(1)
أستاذ عبد الغفار شكر، قيمة وطنية وسياسية كبيرة. وهو رقم فاعل فى التجربة السياسية المصرية على مدى عقود وإلى الآن، أمد الله فى عمره. فلقد كان الأستاذ عبدالغفار، أحد المشاركين الأساسيين فى بناء التجربة السياسية الناصرية فى مرحلتى: يوليوـ الثورة، ويوليوـ الدولة. وتحديدا من خلال: «منظمة الشباب»، و«التنظيم الطليعي» فى زمن ناصر. وهو أيضا أحد المشاركين الفاعلين ـ ولكن من موقف معارض فى مرحلة يوليو الدولة المضادة ـ فى بناء التجربة الحزبية المصرية الثانية فى تاريخ مصر وقت حكم السادات وامتداده المباركى. والنضال بدأب عبر كل التشكيلات الاحتجاجية التى تشكلت وتكثفت معا فى لحظتين تاريخيتين هما: «حراك 25 يناير و30 يونيو»...
(2)
لقد كان الأستاذ عبدالغفار شكر حريصا على تقديم تجربتى: «المنظمة والتنظيم»، فى دراستين موثقتين، للأجيال المعاصرة، من جهة، واستخلاص الدروس المستفادة من هاتين التجربتين، من جهة أخرى. وعليه أصدر مجلده الأول: «منظمة الشباب الاشتراكى: تجربة مصرية فى إعداد القيادات (1963 ـ 1976)»، فى عام 2004. ومطلع هذا العام أصدر مجلدا ثانيا عنوانه: «الطليعة العربية: التنظيم القومى السرى لجمال عبدالناصر(1965 ـ 1986). واعيا بأن أساس التقدم هو التراكم ولا يمكن أن يتم التراكم ما لم تكن لنا ذاكرة حية. والذاكرة كى تكون حية لابد من أن تكون حاضرة. وبالفعل فلقد حفظ لنا أستاذ عبدالغفار شكر بهذين المجلدين المعتبرين ذاكرتنا الوطنية. ومن ثم يكون التحدى الراهن هو كيف يمكن أن نتقدم إلى المستقبل فى إطار التراكم التاريخى لا البدء من جديد.. وتأتى أهمية عرضنا لهاتين التجربتين/هذين المجلدين من أننا فى لحظة تحول دقيقة تحتاج منا إلى استلهام التجارب، واستخلاص الدروس، واستكشاف الملائم.. دون اجترار أو تكرار.. وهو ما يؤكد عليه أستاذ عبدالغفار فى مقدمة كتاب: «منظمة الشباب» نصا بقوله: «هذه التجربة لا يمكن تكرارها أو استعادتها، فقد كانت نتاجا لعصرها، ولظروف مصر فى الستينيات من القرن العشرين، ولكنها قابلة للاستفادة منها، وتمثل أهم دروسها، وفى مقدمتها أن المزاوجة بين التكوين الفكرى والتدريب القيادى والإدماج فى حركة المجتمع من خلال النشاط السياسى والجماهيرى هى شرط ضرورى للنجاح فى إعداد القيادات الشابة»...
فى مقالنا اليوم نقدم تجربة «منظمة الشباب» وفى مقال الأسبوع القادم نقدم تجربة التنظيم الطليعى...
(3)
يقع كتاب «منظمة الشباب الاشتراكى» فيما يقرب من 500 صفحة. «يضفر» أستاذ عبدالغفار بين تفاصيل وأبعاد تجربة تكوين الشباب الناصرية الثرية ويقسمها إلى أربعة أقسام وذلك كما يلى: يستهل القسم الأول بالحديث عن: نشأة المنظمة وتطورها والعوامل التى حكمت مسارها، والنتائج المترتبة على قيامها. ويخصص القسم الثانى لعرض: أسلوب المنظمة فى إعداد القيادات وتحليل مضمون للبرنامج الفكرى موضحا علاقته بالمشروع القومى لثورة 23 يوليو. كما حرص فى القسم الثالث أن يقدم: رؤية نقدية وتقييما لتجربة المنظمة من خلال شهادة مائة شخصية قيادية من أعضاء المنظمة. أما فى القسم الرابع والأخير فيبلور لنا: حصاد تجربة المنظمة متمثلا فى الدور الذى قام به أعضاؤها فى مختلف مجالات المجتمع والمواقع القيادية لهم فى الحركة الجماهيرية والحياة السياسية وفى أجهزة الدولة والمجتمع.. فى إطار هذا التقسيم الدقيق والمركز فى آن واحد يربط المؤلف بين رؤية الزعيم الشاب ناصر وبين قناعته أن «الأمل الحقيقى هو فى استمرار النضال، ويتأكد الاستمرار حين يكون هناك فى كل وقت ـ جيل جديد على استعداد للقيادة ولحمل الأمانة ومواصلة التقدم بها.. جيل جديد أكثر وعيا، أكثر صلابة، أكثر طموحا،...لأنه «إذا حجبنا الشباب عن العمل السياسى تتوقف حيوية الأنظمة، ويزداد الاعتماد على عناصر القوة فى المجتمع».. «إن علينا بالصبر أن نستكشفه دون منّ عليه ولا وصاية. وعلينا بالفهم أن نقدم له تجاربنا دون أن نقمع حقه فى تجربته الذاتية...».
(س4)
على هذه الخلفية وُضع البرنامج التكوينى التثقيفى للشباب من المحاور التالية: أولا: تطور المجتمع البشرى، ثانيا تطور المجتمع المصرى، ثالثا: نضال الشعوب العربية ضد الاستعمار والصهيونية، رابعا: الوضع الدولى الراهن، خامسا: الإسلام والمجتمع، سادسا: العمل مع الشباب. تدرج البرنامج فى ثلاث مراحل بإجمالى ما يقرب من 50 محاضرة.. وكان من أهم عوامل النجاح للقيادات الجديدة: «توفر الوعى القائم على المعرفة العلمية، وروح المبادرة الناجمة عن القدرة الحركية، والشعبية التى تصنعها علاقة سليمة بالجماهير».. لم تكتف المنظمة بالشباب الجامعى ولكنها كانت تستوعب شباب العمال والفلاحين والموظفين فى أجهزة الدولة وكذلك فتيان وفتيات ثانوى وأيضا الشباب الذين يمثلون تيارات أخرى غير ناصرية وبالتأكيد الشباب من المسلمين. ويشير أ.عبد الغفار إلى أن المنظمة قد ثقفت 300 ألف شاب وشابة...
(5)
نجحت المنظمة فى أن تجدد الكثير من الأفكار، كما أنها كانت قاعدة ضخ للقيادات.. وفى المقابل يقر أ.عبد الغفار بصعوبة بناء تنظيم من خلال السلطة لسببين هما: تأثر الشباب بتحيزات وتناقضات السلطة وصراعاتها، أو بانتهازية الكوادر. إلا أن الأكيد هو أن التجربة قد خرج منها قوى معارضة رافضة للهزيمة ودافعة للتغيير.. ونواصل...
نقلا عن المصري اليوم