الجمعة ٢٣ اكتوبر ٢٠١٥ -
١٨:
٠٢ م +02:00 EET
بقلم - أرنست أرجانوس جبران
كم نحب مصر .. مصر باهراماتها .. بتاريخها العريق .. بحضارتها وبركات عهدها القديم .. منذ آيام يوسف .. الذى كان يخاف الله .. وزيارة السيد المسيح لها .. وبشارة مارمرقس الرسول .. الذى أسس المسيحية فيها .. والى هذا اليوم .. مازالت مصر تنجب أبناءاً مباركين .. من البطاركة .. والشهداء .. والقديسين .. واليوم نحن سعداء جداً .. حيث جاءنا وباركنا أحد أبنائها المباركين ألا وهو .. قداسة البابا تواضروس الثانى .. فما أحلى وما أجمل أن نشتم أريج مصرنا الغالية على قلوبنا من خلال هؤلاء .. نعم نشتم رائحة اهراماتها .. رائحة ترابها المبارك التى وطئت قدما السيد المسيح أرضها .. رائحة أهلها الطيبين .
كل هذا .. كان من خلال زيارة قداسة البابا تواضروس الثانى وتشريفه لنا فى مدينة هيوستن بولاية تكساس حيث كان اللقاء التاريخى بكنيسة مارمرقس فى يوم الإثنين 12 أكتوبر من هذا العام 2015 .. استهل قداسته حديثه بهذه الكلمات " مصر بخير .. ومصر كلها تسلم عليكم " كم كان وقع هذه الكلمات البسيطة على قلوبنا كالبلسم الذى يطفئ نيران الغربة الحارقة .. وها هى العظة .. عن كنيسة مصر واهراماتها .. كنيسة مصر بصفاتها التى تعتبر قطعة من السماء على الأرض .. فهى دائماً جميلة ومنظمة وممتعة .. فكنيسة مصر واحدة من أقدم الكنائس فى العالم .. كما أن لمصر اهراماتها الثلاثة المبنية منذ آلاف السنين .. كذلك نحن كمسيحين لدينا اهرامات ثلاثة خاصة بنا .. اهرامات ايماننا القويم الرأى ..
الهرم الأول هو الهرم اللاهوتى: وذلك بإرساء قانون الإيمان فى القرن الثالث الميلادى بواسطة القديس أثناسيوس الذى دحض بدعة آريوس .. ثم القديس كيرلس الكبير عمود الدين الذى أدان بدعة نسطور فى المجمع المسكونى الثانى فى القرن الرابع الميلادى .. فها هى كنيستنا تسلمت الإيمان الصحيح من أجدادنا .. والى الآن نحن نستمتع بهذا الهرم الإيمانى الراسخ فى قلوبنا ..
الهرم الثانى هو هرم الشهادة: الشهادة للإيمان المسيحى الى درجة الإستشهاد .. فكم من الشهداء استشهدوا من أجل ابقاء الإيمان المسيحى .. فعلى مر الأجيال كان شهداء كنيسة مصر .. تفوق أعدادهم عن الكنائس الأخرى .. فالقديس مرقس الرسول .. ولِد فى ليبيا إلا أنه كان يهودى الأصل .. و جاء الى مصركارزاً .. حيث كان من السبعين رسولاً .. ثم استشهد مسحولاً على شوارع الأسكندرية .. وأيضاً الشهيد مارمينا .. وخلافهم وخلافهم .. حيث صار الإستشهاد نبع قوة إيماننا .. بل وصار الإستشهاد والشهداء من ملامح تعاليمنا المسيحية ..
الهرم الثالث هو النسك والرهبنةعلى أرض مصر: الإنسان الذى يريد أن يخصص حياته لله .. كالطبيب المتخصص فى شئ معين .. القديس الأنبا انطونيوس أول راهب فى مصر .. بل أول راهب فى العالم بأسره .. ومن سيرته بدأت المدرسة " الرهبانية " تنمو .. ومنهم الراهب القديس يوحنا ذهبى الفم الأنطاكى الأصل .. الذى قال عن برية مصر :" شاهدتُ فى مصر السماء بكل نجومها ليست بجمال البرية فى مصر " ..
فما هى حياتنا ..!! حياتنا كلها مزيج من العرق والدموع والدم .
1- العرق: هو نتيجة التعب .. و المجهود .. حيث أن الرخاوة لا مكان لها فى حياة إيماننا المسيحى .. فالسنارة المرخية لا تصطاد سمكاً .. وهكذا حياتنا تحتاج الى العرق المستديم ..
2- الدموع: هى أرق المشاعر للتعبير عن صدق العلاقة التى تربطنا مع الله .. وهى التى تكمل السهر والصلاة والحياة الروحية .. فالجانب الروحى هو الأساس .. فالله خلق للإنسان عقلاً وقلباً .. وشعوراً إيمانياً لتكون هناك استمرارية للعبادة ..
3- الدم: المؤمن الذى يقدم دمه يكون رقيقاً أمام الإيمان .. فالجهد والتعب .. وممارسة سفك الدم بصورة الإستشهاد .. والإجتهاد فى سبيل حياة نقية هو الثبات بعينه فى المسيحية .. والإثبات بأنه مسيحى حقيقى ..
واختتم قداسته العظة بكلمات وطنية رقيقة .. صادقة نابعة من القلب .. قال فيها :" الرب يبارك حياتكم .. وجود الكنائس القبطية كأنها سفارة شعبية فى أى مكان .. وبمناسبة السفارة .. كان سعادة قنصل القنصلية المصرية خالد راضى من بين المستقبلين لقداسة البابا .. وأيضاً من بين الحضور فى كنيسة مارمرقس .. مرة أخرى قال قداسة البابا .. وجود الكنائس القبطية كأنها سفارة شعبية فى أى مكان .. والكنيسة ليست مبنى أو موقع جغرافى .. الكنيسة هى حياة روحية .. التاريخ والتراث والإيمان والصلاة .. والسيرة المقدسة .. انما لهم جميعاً ارتباط قوى بالإنجيل .. مصر كلها تسلم عليكم .. أمورنا فى مصر جميلة تتقدم يوماً بعد يوم .. مشروع قناة السويس بأموال مصرية وأيدى مصرية .. كم كان يوم الإفتتاح جميلاً .. نعم .. فى الماضى كانت الأمور تسير تحت مسمى " الدولة الرخوة " الآن هذه الصفة تغيرت تماماً .. أصبحت الصفة المميزة هى " الجدّية " .. نظام التعليم .. الإقتصاد .. إلا وللأسف هناك بعض الشائعات الغير مضبوطة .. إلا أننا نقول الأمور تتحسن يوماً بعد يوم .. حيث تشجيع الإستثمار فى مصر .. نعم .. هذا كله بنعمة المسيح .." أنا آسف لهذه الزيارة القصيرة .. " لكن أنا عرفت السكة خلاص " .. أيضاً .. نحن نقول لقداسة البابا .. نرجو أن تكون زيارتكم القادمة إذا شاء الرب وعشنا ، أطول من هذه النصف ساعة فقط يا سيدنا .. التى مرت كوميض البرق .. كنا نود أن يطول اللقاء قليلاً .. لكيما نتمتع بوجودكم المبارك يا سيدنا ..
وهكذا كانت العظة الهامة باللغة العربية .. وهنا أود أن أستميح قداسة البابا عذراً .. بأن نقوم كلنا ببناء هرماً رابعاً حيث يكون مقره فى بلاد المهجر .. ألا وهو: " هرم اللغة العربية " .. فنحن هنا فى بلاد المهجر .. فى بلاد الغربة .. ما أحلى وما أجمل أن نستمتع و نستمع الى رجال الله المخلصين الزائرين من مصر والذين اختارهم الله لخدمته على هذه الأرض .. أكرر.. ما أحلى وما أجمل أن نستمع الى عظاتهم باللغة التى اعتدنا عليها منذ نعمومة أظافرنا .. اللغة العربية .. والتى للأسف قد تنكرت لها أغلب كنائسنا فى بلاد المهجر بحجة أن أبناءنا لا يتفهموها لأنهم يتحدثون الإنجليزية .. ويمكننا الرد على هذا ان الإنجليزية سيجيدونها بكل الوسائل لأنها تُدرس فى المدارس وهى لغة الدولة .. ولا مشكلة فى هذا .. أما العربية فلابد من تعلمها ..
نعم .. نحن بقليل من الوعى ، يصبح هذا الطفل الصغير يستطيع قراءة الإنجيل الموجود على المنجلية بالعربية .. وبقليل من الوعى .. تفتح الفصول لتعليم العربية فى الكنائس قبل اندثارها .. طوبى للعبد الأمين الحكيم الذي أقامه سيده على خدمه ليعطيهم الطعام في حينه .. فهذه الأمانة لابد وأن نسلمها لأبنائنا .. هذه اللغة أمانة لأنها لغة أمنا مصر التى بها وفيها تراثنا باهراماتها (الست) و(السابع المكمّل للستة سيكون هنا باذن الله) .. وكنائسنا .. وكتبنا ومراجعنا وأهلنا .. فعند لفظنا وطردنا لهذه اللغة كأنما قمنا بخيانة الأمانة .. قمنا بهدم أهم جسر يربطنا بأمنا مصر .. أمنا الحنون التى ربتنا .. وارتوينا من نيلها العظيم .. والآن عندما جئنا الى بلاد المهجر .. تنكرنا لها .. نعم .. فى المستقبل القريب .. عندما تكبر أجيالنا هنا .. ونحن نرحل عن هذا العالم الفانى .. سوف تندثر هذه اللغة .. ويصبح أبناؤنا واقفين على أرض هشة .. رخوة .. ليس لها أصل أو تراث .. أو حضارة .. فليتنا نفيق قبل فوات الأوان .. أرجوكم .. أرجوكم ..
أنا آسف .. لهذه الكلمات المؤلمة على قلوب بعض المسئولين والذين أكن لهم كل الإحترام والإجلال .. ولكن مسألة تعليم اللغة العربية لأبنائنا لهى هامة جداً .. نعم أكرر.. هامة جداً .. ومثال ذلك .. عندما قام قداسة البابا تواضروس الثانى بزيارته التاريخية والمباركة لمدينة هيوستن بالأمس القريب كانت العظة باللغة العربية .. والتى حُرِمَ أغلب أبنائنا من تفهمها .. حيث استهلها قداسته بقوله " مصر بخير .. ومصر كلها تسلم عليكم " .. يالها من كلمات .. لا يدرك أبناؤنا معناها ومداها .. تحدثت كثيراً فى موضوع اللغة العربية مراراً وتكراراً .. وللأسف لم أجد آذاناً صاغية .. وها أنا .. من جديد .. أذَكّر الكنائس بالبدء الفورى فى برنامج خاص وفصول خاصة لتعليم اللغة العربية .. لا أدرى ماذا أقول .. أخاف على كنائسنا هنا فى بلاد المهجر .. أن يهجر أبناؤنا كنيستنا الأم فى مصر .. يارب ساعد المسئولين فى تفهم الوضع قبل فوات الأوان .. يارب .. يارب .. آمين .. ثم آمين
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع