الأقباط متحدون - الصوت الكاسح فى الانتخابات البرلمانية: المُقاطعة!
أخر تحديث ٠٩:٥٠ | السبت ٢١ نوفمبر ٢٠١٥ | ١١ هاتور ١٧٣٢ ش | العدد ٣٧٥٣ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

الصوت الكاسح فى الانتخابات البرلمانية: المُقاطعة!

سعد الدين ابراهيم
سعد الدين ابراهيم

بلا تنسيق، أو تنظيم، أرسل ثُلثا الناخبون المصريون فى صمت رسالة مُدوية إلى نظام الرئيس عبدالفتاح السيسى، وهى الامتناع عن المُشاركة فى الجولة الأولى، وعدم الاستجابة لندائه يوم 16/10/2015 أن يُشاركوا، ثم تجاهلوا رجاءه لهم يوم 18/10/2015، بأن ينزلوا ويُشاركوا فى الجولة الثانية.

ولكى نقيس حجم التراجع فى شعبية نظام السيسى، علينا أن نستذكر ببساطة يوم توجه الرجل إلى الشعب المصرى بنداء لتفويضه فى مُحاربة الإرهاب (30 يونيه 2013). وخرج حوالى ثلاثين مليون مصرى، استجابة للنداء. ولكنه حينما فعل ذلك ثانية، بعد أقل من سنتين، راجياً إياهم أن يخرجوا للمُشاركة فى الانتخابات البرلمانية، لم يستجب له إلا نصف ذلك العدد، أى خمسة عشر مليوناً فقط. وهم بالكاد 26% ممن لهم حق التصويت.

والأسئلة التى تفرض نفسها أو ينبغى أن يسألها السيسى ورجاله: كيف ولماذا أدار لنا ثُلثا عدد الناخبين ظهورهم، ولم يستجيبوا لنداء الرئيس. ولماذا، تحديداً، كانت نسبة عدم الاستجابة بين الشباب هى الأكثر؟

إن الصوت الكاسح فى الانتخابات البرلمانية لعام 2015، هو الصوت المكتوم فى صدور أولئك الشباب. وقد اعتاد عُلماء الاجتماع أن يصفوا شباب أى مجتمع (18-40 سنة) بأنهم نصف الحاضر وكل المستقبل.

فإذا أدار نصف الحاضر ظهره للسيسى، أليس من الحكمة أن يُسارع رجل المُخابرات السابق إلى إبقاء كل المستقبل؟

إن تجارب التاريخ الحديث تقول لنا، إنه حين ينصرف أبناء أى مجتمع عن السياسة، أو يعزفون عن المُشاركة فيها، فإن ذلك يكون مؤذناً «بالفاشية».

وتعنى الفاشية حرفياً، من أصلها اللاتينى، فأساً كبيراً تُحيط به حزمة من أعواد الحطب الهزيلة. وفى السياسة تعنى الفاشية استسلام الناس، طواعية، أو قِسراً، لحاكم، ينوب عنهم فى إدارة شؤونهم، وتقرير مصير بلدهم.

ورغم أنه قد نتج عن ذلك ارتياح مبدئى بين العامة والدهماء، فإن تسليم الأمور لحاكم فرد، يؤدى فى الأجل المتوسط إلى الاستبداد، ويؤدى فى الأجل الطويل، إلى الخراب.

ولعل أبناء جيلى يتذكرون جيداً، كيف أن الشعبية الكاسحة التى حظى بها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، بعد تأميمه لقناة السويس (1956)، وتحقيقه للوحدة المصرية ـ السورية، (الجمهورية العربية المتحدة 1958)، أدت به إلى الاستبداد بالسُلطة، ثم إلى مُغامرات خارجية، انتهت إلى هزيمة مُنكرة على يد إسرائيل عام 1967، وظلت مصر والأمة العربية تدفعان فاتورتهما طوال نصف القرن التالى.

ومن هنا لا بد للرئيس عبدالفتاح السيسى أن يفهم ويعى ذلك الدرس جيداً. وليقارن بين استجابة الشعب المصرى له حينما طلب تفويضاً لمُجابهة الإرهاب الدينى الذى شنّه الإخوان المسلمين، ومن لفّ لفهم، فخرج حوالى ثلاثين مليون مصرى يوم 30 يونيو 2013 فى مُظاهرة هى الأكبر فى التاريخ ـ مصرياً، وعربياً، وعالمياً. ولا بد أن يسأل السيسى نفسه، والمُقربين من حوله: كيف أن نداءه للمصريين عشية الجولة الأولى للانتخابات البرلمانية (16/10/2015) لم يحظ إلا باستجابة 15 مليوناً. أى أن نصف من كانوا قد استجابوا له قبل 17 شهراً، خذلوه خزلاناً مُبينا. حتى إن المُراقبين المحليين والدوليين الذين تابعوا تلك الجولة، خلصت تقاريرهم إلى أن عددا من أشرفوا على تلك الجولة، ومن تولوا حراسة مراكز الاقتراع، كانوا أكثر من الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم!

طبعاً، بررت الحكومة انخفاض نسبة المُشاركين، وحاولت تفادى ذلك فى اليوم الثانى، فأعلنت للعاملين فى القطاعين العام والخاص أنهم سيحصلون على إجازة، وأن من يتخلف عن الإدلاء بصوته، ستتم مُقاضاته وتغريمه خمسمائة جنيه مصرى. وقد ساعد ذلك قليلاً، ورفع نسبة المُشاركة، إلى 26 فى المائة ممن لهم حق التصويت.

ومع ذلك ظل هناك 74 فى المائة من الناخبين، أى ثلاثة أرباع المصريين، غائبة عن المشهد الانتخابى. وكان صوت هذا الغياب الانتخابى صارخاً مدوياً، لم يعل عليه صوت منذ ثورتى يناير 2011، ويونيو 2013.

ربما من المُبكر أن نخلص من تلك المُقاطعة الكاسحة إلى أن شعبية الرئيس السيسى قد هوت إلى أسفل سافلين. ولكن ذلك الانصراف الجماعى الكبير كان فى رأينا طلقة تحذير مُبكرة للرجل أن انتبه، فهذه المُقاطعة هى بمثابة اقتراع على الثقة، أو إذا استخدمنا لغة المُباريات الرياضية، فهى بمثابة كارت أصفر. يمكن أن يعقبه بطاقة حمراء، إذا استمر الرئيس السيسى على نفس النهج.

ولكن، هل من المنطقى أن نُخلط الشأن البرلمانى بالشأن الرئاسى؟ وألا يمكن تفسير انخفاض نسبة التصويت فى الانتخابات البرلمانية بأسباب أخرى لا علاقة لها بالرئيس السيسى؟ ومن هذه الأسباب، مثلاً، أن النظام الانتخابى الجديد الذى ينطوى على ازدواجية التصويت لمرشحين أفراد من ناحية، والتصويت للوائح أحزاب أو تكتلات حزبية من ناحية أخرى؟ وهى ازدواجية لم يتعود عليها الناخبون المصريون طوال تاريخهم البرلمانى فى المائة سنة الأخيرة؟

نعم كل ذلك وارد. ولكن، من الوارد أيضاً، وهو الأرجح، أن قطاعاً واسعاً من هؤلاء الناخبين الذين لم تتح لهم فرصة كافية للتعرف على المرشحين أو على برامجهم. وربما يلومون النظام كله، أى الذى يتربع السيسى على قمته، على ذلك التعقيد الإجرائى. من ذلك أن أصواتاً قد خرجت فى الإعلام المرئى والمكتوب تُعبر عن تخوفها من أن البرلمان قد يُعوق خطوات وبرنامج الرئيس!

كما أن أصواتاً أخرى فى نفس الإعلام، قد أشاعت أن البرلمان القادم سيكون قصير العُمر، ولن يتجاوز سنة أو سنتين، يتم فيها إقرار أكثر من مائة قانون، صدرت بمرسومات جمهورية، خلال السبعة عشر شهراً الماضية، فى غيبة الهيئة التشريعية، حيث إن إقرارها أو تعديلها أو إلغاءها هو أمر لازم لاستكمال شرعيتها وشرعية النظام. وبعدها سيتم حل البرلمان، ودعوة الناخبين لاختيار برلمان جديد. فإذا كان ذلك كذلك، فلا جدوى، إذن، من المُشاركة فى اختيار برلمان قصير الأجل، أى مقصوف الرقبة مُقدماً؟

فى كل الأحوال، ولكل من يقرأ هذا المقال، فإننى أدعو وأحض الجميع على المُشاركة فيما تبقى من الانتخابات النيابية. فهذا حق، وهذا واجب. والله أعلم

وعلى الله قصد السبيل
نقلا عن المصري اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع