فاروق عطية
بعد مرور عام من فترة رياسة السيسي كتبت مقالا بعنوان "يا خوفي يا بدران" عددت فيه الأخطاء التي حدثت خلال هذا العام, ولأني أحب هذا الرجل حذرته من تآكل شعبيته وتقلص حب الناس له, خاصة أقباط مصر المسيحيون الذين كانوا أول الداعمون له, فلم يحصلوا علي أدني الرعاية التي يستحقون والتي كانوا يأملون من تحقيقها في عهده, ولكن للأسف استمرت المعاناة كما هي بل زادت وتيرتها لعدم تحجيم أو ربما لإطلاق يد حزب النور السلفي خاصة في الصعيد وبالأخص في المنيا وبني سويف وسوهاج.
وحدث ما توقعته وظهرت بوادره جلية واضحة في انتخابات البرلمان "مجلس النواب"وهي آخر مستحقات خارطة الطريق لدمقرطة مصر. وكان الإقبال علي التصويت ضعيفا لدرجة غير مسبوقة, وهو مؤشر واضح علي تأكل شعبية الرئيس عما كانت عليه قبل توليه الرياسة, وهو جرس انذار نرجو أن يعيه السيسي ولا يسمع لجماعة السوء من حوله الذين يروجون ويزينون له أن يكون عبد الناصر هذا الجيل وهو أبدا لن يكون, وليس ذلك لعظمة عبد الناصر ولا لعبقريته ولكن لاختلاف ظروف عبد الناصر عن الظروف الآنية. قد يتشابهان كونهما آتيان من خلفية عسكرية فقط ولكن ظروف كل منهما تختلف.
في عصر عبد الناصر كانت في مصر نخبة لن يجود الزمان بمثلها في كل المجالات أمثال طه حسن ومحمود عباس العقاد ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ولويس عوض واحسان عبد القدوس والأخوان علي ومصطفي أمين والأخوان أبو الفتح ومحمد عبد الوهاب ورياض السنباطي ورياض القصبجي وأم كلثوم وغيرهم العشرات من العباقرة والأفذاذ الذين غيبهم عبد الناصر بالسجن أو بالترويع فآثروا الصمت علي مضض, إضافة لإجهازه علي طبقة الساسة جميعا بمحاكمات هزلية أقعدتهم عن العمل السياسي حتي أتت منيتهم دون إمكانية ظهور سياسيين إلا من طبقة العسكر أوالموالين الفاشلين, كما كانت الظروف العالمية وبُطء انتشار الخبر عالميا لضعف امكانيات الميديا عما هي عليه اليوم أعطي لعبد الناصر صيتا ورواجا زائفا وجعل منه بطلا من ورق حتي داهمته إسرائيل في حرب يونيو 1967 رغم أنه البادئ بنشر جيوشه علي الحدود فوقف عاجزا عسكريا وسياسيا وحصدنا هزيمة مُرّة ومنكرة أسميناها من باب اللطف أو الرفض أو ربما للسخرية بالنكسة.
أما في هذه الأيام الغبرة فلا نخبة ولا يحزنزن, فنخبتنا مجرد مطبلون ومهللون يجيدون فقط الأكل علي كل الموائد والرقص في كل الموالد ومدد يا سيدي السيسي, ولا لوم عليهم لأنهم نتاج ما زرعه عبد الباصر ومن بعده المغتال والمعزول, وهم مجرد أصفار لا يجيدون حتي التطبيل والتهليل, من أمثلتهم مصطفي بكري واحمد موسي ووائل الإبراشي وتوفيق عكاشة وريهام سعيد, وكُتّاب الصحف أكبرهم نَكِرة لا يعرفه أحد, وحكومة رئيسها ووزرائها كسر ونصف كم ويكفي أن نلاحظ عجز وزير التربية والتعليم فيها الذي يبدو أميا لا يجيد الكتابة والقراءة باللغة العربية. والميديا العالمية وثورة الاتصالات الهائلة الأن بالسرعة التي يُنقل الخبر فيها عالميا ربما قبل أن يحس يه البعض في نفس مكان الحدث, والإنترنت وما أدراك بالإنترنت والفيس بوك الذي ينتشر ويستطيع ويقدر حتي علي التخطيط وإثارة الثورات. هذه الظروف الآنية بعنفوانها تجعل من المستحيل أن يكون السيسي عبد الاناصر الجديد, ولا يمكن أن تعيدنا إلي الوراء لعصره عشرات السنين مهما هلل المهللون وطبل المطبلون.
ولعدم اقبال الجماهير علي التصويت أسباب عديدة منها غموض العملية الانتخابية بين قوائم وفردي بطريقة سمك لبن تمرهندي التي لم يألفها الشعب المصري ذو الاغلبية الأمية أومنخغضي مستوي التعليم, حتي المثقفون والمتعلمون لم يفهموا طريقتها فآثرت الأعلبية الإحجام والانضمام لحزب الكنبة.
أيضا كان لوضوح رأي السيسي وإشادته الدائمة في كل مناسية بوطنية حزب النور والذي تراه الجماهير مماثلا لجماعة الإخوان المحظورة بل أشد تطرفا وخطرا وليس من المقبول سيطرتهم علي الحكم من جديد لنعاني مرة أخري من سفالاتهم ووقحاتهم وفجاجتهم وقد أنهكت قوانا ثورتين مما يجعلنا غير قادرين علي القيام بثورة ثالثة لإزاحتهم. وبالنكوص عن التصويت رسالة صريحة للسيسي تقول له أنت من أيدهم وترك لهم الحبل علي الغارب وإذا كنت تنوي تسليمهم الحكم كما فعل المجلس العسكري الذي سلم الحكم للأخوان, فأنت أول من سيعاني, ولأنهم أكثر تنظيما من الأحزاب المبعثرة القوي قد ينجحون ويمثلون الأغلبية وأنت في النهاية من سيتحمل عاقبة ذلك وربنا يهني سعيد بسعيدة. فقط نذكرك أننا عندما خرجنا فى 30 يونيو بالملايين لم نخرج ضد الإخوان فقط بل خرجنا ضد كل أشكال الإسلام السياسى، خرجنا ضد كل سماسرة وتجار الدين، لم نتوقع أن نخرج من حفرة الإخوان لنقع فى دحديرة السلفيين, ولكن الحمد لله والشكر للأقلية التي صوتت في المرحلة الأولي وكانت عند حسن الظن وفشل حزب الظلام فشلا زريعا, ونتعشم أن تكون المرحلة الثانية بهذا الوعي.
كانت الجماهير المطحونة تتوقع بعض التحسن في المعيشة في عهد السيسي ولكن رغم زيادة الضرائب وتقليص الدعم وارتفاع الأسعار, هم مستعدون لتحمل المزيد من المصاعب الاقتصادية لكن بشرط أن يروا نظام حكم له أولويات واضحة وخيارات محددة، وإجابات واحدة وحاسمة لتساؤولات حائرة, هل نظام الحكم أو السلطة تريد دولة مدنية أم دولة دينية أم هي مدنية بمرجعية دينية أو بمعني أوضح دولة بزرميط ؟ هل هى تريد دولة تحترم المواطنة أم دولة الأغلبية ولا حقوق للأقليات؟..ولم تجد الجماهير أي إجابات.
كانت المرأة طليعة ثورة 30 يونيو لكنها الآن لا تري نتيجة جهدها بل سُلط عليها شيوخ السلفية الذين لا يرون للمرأة حقوقا بل هي عورة يجب حجبها عن العيون, وأحاطوها بفتاوي نكاح الجهاد ونكاح الميّتة للوداع وزواج القاصرات حتي سن التاسعة وإرضاع الكبير حتي يجوز له الاختلاط بها في العمل وهم لا يرون بأسا من عرضها في سوق النخاسة ويا لها من مكاسب حصلن عليها !
لا يستطيع منصف إنكار دور أقباط مصر المسيحيين في كل الأحداث الوطنية خاصة ثورتي يناير ويونيو لكنهم لم يحصدوا غير العلقم وجزاء سنمار, لم تتحرك الدولة في عهد السيسي بتفعيل القانون ضد من أحرقوا الكنائس والبيوت الممتلكات والحقول بالفعل أو بالتحريض وجعلت اليد العليا للمتشددين ودعاة المجالس العرفية من ذوى اللحى فى قرى الصعيد الذين نصّبوا من أنفسهم وكلاء لله واستباحوا أملاكهم ونسائهم، صرخ جُلهم فى وجه الدولة التى تركتهم فى العراء نهباً لأصحاب فتاوى القتل والإرهاب، صرخوا في وجه الداخلية التي مازالت تتعامل معهم بأسلوب العادلي والوقوع فى نفس الفخ بالتحالف مع نفس الفصيل, صرخوا واستغاثوا ولا من مجيب وتحملوا التهديد بالقتل لو خرجوا من بيتهم للتصويت فأثر أكثرهم السلامة وظلوا في بيوتهم قابعون.
بدلا من اصلاح التعليم ومحاربة الغش وسرقة مجهود المتفوقين والنابغين لمصلحة أبناء الكبار الفاشلين "وهذا ما كشفته بوضوح قضية مريم التي انتهت بانتصار الخديعة والمرتشين ضد أصحاب الحق الغير قادرين علي الوقوف ضد الطغيان الذي ساد وعلا واجتاح كل السدود", وبدلا من التحقيق فيما أدلي به أحد وكلاء وزارة التعليم من استغلال المسيطرين علي كنترول الثانوية العامة من تمكين أبناء الموثرين من إعادة كتابة أجوبة الامتحان بعد دفع المبالغ الطائلة عاقبوه بخصم 500 جنيها من مرته ومنعه من الاشراف علي الكنترول, وبدلا من محاربة الدروس الخصوصيه ملّكوا المدرسين مصير الطلبه واللى حيدفع حيعدى واللى مش قادر حتضيع عليه العشر درجات وقد يضيع مستقبله, ومدد يا وزارة التعجيز
بدلا من إرساء حرية التعبير وفتح المنابر لكل صاحب رأئ سلط علي الناس قانون ازدراء الأديان ليضع تحت مقصلته كل من تسول له نفسه محاولة مناقشة ما هو في كتب التراث من آراء كانت تصلح في زمانها لكنها تحتاج للتصحيح لتناسب العصر الجديد, ورغم مطالبة السيد الرئيس بتصحيح الخطاب الديني لكن سدنة المعبد وحُراس الأصنام ما زالوا يفتشون حتي في الضمائر وداخل الصدور ليسلطوا علي من يتجاسر فتاوي القتل والتكفير, إذا نجي من وقع تحت نيرهم من حكم القضاء وقع تحت حكم المتشددين. وامتلأت أبواق الفضائيات بالطبالين والمزمرين الفاشلين أمثال مصطفي بكري واحمد موسي وريهام سعيد واختفت أصوات المعارضة الجادة الرصينة وسبحان من له الدوام.
وكان السبب الأخير لضعف الإقبال علي التصويت والذي لا يمكن التقليل من تأثيره هو تحريض من تبقي من اعضاء الجماعة المحظورة خارج السجون, هم ما زالوا يعملون تحت الآرض بتنظيم محكم وفي سرية تامة كعهدهم منذ أنشئ التنظيم حتي ما شاء الله.
أتمني أن يعي النظام الدرس ولا يسير في درب المطبلين ويدرس بعنياة أسباب عودة الناس لحزب الكنبة من جديد بعد أن انحاز الجميع لثوره 30 يونيو نساء وشباب وشيوخ في ظاهرة لم تشهدها مصر منذ ثورو 1919 لتأييد سعد زغلول. وتمنياتي أن يكون السيسي أبعد ما يكون عن شخصية عبد الناصر وأقرب ما يكون لشحصية سعد زعلول, هل من الممكن أن يكون ؟ سؤال سوف تجيب عليه الأيام وما أسرع دوران الزمان.