عساسي عبدالحميد – المغرب
من النصائح الخطيرة التي لا تقدر بثمن أو بكنز هي تلك التي أعطاها الأمريكان إلى تنظيم الإخوان الدولي سنة 1953على هامش القاء الشهير الذي جمع الرئيس الأمريكي "إيزنهاور" بفريق منهم كان على رأسه "سعيد رمضان" صهر الزعيم الروحي "حسن البنا" وهي أن يتجدروا بمؤسسات الدولة المصرية و يزرعوا لهم أتباعا مخلصين بمختلف الأجهزة السيادية و القطاعات الحيوية والوزارات....
ومنذ ذلك الحين أي اللقاء الأول ب ايزنهاور لم تكل ولم تمل ماكينة تنظيم الإخوان الدولي إعلاميا وماليا و دعويا وسياسيا وطزيا " نسبة لبديع الزمان الطزاني " ، و لم تبخل مصادر تمويلهم والتي زادت سخاء وأريحية ابان الطفرة النفطية الأولى والثانية من تطبيق نصيحة إيزنهاور ، فالدين النصيحة كما جاء في المأثور النبوي.. وطيلة هذه المدة ظل تنظيم الإخوان يعمل على تأطير وتكوين أتباع له يصرف عليهم في دراساتهم العليا سواء بمصر او بالخارج ويتم زرعهم بمختلف مؤسسات الدولة بما فيها الجيش و الداخلية والمخابرات....
= "سعيد رمضان" كان أحد أبرز قياديي الإخوان المسلمين بمصر على مر التاريخ ، ففضلا عن منصبه الهام داخل التنظيم كممثل للإخوان بالخارج وذراعهم السياسي وفضلا عن كونه أحد المؤسسين البارزين لرابطة العالم الإسلامي التي رأت النور بمكة عام 1962 ومشارك في حرب 1948 ، فقد كان أيضا صهر الإمام حسن البنا ( زوج ابنته ) مؤسس حركة الإخوان(...)
وهو على فراش الموت أخبر "سعيد رمضان" من أحاط به في تلك الساعة الرهيبة أنه كان يتمنى أن يوارى الثرى بالمدينة المنورة بالسعودية ( وهابستان ) !!؟؟ وهنا تحضرني قصة غريبة بطلها يهودي مغربي أمازيغي حضره الموت فخاطب أبناءه وأحفاده الذين حضروا لتوديعه لمثواه الأخير قائلا: أي أبنائي ، (( كم كنت أتمنى أن أدفن ب " ايريتز اسرائيل " أي أرض اسرائيل!!...)) و هو الذي لم تعبر قدماه قط نهر ملوية، بل أجداد أجداده مغاربة أقحاح منذ أكثر من عشرين قرنا ، وها هو يتمنى لو يدفن بأرض غير أرضه!!! ؟؟؟... وهذا حال صاحبنا القيادي الاخواني المصري سعيد رمضان" عندما توفاه الله في صيف 1995 بسويسرا، تمنى هو الآخر بأن يدفن بالبقيع بالسعودية عوض أن يكون له قبر بجوار الأهرامات وعظماء مصر !!؟؟... وهذا يظهر انه لا وفاء للتنظيم لوطن بعينه فالوطن عندهم هو الدين والخلافة أيا كانت عاصمتها سواء بماليزيا او السعودية أو كابل.
= "سعيد رمضان" وهو قاب قوسين أو أدنى من أن يسلم الروح لباريها أسر للمقربين إليه من أهله ومعارفه بأمر لا تقل خطورته عن رغبته و تفضيله أرضا على أرضه لتضم جسده بعد الممات، قال سعيد رمضان قبل أيام قليلة من وفاته: (( أن باب التطبيع مع الغرب و أمريكا على الخصوص هو الطريق الأسلم لاختراق شعوبها و أسلمتها بالكامل وهذا كله بالموازاة مع العمل دوما على استقطاب أغنياء المسلمين من كل بقاع الدنيا للتنظيم من أصحاب الأملاك و العقارات والشركات لحاجة الدعوة والجهاد إلى المال ....))
= هناك إحصاءات مغلوطة تعمد جهاز المخابرات ال " سي - آي – آيه" تسريبها في بداية الخمسينيات من القرن الفارط، و حرص الأمريكان أشد الحرص على وصولها بين يدي صهر الإمام حسن البنا وحرصوا كذلك أن ينجحوا في أن يصدقها قادة التنظيم تصديقا لا يتزعزع وكانت المعلومة الفخ بمثابة الشراك الذي أوقع تنظيم الإخوان في عمالته لأمريكا منذ ذلك اليوم إلى الساعة التي تم القبض فيها على الرئيس المعزول "محمد مرسي" ، وهذه الأرقام المغلوطة مفادها أن نسبة تزايد المسلمين بالولايات المتحدة وخاصة بين السود والمنحدرين من أمريكا اللاتينية تعرف ارتفاعا مضطردا وأن أمريكا ستصبح خلال قرن على أقصى تقدير بلدا بأغلبية مسلمة ....
هذه المعلومة القيمة والتي تعد بمثابة غنيمة أسالت لعاب قيادة الإخوان واستحسنتها كذلك المؤسسة الدينية الوهابية بالسعودية وولي العهد السعودي أنذاك "سعود بن عبدالعزيز" الذي كان وقتها ينوب عن أبيه الملك الرسمي المريض "عبدالعزيز بن عبدالرحمان آل سعود" هذا الأخير أوصى ابنه ولي عهده بمساعدة اخوان مصر لتمويل أنشطتهم خارج دار الإسلام أي ب "دار الكفر" وكان حاضرا في هذا الاجتماع الارهابي الكبير الشيخ عبدالعزيز بن باز الذي كان مدرسا لأصول الفقه والتوحيد والحديث في المعهد العلمي بالعاصمة الرياض، وهذا ما شجع تنظيم الإخوان على الإبقاء على شعرة معاوية بينه و بين العم السام فكان لقاء الرئيس الأمريكي" أيزنهاور" ب "سعيد رمضان" صهر الامام البنا سنة 1953 على هامش اجتماع" أيزنهاور" بفعاليات إسلامية بارزة من مختلف العالم بغية التسويق لأمريكا بصفتها راعية للحريات والمعتقدات وبكونها تنظر بعين التقدير والاحترام للدين الإسلامي
= كل هذا شجع سعيد رمضان على المضي في طريقه واشتغل على فتح فروع المركز الإسلامي في كل من سويسرا و انجلترا و ألمانيا بتزكية ومباركة من حكوماتها وتشجيع واشنطن على ذلك بل وبمساهمات مالية تحت الطاولة وتسهيلات لوجستيكية وإدارية كانت من ورائها واشنطن والسعودية ، فواشنطن كانت ترى في الإخوان المسلمين أنسب تنظيم يجب التعامل معه لتحقيق أهدافها ، أولا لتأطير الجماهير وتدجينها كمرحلة أولى وهذا ما حدث ابتداء من الخمسينيات من القرن الماضي ثم تمكين الاسلاميين من الحكم كمرحلة ثانية وهذا ما جاءت به زوابع ربيع الهدم العربي، ثم تأتي المرحلة الثالثة وهي خراب الشرق الأوسط و شمال افريقية بعد فشل الإسلاميين في تحقيق أماني ومطالب شعوبهم وهذا سيمهد الطريق لمعاول و حفارات العم سام لكي تعمل وتضمن مواطئ قدم للمقاولات الأمريكية ...
= أمريكا كانت تعلم جيدا أن الإسلام السياسي الحاكم سيمنى بفشل ذريع، فعقلية الإسلاميين اتكالية وقدرية ولعل أبلغ تلخيص لهذه العقلية الاتكالية الكسولة يمكن اختزالها في هذا الحديث النبوي من صحيح مسلم ، قال صلعم : (( يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر في الرحم بأربعين أو خمسة وأبعين ليلة، فيقول يارب، أي الملاك يسأل الله...أشقي أم سعيد ؟ فيكتب ، فيقول أذكر أم أنثى ؟فيكتب ،و يكتب عمله و أثره و أجله ورزقه، ثم تطوى الصحف فلا يزاد فيها و لاينقص ، ))...
هي عقلية ميالة إلى التعبد و التهجد منها إلى العمل الجاد المنتج الذي يدير عجلة التنمية ويجلب الرخاء للمواطنين، فلا غرابة ان رأينا علماء المسلمين الكبار يؤمنون بأن الله قد سخر للمسلمين النصارى واليهود وغيرهم من الملل و النحل لخدمة أمة الإسلام وما علينا نحن سوى التفرغ للصلاة والعبادة و هذا كلام كان يردده دائما مفتي السعودية الهالك عبدالعزيز بن باز أحد مؤسسي رابطة العالم الإسلامي إلى جانب" سعيد رمضان" سنة 1962 ... كان "ديفيد أيزنهاور" و غيره من ساسة أمريكا على اطلاع بمضمون هذه الأحاديث النبوية المروية التي كانت تترجم لهم وتوضع على رفوف مكاتبهم وكانت هذه الترجمات سواء تعلق الأمر بحديث نبوي أو آية قرآنية مثيرة للجدل أو فتوى عالم اسلامي أو قولة مأثورة لأحد الصحابة أو السلف الصالح .......
= كانت هذه الترجمات تعد لهم بعناية فائقة من طرف مصالح وفروع السفارات الأمريكية بالبلدان الاسلامية التي كانت من مهامها الوقوف عن قرب عن أعراف وتقاليد المجتمعات الاسلامية و وتاريخها وعقائدها وخصوصياتها ، وهكذا اقتنع الأمريكان قناعة تامة بأن الإخوان المسلمين بارعون في خلق أوقات ميتة لملايين من البشر في الفرائض والنوافل وحلقات الجوامع التي تحض المسلمين على ازدراء هذه الدنيا اللعوب التي لا تساوي جناح بعوضة والاستعداد للآخرة والفوز العظيم بالتعبد وذكر الله والجهاد في سبيل اعلاء كلمته، هذا هو مصب اهتمامهم عوض الاهتمام بالعنصر البشري وجعله في صلب التنمية وإشراكه في تدبير الشأن العام والاهتمام بالعلوم ... و بأنهم لو تسلموا مقاليد الحكم سيرمون بشعوبهم نحو المهالك ، لقد عملت أمريكا على استخدامهم ضد جمال عبدالناصر التي كانت ترى فيها تهديدا لمصالحها في المنطقة و استعملتهم كذلك ضد المد الشيوعي الملحد العدو المشترك ..
= في الآونة الأخيرة تغير موقف السعودية من اخوان المسلمين رأسا على عقب ودعمت الجيش المصري، وموضعت الاخوان في خانة التنظيمات الإرهابية الى جانب النصرة... وداعش... و حزب الله ... والحوثيين... وتنظيم القاعدة بجزيرة العرب واليمن والعراق ....!!؟؟ والعارف بطبيعة النظام السعودي يدرك لأول وهلة أنه تكتيك تــقوي يدخل في اطار النفاق الحلال كجزء من استراتيجية جهادية تعتمده المؤسسة الوهابية أحد أذرع الحكم بالسعودية ....فلماذا إذن كل هذا الخوف السعودي من الاخوان المسلمين؟؟ ألم تخرج من عباءتهم أعتى الحركات الارهابية التي نهلت من معين الوهابية ؟؟ من أمثال القاعدة وداعش و أخواتها و الأكثر تشددا و عنصرية وفاشية من تنظيم الإخوان المسلمين ؟؟ بل هم رأس الارهاب وخدامه أعني النظام السعودي....
والى يومنا هذا ما زال للتنظيم أتباع مخلصون بمختلف مؤسسات الدولة بما فيها الجيش، وما المخطط الانقلابي الأخير في هذه السنة الذي كان يهدف الى عزل الرئيس السيسي والاطاحة به ومحاكمته وما هي الا بتدبير خلاياهم بالجيش بدعم وتمويل من غاز قطر المسال.
Assassi_64@hotmail.com