تنتشر العلامات التجارية البريطانية في كل مكان بالعاصمة السعودية الرياض. فعندما تقود سيارتك ببطء نتيجة حركة المرور الكثيفة تلاحظ كل العلامات التجارية التي ستشاهدها وأنت تسير في أحد الشوارع التجارية ببريطانيا.
وهو تذكير مرئي بأن المملكة العربية السعودية هي أكبر سوق لبريطانيا في الشرق الأوسط.
وداخل المتاجر الفاخرة البراقة التي تعرض جميع العلامات التجارية الشهيرة، تجد التسوق على الطراز السعودي.
تغلق المحلات التجارية في أوقات الصلاة ، وترتدي الموظفات، اللاتي يتزايد عددهن، عباءات سوداء طويلة وحجابا أسود أو النقاب الذي لا يُظهر إلا أعينهن، بما يتفق مع هذه الثقافة المحافظة.
وهو تذكير مرئي أيضا بأن البلدين مع ما يسميه كثيرون علاقة خاصة قد وجدا سبلا للعمل معا واحترام التقاليد المختلفة تمام الاختلاف.
واجهت المملكة العربية السعودية انتقادات من قبل البعض في بريطانيا لعدم بذل جهود كافية لمنع التدافع المأساوي أثناء موسم الحج الأخير
يشعر العديد من السياسيين في الغرب بالقلق بسبب ما يصفونه بالعواقب الإنسانية الوخيمة للحرب التي تقودها السعودية في اليمن
لكن كثيرا ما تهتز هذه الشراكة المريحة بشدة، وغالبا ما تعمل هذه العلاقات المتينة على تخفيف الضغوط.
وقال وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند عندما زار الرياض هذا الأسبوع: "لدينا علاقة صريحة ومفتوحة للغاية، تقوم على علاقة قوية للغاية في مجالات التجارة والدفاع والتعاون الأمني، بما يسمح لنا أن نتحدث عن مجالات الاهتمام، وربما القضايا الحساسة."
وهذا هو السبب، كما يقول، الذي جعله قادرا على أن يعلن أن المواطن البريطاني كارل أندري البالغ من العمر 74 عاما سيغادر زنزانته بالسجن بالسعودية الأسبوع المقبل.
قلق دولي
وسوف يترك أندري المملكة ويفلت من العقاب بـ 350 جلدة بعدما ألقي القبض عليه ومعه نبيذ محلي الصنع.
أقيم معرض دولي كبير للتعدين والمعادن في الرياض في الآونة الأخيرة
الحكومة البريطانية حريصة على إبرام صفقات أسلحة كبيرة مع المملكة العربية السعودية
لكن أفراد آخرين، مثل المدون السعودي المعتقل رائف بدوي الذي يواجه 1000 جلدة، وعلي النمر المحكوم عليه بالإعدام، ما زالوا مصدر قلق بالغ للمجتمع الدولي.
وأشارت تقارير إلى أنه كان هناك "إقبال وإدبار" في محنتهم أيضا خلال محادثات هاموند مع القادة السعوديين بمن فيهم الملك سلمان. لكن لا توجد أنباء حتى الآن عن إمكانية الإفراج عنهم ومتى يمكن أن يحدث ذلك.
وكثيرا ما اهتزت هذه العلاقة بين المملكتين نتيجة توترات من جانب بريطانيا أيضا حول كيفية تحقيق التوازن بين بواعث القلق المتعلقة بحقوق الإنسان ورغبة الحكومة في تعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية الحاسمة، بما في ذلك صفقات السلاح الكبرى التي تجعل بريطانيا أحد أكبر الموردين للمملكة العربية السعودية.
وقد برزت تلك المنازعات بصورة علنية في الآونة الأخيرة داخل حكومة ديفيد كاميرون وأدت إلى إلغاء عقد بقيمة 5.9 مليون جنيه استرليني (9 ملايين دولار) للتدريب في السجون.
يدافع مسؤولون سعوديون عن نظام الشريعة الإسلامية الخاص بهم، لكن بشكل خاص يعبر البعض عن عدم رضاه عن عقوبات وحشية مثل الرجم وقطع الرؤوس بشكل مروع في الشوارع، وهي الأخبار التي تتصدر عناوين الصحف في جميع أنحاء العالم.
ويقال إن جهودا تبذل الآن لتنظيم هذه القوانين لتجنب ما أسماه دبلوماسي "الأحكام الجامحة".
وبالنسبة للندن، فإن حرية كهل بريطاني في حالة صحية سيئة يخفف من حدة هذه المسألة.
لكن تحذيرا شديد اللهجة من السفير السعودي في لندن في وقت سابق من الأسبوع الجاري يعد تذكرة أخرى باشتعال بعض الأمور الحساسة بين البلدين.
ففي رسالته التي نشرت في صحيفة التلغراف، حذر الأمير محمد بن نواف بن عبد العزيز من "تداعيات خطيرة يمكن أن تضر الشراكة الاستراتيجية ذات المنفعة المتبادلة التي يتمتع بها البلدان منذ فترة طويلة."
وجاءت هذه الانتقادات الحادة في خضم موجة من التقارير التي توجه انتقادات شديدة للمملكة، بما في ذلك الحادث المأساوي أثناء موسم الحج، ومطالبة الرياض ببذل المزيد من الجهد لإيواء السوريين الفارين من الحرب، فضلا عن إدانة منظمات حقوقية للعقوبات القاسية التي تنفذها البلاد وفقا للشريعة الإسلامية.
واحتلت تحذيرات السفير عناوين بعض الصحف السعودية، لذا حملت إحدى هذه الصحف وأنا أحضر افتتاح المؤتمر الدولي للتعدين والمعادن في الرياض.
وجه سفير المملكة العربية السعودية لدى المملكة المتحدة الأمير محمد بن نواف بن عبدالعزيز تحذيرا شديد اللهجة في لندن منذ أيام حول العلاقات الثنائية في المستقبل
تتمتع بريطانيا والمملكة العربية السعودية بتاريخ طويل من العلاقات المنسجمة
وداخل قاعة الأمير سلطان المترامية الأطراف، التي تحولت إلى معرض متألق، لا يزال هناك شعور بـ "العمل كالمعتاد"، حيث قص وزير البترول والثروة المعدنية القوي، علي بن إبراهيم النعيمي، بابتسامة الشريط الأحمر التقليدي على السجادة الحمراء المألوفة للمستثمرين الذين يبحثون قضاء بعض الوقت واستثمار الأموال في المملكة.
وأريت عنوان بإحدى الصحف السعودية لساندي أنغوس، رئيس مجلس إدارة شركة أنغوس مونتغمري البريطانية، الذي كان يشارك في تنظيم المعارض لمدة 120 عاما بينهم ثلاثة عقود في منطقة الشرق الأوسط.
وقال أنغوس – وهو ينظر إلى صحيفة "غلف نيوز" التي كتبت عنوانا يقول "العلاقات مع المملكة المتحدة" باللون الأحمر الكبير وسط "سحب مظلمة" باللون الأسود – : "ليس هناك شعور كهذا على الإطلاق."
عقوبة الإعدام
وفي المقر الأنيق لهيئة الاستثمار السعودية العامة، تحدث رئيس مجلس إدارة الهيئة عبداللطيف العثمان عن العلاقة "العميقة والاستراتيجية ذات المصالح المشتركة والشراكة التي تتسم بأنها أقوى بكثير من تأثير بعض المقالات السلبية."
من الصعب الوصول لأي شخص يعطي ردا رسميا بشأن انتقاد العقوبات القضائية، لذا سألت العثمان عن ما إذا كانت التقارير السلبية تؤثر على جهوده لجذب المستثمرين الأجانب إلى المملكة.
وقال: "يمكننا جميعا أن نختلف حول أيديولوجيات عقوبة الإعدام وأي نوع من العقوبات"، في إشارة إلى عقوبة الإعدام التي تطبق في العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم.
وأضاف: "طالما أن القضاء مستقل والمحاكمة وعملية الاستئناف عادلة، فيتعين علينا أن نحترم ذلك."
لكن هذا التنامي في إدانة سجل حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية يأتي في الوقت الذي يجري فيه التودد للقادة السعوديين أكثر من أي وقت مضى.
تبرز الرياض كعاصمة رائدة في خضم حملة دبلوماسية غير مسبوقة لحل الأزمة في سوريا.
وفي الأسبوع الماضي، أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتصالا هاتفيا بالعاهل السعودي مرتين، كما أجرى الرئيس الأمريكي باراك أوباما اتصالا بالملك سلمان.
وأكدت مصادر سعودية أن هذه الاتصالات ساعدت في إقناع القادة السعوديين بتخفيف معارضتهم الشديدة لمشاركة إيران، خصمهم اللدود، في اجتماع فيينا الدولي الكبير المرتقب بشأن سوريا.
وتقول مصادر دبلوماسية إن هاموند بدأ بعض اتصالاته هنا وعبر عن قلقه بشأن العواقب الإنسانية الخطيرة للحرب في اليمن، حيث تتهم قوات التحالف التي تقودها السعودية بإسقاط ضحايا من المدنيين - وهي التهم التي يقول مسؤولون سعوديون إنها ترتكب من جانب المتمردين الحوثيين الذين أطاحوا بالحكومة اليمنية من صنعاء في وقت سابق من هذا العام.