ربما يتذكر من عاصروا فترة السبعينات بحور المجارى التى كانت تحتل العديد من شوارع وحوارى وأزقة المناطق الشعبية، كانت السلطة حينذاك تتعلل، بأنها تسلمت دولة خربة من السلطة التى سبقتها. حوّلت هذه الأزمة المواطنين إلى بهلوانات، يتنافسون فى مهارة القفز فوق قوالب «الطوب» التى كانت الوسيلة الوحيدة للعبور الآمن. والويل لمن كان يخونه توازنه ويختل ليسقط فى بحر المجارى، ويصرخ باحثاً عن إنقاذ!. وأذكر جيداً أن المسئولين كانوا يردون على الأهالى الشاكين من هذه المشكلة بعبارة واحدة «خريطة المجارى ضائعة» منذ خروج الإنجليز من مصر، فى إشارة إلى أن شبكة الصرف الصحى نشأت منذ عهد الاحتلال. ويعنى ذلك أن الأمر تطلب عقوداً طويلة لتفسد شبكة الإنجليز وتشخص أزمة الصرف الصحى خلال عقد السبعينات.
قبل أن يرحل الرئيس «السادات» -رحمه الله- كان هناك مشروع كبير لتطوير شبكة الصرف الصحى، وأظن أن هذا المشروع تواصل فى عصر «المخلوع» طوال حقبة الثمانينات، والمفترض أنه بدأ فى العمل فى ما بعد، ويعنى ذلك أن عمر الشبكة الجديدة كان طفولياً إلى حد كبير، قياساً إلى الشبكة التى أنشأها الاحتلال، التى وُلد ورحل مصريون وهى قيد العمل، دون أن تظهر منها مشكلات حادة، وقد هلكت بفعل الزمن، ونتيجة الزيادة فى أعداد المستخدمين، جراء الزيادة السكانية. ولست أدرى سبباً للعمر القصير الذى ميّز العديد من مشروعات البنية الأساسية التى دُشّنت فى عهد «المخلوع» سوى الفساد، إذ اعتمد تمويل هذه المشروعات على قسمة ضيزى بين متطلبات المشروع وجيوب المسئولين عنه والمنفذين له!
المشهد المزعج الذى تعانى منه العديد من القرى والمدن والمحافظات حالياً نتيجة عجز شبكات الصرف الصحى عن هضم مياه الأمطار، ليس جديداً، لكنه يتفوّق على مشهد بحار المجارى فى السبعينات تفوقاً كمياً ملحوظاً. وقد تسببت صرخات البشر بالشكوى، بعد سقوط قتلى بالغرق والصعق، وزيادة عدد المفقودين، جراء تجريف السيول التى لم تجد مسالك للتصريف، فى تحرك الرئيس لاستطلاع المأساة عن قُرب، وكان قراره بتخصيص مليار جنيه من صندوق «تحيا مصر» لرفع كفاءة شبكة الصرف الصحى، داخل المحافظات المنكوبة، خصوصاً الإسكندرية والبحيرة. وحدد «السيسى» للمسئولين مدة 10 أيام لحل هذه المشكلة. ولست أدرى فى حقيقة الأمر على أى أساس حدّد الرئيس هذه المدة، وأهل الاختصاص فى هذا المجال أولى بالفتوى، لكننى لاحظت أن الكثير من الوزراء المسئولين عن أسعار السلع بالأسواق قد خرجوا علينا بتصاريح ووعود وجولات أمنية، بعد قرار الرئيس خفض أسعار السلع نهاية هذا الشهر، فى حين لم أسمع المسئولين عن ملف الصرف الصحى يتحدّثون عن إجراءات اتخذوها أو بصدد اتخاذها لحل المشكلة فى الموعد الذى حدّده الرئيس (عشرة أيام). عموماً لو تم إنجاز هذا الهدف فى الموعد المحدّد له، فسيكون إنجازاً حقيقياً جديراً بالاحترام، لكننى أخشى أن يكون الأمر صعباً، أو يستحيل تحقيقه فى هذه المدة، وهو ما سيعنى أن الكلام عندنا «ماعليهوش جمرك»!
نقلا عن الوطن