الأقباط متحدون - ثنائية «العلو والفساد»
أخر تحديث ١٤:٠١ | الثلاثاء ١٠ نوفمبر ٢٠١٥ | ١ هاتور ١٧٣٢ ش | العدد ٣٧٤٢ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

ثنائية «العلو والفساد»

د.محمود خليل
د.محمود خليل

يقول الله تعالى: «تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِى الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ»، أراد الله عز وجل أن يلخِّص بهذه الآية القرآنية الكريمة الدرس والعبرة التى يمكن الخروج بها من قصة «قارون»، وهو واحد من أكثر الشخصيات ثراء وامتلاكاً وامتلاء فى التاريخ البشرى، تشتمل الآية على ثنائية تستطيع أن تفسر لك الأداء البشرى الذى يؤدى إلى الفلاح أو الهلاك فى كل زمان ومكان، وهى ثنائية (العلو والفساد)، كل إنسان يبحث فى هذه الحياة عن العلو، لكن ثمة فارقاً كبيراً بين تحقيقه أو إنجازه بالاجتهاد والسعى المشروع، والوصول إليه عبر امتطاء قارب الفساد.

السعى المشروع إلى العلو لا بد أن يبرأ من آفتين، الأولى فساد الأدوات، والثانية الكبر. سلامة الأدوات تقتضى أن يتسلح المرء بالاجتهاد النظيف فى سبيل تحقيق ما يسعى إليه من أهداف، وألا يداخله اليأس فى اللحظات التى يشعر فيها أن سعيه لم يحقق المرجو منه، انطلاقاً من إيمانه بأن هناك إلهاً عادلاً موجوداً لا يضيع أجر من أحسن عملاً. يقول الله تعالى: «وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى». وعن براءة العلو من الكبر فحدِّث ولا حرج، فالتحقيق يجب ألا يقود المرء إلى حالة كِبر، ذلك هو نمط العلو الذى ميَّز فرعون مصر -على سبيل المثال- حين وصفه الله تعالى فى قوله: «إِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِى الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ». الإنسان المتزن هو الذى يكتسب علوه من عطائه، وليس مما يأخذه من الآخرين، سواء بالحق أو بالباطل.

تعالَ بعد ذلك إلى العلو الذى يسلك صاحبه مسالك الفساد، وستجد أن صاحبه يسعى بكل ما أوتى من قوة إلى أن يجعل نفسه فوق البشر جميعاً، يرى أنه أفضل منهم، وأقدر عليهم، ويصل الإنسان إلى قمة السفه فى هذا السياق، عندما يجرى منه الكبر مجرى الدم من العروق. لقد حدد لنا القرآن الكريم المؤشر الدال على الوصول إلى هذه المرحلة التى يعقبها الهلاك فى قصة «قارون»، حين خرج على قومه فى زينته، فنصحه بعضهم كما يحكى القرآن الكريم بالقول: «وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِى الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ». فماذا كان رده على من نصحوه؟. يقول الله تعالى: «قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِى». هنا يظهر المؤشر الدال على وصول العالى المتعالى إلى منصة الهلاك، أن يظن الشخص الذى علا على البشر جميعاً عن طريق الفساد أنه أصبح فوق الجميع، لأنه الأذكى والأعلم.

آيات الله فى خلقه تظهر أمام البشر فى مواقف عدة وأحوال متنوعة، والعاقل من وقف وتأمَّل، وفهم وتعلَّم، وحاول أن ينجو بنفسه من تلك الثنائية المهلكة (العلو والفساد). ومنذ ثورة يناير 2011 ونحن نشاهد ونعاين الكثير من الآيات التى تتدفق حولنا.. فكم منا تعلَّم؟!.
نقلا عن الوطن


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع