(1)
فى عام 1950 عرضت الولايات المتحدة الأمريكية على مصر «شراء سيناء».. وتضمّن العرض الذى قدمته إدارة الرئيس هارى ترومان إلى الملك فاروق، الحصول على سيناء من أجل توطين اللاجئين الفلسطينيين الذين تركوا ديارهم بعد حرب 1948!
كان عرض الشراء ضمن مشروع قدّمه السياسى الأمريكى «جوردن كلاب» من أجل حل القضية الفلسطينية على حساب مصر. وقد سُمّى هذا المشروع بـ«مشروع كلاب». وهو مشروعٌ تجدّد لاحقاً بأسماء عديدة وصياغات متعدّدة.
يعترف الأستاذ محمد حسنين هيكل بأنّ الملك فاروق كان حاسماً.. وأنه رفضَ العرض الأمريكى.. ورفضَ أىّ نقاشٍ بشأن سيناء.
(2)
بعد أكثر من ستين عاماً على عرض أمريكا شراء سيناء من الملك فاروق.. تحدّث الرئيس الفلسطينى محمود عباس عن اتفاق إسرائيل وحماس على نقل ملكية أجزاء من سيناء.. من مصر إلى غزة بموافقة الرئيس الأسبق محمد مرسى!
(3)
قال الرئيس محمود عباس لإعلاميين مصريين زاروه فى قصر الضيافة فى مصر الجديدة، مؤخراً: «هناك مفاوضات الآن بين حركة حماس وإسرائيل».
كان تصريح الرئيس الفلسطينى صادماً، ومن الطبيعى أن يتساءل المرء: كيف؟ ومتى؟ وأين؟ والمدهش أن الرئيس عباس قال: إنه يعرف: متى، وأين؟.. وأنه يعرف أسماء المفاوضين. بل إنه زادَ وأوضح أن هناك مساريْن: مسار مباشر للمفاوضات بين حماس وإسرائيل، ومسار غير مباشر كان يقوده رئيس الوزراء البريطانى الأسبق تونى بلير.
(4)
لكن الأكثر صدمةً فى تصريحات الرئيس عباس هو قوله: إن المفاوضات الجارية بين حماس وإسرائيل تتضمّن دراسة مشروع اقتطاع جزء من سيناء من أجل توطين اللاجئين الفلسطينيين.. و«توسيع غزة»!
.. ثم تمضى الصّدمات: لقد جرى الاتفاق على ذلك من قبل.. ووافق الرئيس محمد مرسى عليه!
كان العرض الذى وافق عليه الدكتور مرسى هو اقتطاع (1٫000) كيلومتر مربع من أراضى سيناء لتوسيع غزة. اعترض الرئيس عباس ورفض المشروع لكنّه فوجئ بالرئيس الأسبق محمد مرسى يقول له باللهجة المصرية: «وانتَ مالَكْ»!
يقول الرئيس عباس: لولا موقف وزير الدفاع وقتها الفريق أول عبدالفتاح السيسى من المشروع، لمضى إلى حيز التنفيذ.
(5)
فى عام 1950، رفض الملك فاروق عرضاً أمريكياً لشراء سيناء، وبعد ستين عاماً رفض الفريق السيسى اتفاقاً مشابهاً.. وحافظتْ مصر فى كل عصورها على وحدة وسلامة أراضيها.
(6)
إن استمرار «مشروع كلاب» لتوسيع غزة فى سيناء.. هو أمرٌ يدعو إلى اليقظة الدائمة.. فمنذ عهد الرئيس ترومان وحتى عهد الرئيس أوباما.. والمشروع يخفُت ليظهر، ويموت ليحيا.. وينقطع ليتجدّد. والفكرة الحاكمة للمشروع.. أن غزة قد أصبحتْ دولة.. لها حدود وسُلطة، وهى «دولة بديلة» عن فلسطين.. حيث لم تعد هناك «فلسطين»، بل هناك «غزة».. وإذا كان الأمر كذلك.. وإذا كانت «دولة غزة» هى صغيرة ومحدودة.. إذن فلا بد من توسيعها.. ولا يكون توسيعها إلا عبْر جارتها مصر.. لا مجال إذن للدولة الفلسطينية الموحّدة على حدود 4 يونيو 1967.. بل «دولتان».. واحدة فى الضفة تتحمّل مسئوليتها الأردن، وواحدة فى غزة تتحمّل مسئوليتها مصر.
إنهما فى الواقع ليستا دولتيْن، بل «قنبلتان».. واحدة فى وجه القاهرة والثانية فى وجه عمّان.. ليصبحَ الصراع عربياً - عربياً، لا عربياً - إسرائيلياً!
(7)
إن فكرة الحل الإقليمى.. وأخذ أجزاء من سيناء لحل المعضلات التى سبّبتها جرائم إسرائيل.. باتتْ -للأسف- تجدُ دعماً قوياً من حركات الإسلام السياسى.. التى أصبحت تعمل بكامل طاقتها ضدّ الدولة المصرية، وتخوض بعض فصائلها حرباً إرهابية ضد الجيش.. لمصلحة إسرائيل.
إنها فيلقٌ فى جيش إسرائيل -لا فى جيش الإسلام- وهى بكل إعلامها ومنشوراتها ومواقعها.. وبكل شاشاتها وصفحاتها.. وبكل قادتها وشيوخها.. عبءٌ ثقيلٌ على الدين والدنيا.. هى -قولاً واحداً- ليست صوتاً للإسلام أو المسلمين.. إنها صوت إسرائيل.
حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر
نقلا عن الوطن