الأقباط متحدون - في وداع الدكتور أحمد الجلبي
أخر تحديث ٠١:٠١ | الخميس ٥ نوفمبر ٢٠١٥ | ٢٦ بابه ١٧٣٢ ش | العدد ٣٧٣٧ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

في وداع الدكتور أحمد الجلبي

د.عبدالخالق حسين
رحل عن عالمنا هذا، صباح يوم الثلاثاء، 3/11/2015، رئيس المؤتمر الوطني العراقي، النائب الدكتور أحمد عبدالهادي الجلبي بنوبة قلبية مفاجئة، في منزله ببغداد. والمفارقة أن الرجل الذي أنذر حياته منذ وقت مبكر لأصعب المهمات، وهي الإطاحة بأشرس نظام دكتاتوري فاشي عرفه تاريخ العراق، وأثار أشد العواصف السياسية المثيرة للجدل، مات وهو نائم مرتاح في فراشه بكل هدوء بعد أن حقق مهمته الصعبة. وكان رحيله المبكر وهو في أوج نشاطه وخبرته السياسية، مفاجأة وصدمة للجميع.  
 
ولا شك أن رجلاً بقامة الجلبي خاض العمل السياسي في عراق منقسم على نفسه و هو في اشد مراحل تاريخه عربدة، لا بد وأن يكون مثيراً للجدل العنيف، ويكون له أعداء أللداء كثيرون، ومحبون اللداء كثيرون. وهو من أوائل من جازف بحياته وأعلن معارضته للنظام البعثي الصدامي المعروف بدمويته وملاحقة معارضيه وقتلهم أينما كانوا بما له من تنظيم إرهابي أخطبوطي في كل مكان. 
 
والجدير بالذكر أن السياسة ليست جديدة على الدكتور أحمد الجلبي (أبو هاشم)، فهو من عائلة مارست السياسة أباً عن جد، فوالده عبدالهادي الجلبي كان نائباً في البرلمان و وزيراً في العهد الملكي، وكذلك جده عبد الحسين الجلبي، وزيرا وعضوا في مجلس الاعيان، إضافة إلى كونه من أسرة غنية. والدكتور الجلبي حاصل على شهادات الماجستير و الدكتوراه في الرياضيات من الجامعات الأمريكية، إضافة إلى خبرته السياسية. ولذلك كان يعي صعوبة مهمته فتبنى البراغاماتية والواقعية في عمله السياسي، حيث أدرك منذ البداية أنه لا يمكن إنقاذ الشعب العراقي من طغيان الحكم الدكتاتوري البعثي الصدامي الدموي إلا بمساعدة الدولة العظمى، أمريكا.
لذلك لم يضيِّع وقته في النظريات المثالية، والتمنيات الرغبوية غير القابلة للتنفيذ، فبذل كل مساعيه لكسب أمريكا. وبإمكانياته الفذة ولباقته في فن الحوار والاقناع استطاع تكوين لوبي (مجموعة ضغط) من السياسيين المتنفذين في الإدارات الأمريكية المتعاقبة من أعضاء مجلسي الكونغرس والشيوخ ، وهو الوحيد من العالم الثالث الذي نجح في تشكيل لوبي قوي من الحزبين الديمقراطي في عهد بيل كلنتون ، والجمهوري في عهد بوش الإبن، لصالح العراق، فأصدرت إدارة كلنتون قانون تحرير العراق، الذي استند عليه الرئيس بوش في إسقاط حكم البعث وإلى غير رجعة. كما ولعب دوراً رئيسياً في تأسيس المؤتمر الوطني الموحد كمضلة لجمع أغلب فصائل المعارضة العراقية في الخارج، من اليسار إلى اليمين، إسلاميين وعلمانيين، ومن مختلف مكونات الشعب العراقي برئاسته. وبعد أن تحقق الهدف الرئيسي من المؤتمر وهو إسقاط الحكم الصدامي، انتهى دور المؤتمر كمضلة للمعارضة العراقية، فأسس حزباً بهذا الاسم (حزب المؤتمر الوطني العراقي) ألذي ترأسه إلى لحظة وفاته.
 
يؤاخذ خصوم العراق الجديد على الجلبي أنه جلب الاحتلال الأمريكي إلى العراق، وأن أمريكا هي عدوة للعراق لأنها هي التي جاءت بحزب البعث إلى السلطة عام 1963، وعام 1968، ولأن أمريكا لم تسقط صدام لسواد عيون العراقيين، بل من أجل مصالحها...الخ. طبعاً أمريكا كانت ومازالت وراء مصالحها، وهذا ليس بعيب ولم تنكره أمريكا، وكل يسعى وراء مصالحه. والمصالح ليست كلمة قذرة كما يتصور البعض نفاقاً، فالسياسي الناجح هو الذي يستطيع أن يوفق بين مصلحة بلاده ومصلحة الدولة العظمى، والدول الأخرى، ويجيرها لصالح شعبه، وبذلك يستفيد من إمكانيات أمريكا لصالح العراق. وهذا ما قام به الراحل الجلبي ونجح فيه. 
 
كما نسي هؤلاء النقاد أن العراق كان محتلاً من أبشع عصابة مافيا البعثية الدموية التي عاملت الشعب العراقي كعدو ، فكان المواطن العراقي أسوأ حالاً من أي عبد ذليل في عهود الرق، وبدد ثوراته الهائلة في الحروب العبثية، لذلك، ورغم ما مر به العراق من تداعيات بسبب إسقاط البعث الفاشي، فما زلنا نعتقد أنه كان من حسن حظ العراق أن سقط النظام على يد أمريكا. ولكن أغلب الناس لا يسألون أنفسهم، ماذا كان وضع العراق الآن لو لم تتدخل أمريكا بإسقاط حكم البعث؟ بالتأكيد لكان الحصار الاقتصادي مازال مفروضاً، ومصير العراقيين في الداخل بأيدي أبناء وأحفاد صدام وآل المجيد وأبناء عشيرته وغيرهم من الحلقات الداخلية من الحكم الفاشي يحكمون البلاد والعباد بالقبضة الحديدية. 
 
كذلك يردد البعض، وخاصة الصحافة الغربية، أن الجلبي كذب على الإدارة الأمريكية بامتلاك صدام لسلاح الدمار الشامل، وأنهم لم يعثروا على هذا السلاح بعد إسقاط حكم البعث. السؤال هنا، هل يُعقل أن رجلاً مثل الدكتور أحمد الجلبي من دولة من العالم الثالث، يستطيع أن يخدع دولة عظمى مثل أمريكا، تتمتع بإمكانيات استخباراتية هائلة مثل (CIA) و(FBI) وكل إمكانياتها العلمية والتكنولوجية والعسكرية والتجسسية...الخ ، التي تكلف خزينة الدولة أضعاف ما يعادل موازنات دول في العالم الثالث، هذه الدولة العظمى وبإمكانياتها الهائلة يستطيع شخص مثل أحمد الجلبي أن يخدعها ويجرها إلى حرب باهظة لإسقاط صدام؟ هذا الكلام هراء في هراء... فصدام هو الذي كان يتباهي بامتلاكه لهذا السلاح، أما ما قاله أعوانه فيما بأنه صرح بذلك ليخيف بها إيران، فهذا الكلام لا يقنع الغربيين، لأن امتلاك سلاح الدمار الشامل ليس مزحة، خاصة وهو يهدد بحرق نصف إسرائيل. فإسرائيل عبارة عن ولاية من ولايات أمريكا، وأمنها من الخطوط الحمراء في الاستراتيجية الأمريكية. لذلك فالادعاء بأن الجلبي خدع الأمريكان كلام فارغ، ولن يصمد أمام أية محاكمة منصفة.
 
وحسناً فعلت الحكومة العراقية في تنظيم تشييع رسمي (State funeral)، للفقيد الجلبي، فهو يستحق ذلك حيث كرس كل حياته لخدمة العراق وحقق ما أراد. ولكن المشكلة أن العراق أبتلى بعصابات البعث التي يتمتع بقدرات هائلة في التضليل وصناعة وتسويق الإشاعات والأكاذيب لتشويه سمعة خصومه، وهناك جمهرة واسعة في العراق ذات عقلية خصبة في تصديق الأكاذيب والافتراءات وتدمير الذات. وقد بلغ الخبث بالبعثيين إلى حد أنهم فتحوا حساباً على الفيسبوك باسم الجلبي، ينشرون فيه الأكاذيب ضد زملائه المسؤولين العراقيين ليخلقوا خصومة بينه وبينهم. ولذلك نجح البعث في حكم العراق وتدميره لأربعة عقود، وما يعانيه الآن من دمار بسبب الإرهاب البعثي المتستر بلباس داعش والنقشبندية وغيرهما. فالبعث يعتاش على الكذب والإشاعات.
 
لا شك أن وفاة الدكتور أحمد الجلبي خسارة كبيرة للعراق، وترك فراغاُ يصعب ملأه. فله الذكر الطيب ، والصبر والسلوان لعائلته وأصدقائه ومحبيه. 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter