشرذم الحزبي والمساومات السياسية البغيضة حول الأسماء بتكوين ثلاثة تحالفات رئيسية تضم جميع الأحزاب موزعة حسب توجهاتها السياسية والإيديولوجية بين اليمين والوسط واليسار…لكنلا حياة لمن تنادي!!
لم يحدث هذا ولا ذاك واستمر المشهد الهزلي للكر والفر بين الأحزاب وباتت خلافاتها تشغل مساحات ثابتة علي صفحات الصحف وبرامج الإعلام حتي أن الرئيس السيسي احتاج أن يجلس مع زعماء الأحزاب مرتين في غضون شهرين مذكرا إياهم بخطورة وأهمية الانتخابات البرلمانية وحتمية ترفعهم عن المصالح الشخصية وإعلائهم لمصلحة الوطن…ولاحت بادرة أمل أن تثوب الأحزاب إلي رشدها…لكن هيهات!!
والآن أصبحنا علي شفا الانتخابات البرلمانية,ومازلنا نتلقي الأخبار اليومية عن التفكك والتشرذم وعدم وضوح الرؤي فيما بين الأحزاب..وأكبر دليل علي ذلك ما أعلنته اللجنة العليا للانتخاب في الأيام الأولي بعد فتح باب الترشح من أن نحو90% من المرشحين الذين تقدموا بأوراقهممستقلون ومازلنا في انتظار الحزبيين ومرشحي القوائم…ألم أقل في مستهل هذا المقال قلبي علي الناخب المصري الذي مازال متمسكا بالمشاركة ولم يكفر؟!!!