الأقباط متحدون - مذكرات نجيب الريحاني يرويها بنفسه: سر عدم شرائه سيارة حتى وفاته (ح 3)
أخر تحديث ٠٤:٢٠ | الثلاثاء ٢٧ اكتوبر ٢٠١٥ | ١٧ بابه ١٧٣٢ ش | العدد ٣٧٢٨ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

مذكرات نجيب الريحاني يرويها بنفسه: سر عدم شرائه سيارة حتى وفاته (ح 3)

مذكرات نجيب الريحاني يرويها بنفسه: سر عدم شرائه سيارة حتى وفاته (ح 3)
مذكرات نجيب الريحاني يرويها بنفسه: سر عدم شرائه سيارة حتى وفاته (ح 3)

 فصل نجيب الريحاني من شركة السكر بنجع حمادي، بسبب فضيحته مع زوجة رئيسه في العمل، كما ذكرنا في الحلقة الثانية، لم يمنع الشركة من إرسال خطاب إليه –بعد فترة- تطلب منه العودة لاستئناف عمله بها مرة أخرى، وربما هنا يدور سؤال في نفس القاريء فحواه: «كيف تطلب شركة من موظف طرد منها بسبب فضيحة أن يعود مجددا؟».

 
يُجيب الريحاني عن هذا في مذكراته المنشورة في كتاب صادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، قائلا: «حدث بين موظفي الشركة وبين العم (ت) خلاف استحكمت حلقاته، ولكنهم لم يتمكنوا منه، ولم يجدوا سببا مبررًا لفصله من عمله، فهداهم تفكيرهم إلى استمعال الحيلة كي يحملوه على الاستقالة».
 
كانت الحيلة هي أن يعيدوا الريحاني إلى عمله بالشركة، وإذ ذاك لا يجد غريمه العم (ت) مناصًا من هجر الشركة، لا بل من هجر البلدة بما فيها، إن لم يكن إتقاءً للفضيحة، فخشية تجدد الماضي بين روميو، وجوليت، أي الريحاني وزوجة العم (ت).
 
لم يتوان الريحاني بعد الإطلاع على خطاب الشركة في جمع عزاله، والسفر إلى نجع حمادي حيث استلم عمله، وهو يقسم جهد أيمانه أنه لن يعود إلى التمثيل مهما حدث، وهو بالطبع أمرًا من درب الخيال.
 
رأى الرؤساء في الشركة أن من باب النكاية في العم (ت) لتطهيقه سريعا، أن يجعلوه تحت رآسة نجيب، وأن يكون من اختصاصه مراقبة أعماله، ومع ذلك لم ييأس العم (ت) ولم يتبرم بهذه التصرفات بل لم يحرك ساكنا، مما دفع الريحاني لمعاملته أحسن معاملة، وصارا أصدقاء من جديد.
 
يقول الضاحك الباكي: «اتجهت بكليتي إلى اتقان عملي ومراعاة الواجب، فارتفعت بأخلاقي إلى مستوى لا بأس به، وفضلت فيما يختص بعلاقاتي بالجنس اللطيف أن أترك ما لقيصر لقيصر، وأن أخليني لطيف، وبلاش (المسخرة) بتاعة زمان، وقد كان، ولم يمض وقت طويل حتى حزت ثقة مدير الشركة وغيره من الرؤساء، فارتفع ذلك مرتبي إلى أربعة عشر جنيها في الشهر».
 
وتدافعت الأيام متشابهة، إلى أن وصل لنجع حمادي رجل أجنبي ومعه زوجة (وهي فرنسية). وكان الرجل منوما مغناطيسيا، أتى يحيي بعض حفلات في (البندر). كانوا يشاهدوه فيما يقوم ويؤدي بعض تجارب مستغربة من النوم الذي نراه من «الحواة» وأمثالهم.
 
على أن موضع الدهشة من الأمر هو تمكن زوجته من علم الكف، إذ كانت حين تتفرس في كف إنسان تقرأ ما فيها وكأنها تتلو من كتاب بين يديها، وكم تمنى الريحاني أن يريها كفه، ولكن المبلغ المحدد لذلك كان مبالغا فيه، ولذلك فضل التريث عسى أن يبعث الله بالفرج.
 
وفي إحدى الليالي، ذهب الريحاني مع شلة كبيرة من الأصدقاء إلى حضور حفل لذلك «المنوم»، وبعد انتهائها تقدم الزوج يعلن أنه سيوزع تذاكر «لوترية» ثمن الواحدة عشرون مليما، بينها تذكرة واحدة تكسب زيارة صاحبها إلى مصر في اليوم التالي كي تقرأ المدام كفه، وتطلعه على ما خفي من أمره.
 
يقول الريحاني: «اشتريت كغيري تذكرة، وأنا أدعو الله أن أكون الفائز، لأنني كنت في شوق زائد إلى هذه العملية. ولما انتهى توزيع التذاكر، وتدافع الأصدقاء وغيرهم لحضور عملية السحب، بقيت في مكاني مشفقا، وظهرت النتيجة، فإذا الفائز زميل لي في الشركة اسمه عبدالكريم أفندي صدقي، وبعد أن قمت بلعن سنسفيل الحظ، لم أجد بدا من الذهاب إلى عملي في الشركة كالمعتاد، فلقيني زميلي عبدالكريم صدقي ينعي حظه الذي (مش ولابد)».
 
حظ عبدالكريم السيء ورطه في مأمورية لا تنتهي إلا بعد أسبوع، و«المنوم المغناطيسي» وزوجته يغادران نجع حمادي غدا، ليفتح الحظ نفسه ذراعاه للريحاني مجددا، بعد أن قال الصديق له: «وبما أنني مش رايح أستفيد من التذكرة دي، فخدها أنت ووح شوف بختك عند الولية وجوزها».
 
تناول نجيب التذكرة التي «عليها العين»، وقبل الموعد المحدد كان بين يدي الرجل وجلست المدام تقرأ كفه، في ليلة حكى عنها قائلا: «إنني لم أتعود في حياتي أن ألقي القول جزافا، كما أنني لست ممن يصورون من الحبة قبة، بل ولا أميل إلى التهويل والمبالغة في الوصف، فهل تصدقني أيها القاريء إذا قلت لك إن هذه السيدة أخبرتني بأشياء حدثت لي في الماضي، كما لو كانت معي، وأنها قصت على ظروفا خاصة اجتزتها بنفس النمط الذي ذكرته؟ حقا لقد خبلت عقلي بما ألقت إلي من تاريخ حياتي الماضية، وبعد ذلك تنبأت لي بما سيكون عليه مستقبلي».
 
كان ذلك عام 1913، ويقسم هنا نجيب الريحاني أنه ظل طيلة الأعوام التالية يجتاز من أدوار حياته مراحل سبق أن تنبأت له بها هذه السيدة.
كان أيامها موظفًا بسيطا في شركة السكر، يتقاضى مرتبا لا يزيد على أربعة عشر جنيها، ولم يكن أمامه ما يبشر بصلاح الأحوال أو تبدل الأيام، ومع ذلك فقد قالت له إن حياته عبارة عن ضجة صاخبة، وأن أموالا كثيرة ستتداولها يده، وأنه سينتقل من فقر إلى غنى، ومن غنى إلى فقر، ثم يعود الغنى؟
 
«رحت أجول بالذاكرة في تأويل هذه التنبؤات، فأما الفقر فهذا شيء متوفر والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، وأما الغنى، فمن أين يأتيني يا ترى؟»
 
دفع الهوس نجيب الريحاني للتفتيش عن قريب له  من ذوي الثراء، وراح يبحث عن شجرة العائلة، ويدرس أصولها وفروعها، لعله يعثر على واحد بينهم لا وريث له، قائلا: «يمكن يا واد يشوفك في وصية بحسبة كام ألف مصري يبحبحوك»، مستبعدًا تمامًا فكرة أن يأتي الثراء من خلال التمثيل، لأن «اسم الله، ده اخوانا بسم الله ما شاء الله مكانش يلف الشهر إلا والجعيص فيهم يستلف قد ماهيته مرتين!».
 
نهايته، لم يفده التفكير شيئا، ولم يسعفه قاموس الأسرة ولا شجرتها المباركة، فترك الأمور تجري في أعنتها، ونام بعد ذلك خالي البال.
وجدير بالذكر هنا أن نشير إلى سر باحت به العرافة للريحاني، ولعله هو ذلك السبب وراء عدم اقتنائه سيارة أبدًا، بعد أن أخبرته قارئة الكف بأن هناك تصادما سيحدث لسيارة يكون فيها، ومع إنها ذكرت له أن «ربنا إن شاء الله هايجيب العواقب سليمة»، إلا أنه خشي من هذا اليوم، فامتنع بتاتا عن اقتناء سيارة لنفسه، كما إنه إذا دعي لركوب إحدى سيارات الغير، أو حتى سيارة «تاكسي»، يتوسل إلى السائق بكل عزيز لديه أن يرحم شبابه، وأن يسير على أقل من مهله «لأني مش مستعجل أبدا».
 
و«مش مستعجل» هذه كان يقولها كلما ركب سيارة، حتى ولو كان باقي على القطار الذي سيسافر فيه دقيقة واحدة، لدرجة جعلته يفضل دائما ركوب عربات الخيل «لا رفقا بالعربجية، بل حرصا على حياتي الغالية، والحنطور فوقك يا أتومبيل».>


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter