الجانب القانوني في اتهامات المستشارة تهاني الجبالي - التحالف الجمهوري - لقائمة في حب مصر هم أعلم به، ولذلك نتركه لطرفي القصة، وللقضاء، ليحكم فيه.
إنما أريد هنا أن أتحدث عن الجانب السياسي في الموضوع. نوحي في أحاديثنا السياسية بأن غرض السياسة هي التوافق. في حين أن الواقع عكس ذلك تماما، غرض السياسة هو "إدارة الاختلاف والتنوع". وبالتالي فالتوافق الوحيد الذي تهدف إليه السياسة هو التوافق على قواعد المنافسة، قواعد إدارة الاختلاف.
ليست السياسة وحدها في هذا، فهذا غرض لعب كرة القدم، التوافق على قواعد إدارة اختلاف المصالح بين الفريقين. وهذا غرض المنافسة التجارية القانونية، التوافق على قواعد إدارة الاختلاف في المصالح التجارية. هذا غرض كل شيء يتعلق بالنشاطات البشرية. فلماذا تكون "السياسة" استثناء وهي الجامعة لإدارة كل النشاطات البشرية؟!
تبدو كلمة التوافق محببة، وتبدو كلمة الإجماع أحب. لكنهما في الحقيقة سببان للركود لا التطور. لأن التطور بني في العالم على أساس المنافسة، على أساس اختلاف المصالح وسعي كل فريق إلى تحقيق مصلحته. الطمع والغيرة والرغبة في التفوق هي القوى "الشريرة" التي تطلق الشرارة في هذا العالم للتقدم إلى الأحسن، وذلك حين تختلط بالحكمة. ولو توافق فريقان على نتيجة مباراة لفشلت، وصارت مملة، ولو تكرر هذا لانهار الدوري وخربت لعبة كرة القدم في الدولة المعنية.
ليس غرض هذا المقال الإشارة إلى سلبيات هذا التراشق الإعلامي. غرضه الحديث عن إيجابياته. تضارب المصالح يعني أن يصير كل فريق رقيبا على غيره، وأن تنشأ اختلافات وخصومات تجبرنا كمجتمع على البحث عن قواعد لإدارتها.
إن كان هذان الفريقان ينتميان إلى المحسوبين على "تحالف ٣٠ يونيو" فهذا أفضل وأفضل. لأنه يعني أن هناك تنوعات داخل هذا التحالف، والتنوعات تسمح بإعادة تشكيل الخريطة، وتسمح بأن لا يتحول هذا التحالف المرتبط بلحظة تاريخية ما إلى تحالف عابر للزمن وجامد، أي لا يتحول إلى اتحاد اشتراكي جديد، أو إلى "حزب حاكم" جديد. الاختلاف يغري بإعادة رسم الخريطة، بالشد والجذب، حتى الوصول إلى نقطة توازن.
الاختلاف مع قائمة تدعي أنها مقربة إلى الرئاسة سبب آخر للنظر إلى إيجابية الموضوع. لأنه يعني أن لا "كارت بلانش" لهذه القائمة أو ذاك، بل يعني أن هناك قوى أخرى - ليست معروفة براديكاليتها - لها مصالح قوية، واختيارات سياسية مختلفة، تصل إلى حد التراشق العلني.
يقولون إن أفضل حل لوجود أباطرة رأس مال هو المزيد من أباطرة رأس المال. لأن مصالحهم ستتضارب. وسيصبح بعضهم رقيبا على بعض. وفي وسط هذا التضارب سينفذ آخرون ويكبرون. وتضاربهم سيؤدي في البداية إلى صراع، وحين يكتشفون أنهم جميعا خاسرون سيتفقون على قواعد. هذا نفسه ينطبق على السياسة.
قد تحل هذه المشكلة وتمضي في حال سبيلها. لكن الأكيد أن المجتمع المصري نفسه صار متعدد المصالح، وأن الحلول المؤقتة لن تنتج وضعا دائما. فمرحبا بالتعبير عن الخلافات، ذلك هو الطريق الوحيد الذي سيضطرنا إلى "التوافق على قواعد إدارة الاختلاف".
نقلا عن دوت مصر