الأقباط متحدون - كفيفات ولكن.. «النور مكانه القلوب»
أخر تحديث ٠٦:١٨ | الجمعة ٦ نوفمبر ٢٠١٥ | ٢٧ بابه ١٧٣٢ ش | العدد ٣٧٣٨ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

كفيفات ولكن.. «النور مكانه القلوب»

هناء» تمارس حياتها بشكل طبيعى فى المطبخ ومع طفليها وتتعامل مع التكنولوجيا
هناء» تمارس حياتها بشكل طبيعى فى المطبخ ومع طفليها وتتعامل مع التكنولوجيا

 لم يسأمن الحياة حينما كشفت عن أصعب وجوهها واختطفت نور عيونهن، فحرمتهن من الوقوف أمام مرآة صغيرة تسعد قلوبهن بعد رؤية أعذب ملامح الأنوثة، ولم يعبأن باعتقاد مجتمعى توارثته الأجيال يحكم بأن فقد البصر يعنى نهاية الدنيا قبل بدايتها، ولم يخشين تلك المخاطرة التى هابها الجميع حينما اخترن شريك الحياة من نفس الإعاقة بمجرد أن قال القلب كلمته، فقررن أن يكن نوراً يضىء ذلك البيت الذى قوامه «كفيف وكفيفة» وأبناء صغار جاءوا ليفرحوا الصابرين بصبرهم.

 
يحفظن كل شبر فى المنزل ليتمكن من الحركة بسهولة.. وأصدقاؤهن وأقاربهن يساعدونهن فى اختيار الملابس
تقف هناء عبده، السيدة الثلاثينية، بين أركان مطبخها لمباشرة عملها اليومى المعتاد، فتتناول عدداً من الأوانى الممتلئة بالطعام لتضعها داخل «البوتاجاز» لتسخينها، وما إن تتأكد من إعداد وجبة الغذاء على أكمل وجه حتى تتحرك سريعاً لإعداد تلك الطاولة التى يشاركها فيها زوجها، ثم تعود بعد دقائق إلى مطبخها مرة أخرى ممسكة بقطع من الفاكهة لتقطيعها بسكينها الفضى، ثم تذهب لإعداد كوب من الشاى إيذاناً بتقديمه إلى زوجها، «اتعلمت شغل البيت كله بعد ما اتخطبت، والدى ووالدتى كانوا زيى مكفوفين، اتعلمت كل حاجة من والدتى، اتعلمت منها إزاى أتعايش مع الضلمة».
 
«هناء»: رزقت بتوأم وتعلمت كيف أعتنى بهما فى الظلام
الصعوبة الأولى التى تغلبت عليها هناء، الحاصلة على ليسانس دار العلوم من جامعة القاهرة، هى عدم اقتناع أهل الزوج بنجاح تجربة ارتباط طرفاها مكفوفان، خاصة أن زوجها نفسه كان مصراً على الارتباط بشابة مبصرة تستطيع أن تلبى كافة مطالبه، «عندما أتى زوجى إلى بيتنا لأول مرة وسمع منى تمسك بىَّ وصمم أن أكون شريكة حياته، وأهله اقتنعوا بعد ما اتجوزنا وكانوا بيزورونا ويلاقوا البيت منظم والهدوم مكوية ونضيفة، وكل طلبات زوجى بيلاقيها».
 
«الاعتماد على النفس» هى السمة الأساسية لنجاح تجربة الزواج بين المكفوفين، وفقاً لهناء، حيث إن قدرة كل شخص منهما على الحركة بسهولة والذهاب إلى أى مكان بمفرده تمنع وجود أى عبء من أحدهما على الآخر، إلى جانب النظام الذى يجب أن يكون العنوان الرئيسى للبيت، بحسب قولها، «لازم أكون مرتبة كل حاجة فى مكانها بطريقة معينة، عشان لو زوجى احتاج حاجة وأنا مشغولة أو مش فى البيت يقدر يلاقيها بمنتهى السهولة» ترتيب الملابس وتنظيمها فى داخل الدولاب ليس خياراً بالنسبة لها أو لغيرها من الكفيفات ولكنه الخيار الوحيد بالنسبة إليهن حتى يستطعن ارتداء الملابس بشكل يومى دون أن يحتجن مساعدة من أحد، حتى الحركة داخل المنزل يجب أن تكون بحساب، لا بد على أى منهم أن يحفظ عدد الخطوات المؤدية إلى كل ركن من أركان المنزل حتى يستطيع الحركة بسهولة.
 
الحاجة تفيدة: أبنائى الثلاثة مكفوفين لكنهم أشيك ولاد فى المدرسة
أناقة المظهر تعد من أكثر الأشياء التى تحرص عليها السيدة الثلاثينية التى فقدت بصرها منذ الطفولة، فزوجها «الشيخ إيهاب يونس»، يعمل منشداً دينياً بالإذاعة والتليفزيون، ويحتاج إلى الظهور بمظهر لائق فى كل الأحيان، «إنا بختار الملابس عن طريق أختى، وزوجى بيختار لبسه مع بعض المشايخ من زملائه، وأنا برتب الهدوم بطريقة معينة أنا حفظاها، وبختار اللبس اللى يليق بكل مناسبة هو رايحها».
 
الزوجة الكفيفة على موعد مع مشقة تحمل فى طياتها السعادة، فها هو القدر يواعدها، بعد سنواتٍ من الزواج، بطفلتين تخرجان إلى الحياة فى ذات اللحظة، لتبدأ مرحلة جديدة من الكفاح، تصفها السيدة الكفيفة بأنها أجمل لحظات العمر، «فى الأول تعبت جداً عشان أعرف أديهم الدوا، لكن بعض صديقاتى من المكفوفين علمونى لحد ما اتعودت أعمل لهم كل حاجة، لدرجة إنى ممكن أشيل البنتين فى وقت واحد، وأنيّم واحدة أختها تصحى، لكن مبقتش حاسة بأى تعب».
 
«إحنا بنعمل كل حاجة زى أى حد، بنخرج ونتفسح ونسمع راديو ونتفرج على تليفزيون، واللى شايف إن فيه حاجة ناقصانا دى مشكلته وهو يحلها».
 
الظروف لم تتوقف بـ«الحاجة تفيدة»، السيدة الستينية الكفيفة، عند كونها وزوجها «حمدى» من المكفوفين، بل وهبهما القدر 3 أبناء، جميعهم من المكفوفين، دون أن يكون ذلك عائداً لأى أسباب وراثية، بحسب قولها، «كنت بتعامل مع أولادى إنهم ما ينقصوش حاجة عن أى بنى آدم، وعلمتهم إن مفيش حاجة اسمها كفيف ومبصر ومفيش فرق بينهم».
 
السيدة المثابرة لم تغب عن مشهد «المذاكرة» لأولادها، فها هى تتعلم القراءة والكتابة بطريقة «برايل» المخصصة للمكفوفين من أجلهم، ثم تساهم مع عدد من السيدات الكفيفات فى إنشاء جمعية خاصة باسم «قاهر الظلام»، لمساعدة أبنائها وغيرهم على استذكار دروسهم بمساعدة عدد من المدرسين الذين كانوا يقرأون للمكفوفين كافة ما يحتاجونه لدروسهم، أما عن ملابسهم فأبنائى «أشيك ولاد المدرسة».


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter