الأقباط متحدون - الإعلام المفترى والمفترى عليه؟!
أخر تحديث ١٤:٠٧ | الثلاثاء ١٠ نوفمبر ٢٠١٥ | ١ هاتور ١٧٣٢ ش | العدد ٣٧٤٢ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

الإعلام المفترى والمفترى عليه؟!

عبد المنعم سعيد
عبد المنعم سعيد

تركت الولايات المتحدة إلى القاهرة بينما انعقدت نية المرشحين للرئاسة عن الحزب الجمهورى (١٦ مرشحا) على عقد اجتماع للقمة بمدينة نيويورك لمواجهة ما سمى «الحرب الإعلامية» على المرشحين الجمهوريين. كان قد انعقد قبل يوم (الأربعاء ٢٨ أغسطس) المناظرة الثالثة بين الطامحين لمقعد الرئاسة، وتولى إدارة المناظرة شبكة سى.إن. بى. سى CNBC التليفزيونية. بشكل ما خلص المناظرون إلى أن الشبكة لم تكن تدير مناظرة بين المرشحين وإنما كانت تتصيد لهم الأخطاء، وتضعهم موضع السخرية، وكل ذلك لصالح الحزب الآخر (الديمقراطي) ومرشحته هيلارى كلينتون التى حصلت على كثير من التصفيق الإعلامى بعد تصديها للجنة خاصة من مجلس النواب الأمريكى استمرت ١١ ساعة فيما يتعلق بحادث وفاة أربعة من الدبلوماسيين الأمريكيين فى بنى غازي- ليبيا كان من بينهم السفير الأمريكى. تصاعدت الهجمة الكبيرة على الإعلام خلال الساعات التالية فى تصريحات السياسيين الجمهوريين، وفى الشبكات التليفزيونية ذات الميل الجمهورى (شبكة فوكس فى المقدمة). كانت وجهة النظر السائدة هى: أن هناك ميلا ليبراليا يساريا لدى «المؤسسة الإعلامية» الأمريكية فى عمومها ومن ثم هناك عداء «طبيعي» لليمين المحافظ. نتيجة ذلك فإن المطلوب هو ألا تقوم أى من شبكات «المؤسسة» بإدارة مناظرات جمهورية خاصة خلال فترة الإعداد للانتخابات التمهيدية.

ما إن تركت مطار «لوجان» فى مدينة بوسطن مساء الجمعة (٣٠ أكتوبر) وأصبحت معلقا بين الهواء والهواء، وبات متاحا فتح الأدوات الإلكترونية، حتى سارعت إلى كتاب «بوب وودورد» الأخير «آخر رجال الرئيس»، ولمن لا يتذكر فإن المؤلف ومعه صحفى آخر هو كارل برنستين كانا هما اللذان فجرا فضيحة ووترجيت التى قادت فى النهاية إلى استقالة ريتشارد نيكسون ومعها كان كتاب «كل رجال الرئيس». الكتاب الحالى كان عن ألكسندر بترفيلد نائب رئيس موظفى البيت الأبيض فى إدارة نيكسون، والرجل الذى أفصح للكونجرس عن التسجيلات الإلكترونية فى مكتب الرئيس، وكانت إحدى أدوات إدانته. الأمر الهام هنا هو أن الرئيس الأمريكى منذ اللحظة الأولى لتوليه الرئاسة كان يرى الإعلام خصما كبيرا معاديا للجمهوريين من ناحية، ومثبطا للشعب الأمريكى أمام تحديات كبيرة تتعلق بالحرب الفيتنامية، والأوضاع الاقتصادية للبلاد، وبشكل ما فإن الإعلام بدا لدى الرئيس جماعة من المثقفين المنفصلين عن الشعب. وجهة النظر هذه لم تكن شائعة لدى نيكسون وحده، وإنما لدى كل الرؤساء الجمهوريين، ربما مع استثناء رونالد ريجان إلى حد ما. والحقيقة أن مثل هذا الموقف المختصم من الإعلام لم يكن أبدا جمهوريا، وإنما كان ديمقراطيا أيضا، وما عليك إلا أن تنظر فى مذكرات كارتر حتى تجد أن سبب قضائه فترة رئاسية واحدة كان راجعا للإعلام؛ وكذلك سوف تجد لدى كلينتون بعضا من المرارة رغم أنه حصل على الشعبية الكاسحة حتى فى أكثر لحظاته السياسية حرجا!. فى مصر فإن الحساسية بين الرئيس والإعلام كثيرا ما كانت حاضرة، ورغم اعتبار أن أكثر الرؤساء المصريين سعادة بالإعلام كان الرئيس جمال عبدالناصر، فالواقع أنه لم يكن هناك إعلام، وكانت الأزمة كبيرة حتى ولو كانت ساكنة بينه وبين «المثقفين» وهم جماعة مختلفة عن الإعلاميين وأكثر اتساعا. الرئيس السادات كان أكثر حساسية فاتهمهم «بالرذالة»، أما الرئيس مبارك فترجم غضبه إلى قانون عام ١٩٩٥ واحتاجت الجماعة الصحفية عاما كاملا حتى تعود الأوضاع- غير السعيدة- إلى ما كانت عليه. وعندما سألت أحد وزراء الرئيس عن أهم أسباب الإطاحة به، كانت إجابته قاطعة: الإعلام. ما أتى بعد ذلك لم يختلف كثيرا لا فى زمن حكم المجلس العسكرى، ولا فى وقت الإخوان المسلمين، الذين كانوا وما زالوا على عداء قاطع مع من يسمونهم «عبيد البيادة».

وصلت إلى القاهرة مساء السبت (٣١ أكتوبر) وكان الرئيس السيسى قد ألقى خطابه فى الندوة التثقيفية للقوات المسلحة؛ ورغم الأهمية الكبيرة للخطاب وما تعلق بالأوضاع الداخلية والخارجية للبلاد، فإن الجمل التى خص بها الإعلام لفتت النظر. كان الإعلام متهما بتهمتين: التثبيط والتجاوز، الأولى تخص المجتمع، والثانية تخص الرئيس. فى الحقيقة والجوهر لم يكن المناخ فى القاهرة مختلفا كثيرا عما كان عليه الأمر فى أمريكا وإن اختلفت التفاصيل والموضوعات؛ ومع ذلك فإن الأمر فى مصر أكثر أهمية وخطورة بحكم المرحلة والظروف. كان واضحا ثلاثة أمور: الأولى أن وظيفة الإعلام تبدو غامضة بالنسبة للسياسى صانع القرار، وأحيانا فإن تقاليد تاريخية طويلة كانت تضع التبرير على حساب التفكير. والثانية أن وظيفة السياسى لم تكن جلية دوما للإعلامى الذى يبحث دائما عما هو مفقود على حساب ما هو موجود، فتبدو الإنجازات متواضعة، بينما الإخفاقات ضخمة، وتتفاقم الحالة خلال المراحل الانتقالية القلقة. والثالثة أن السياسى صانع القرار، والإعلامى، لا يستطيعان البعد عن بعضهما، فالأول صانع الخبر، والثانى هو أداته إلى الجمهور العريض، ولا يمكن تفادى درجة مشروعة من التوتر الطبيعى بين من يملك الحقيقة التى يصنعها، والذى لا يقبل بنقص فيها؛ والطرف الآخر الذى عليه أن يوزعها على الجماهير حافلة بالتدخلات الحريفة التى تجذب النظارة. ويصبح هذا التوازن ضروريا إذا كان كلاهما جزءا من تحالف وطنى عريض صنع فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ بات يستند إلى دستور ٢٠١٤.

ما يجعل هذا التوتر مقبولا، بل ومفيدا، هو أن نعرف أنه لا توجد مسألة شخصية أو مهنية بين السياسى والإعلامى، وإنما الأساس فى الموضوع هو «المعلومات». الإعلام دائما كان وحشا كبيرا لا يكف عن التهام المعلومات والمعرفة، والآن ومع التطورات التكنولوجية بات الوحش كاسرا. ولأن ذلك بات معروفا، فإن النظر إلى الدول التى سبقتنا مفيد لأن الساسة فيه تعرف كيف تغذى بالمعلومات الكثيرة هذه الآلة الجهنمية، وعادة ما يأخذ ذلك مرحلتين: إفشاء القرار أو وجهة النظر أو الإستراتيجية الجديدة وهذه يقوم بها الرئيس، وما بعدها هناك ما يسمى الانتشار أو Spin وهذه تتم فورا فى البرامج التليفزيونية والمقالات الصحفية والظهور فى أروقة المجالس النيابية ومراكز البحوث والدراسات. للأسف فإن هذه الوسائل غير موجودة فى مصر، ولا أفهم لماذا يكون اختيار سفراء وزارة الخارجية متحدثين باسم الرئيس أو رئيس الوزراء وهؤلاء تدريبهم قائم على الكتمان أكثر من الإفصاح؛ ولماذا لا نجد وراء القرارات أو المشروعات من يشرحها ويفسرها؟ ببساطة فإن هناك فجوة معلومات هائلة حول تطورات كثيرة فى البلاد ربما يرجع بعضها إلى أن أمورا كثيرة لا تزال فى دور التحضير والتصنيع، ولكن ذلك فى حد ذاته معلومة وخبر يقال ويشرح ويفسر من قبل الذين يعرفون فى الإعلام لأن الأمر لا يتحمل الدبلوماسية. الإعلاميون من ناحيتهم لا بد وأن يعلموا الدرس الأول فى الإعلام أن «الملافظ سعد»؛ والدرس الثانى أن أسوأ ما يفعله الإعلامى أن يتحول إلى سياسى يحكم ويشرع ويضع للرئيس جدول أعماله؛ والدرس الثالث يتحمله كل من السياسى صانع القرار والإعلامى معا لأنه يتعلق بالمستقبل الذى به ساحة واسعة لمناقشة الحاضر، لأن هناك توجد الأهداف العليا للبلاد فى الحداثة والتقدم، ومن يعرف ربما الديمقراطية أيضا. كيف نصل إلى هناك؟!.. «تلك هى المسألة»!!
نقلا عن المصري اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع